تمثل واقعة إطلاق النار الإرهابية الدموية في مدينة هاناو الألمانية أحدث حلقة من سلسلة هجمات ومؤامرات يقف خلفها تيار اليمين المتطرف في دولة اعتُبِرَت لفترة طويلة أكثر دول أوروبا استقراراً، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
قتل المسلمين بأسلوب "الكوماندوز"
وبحسب الصحيفة، جاء هذا العمل الإجرامي للمسلح، الذي قال الإعلام الألماني إنه يُدعى توبياس راثجين، عقب أيام قليلة من اعتقال عشرة ألمان لاتهامهم بالتخطيط لشن هجمات مسلحة على مساجد في أنحاء ألمانيا.
ويُشتبَه أنَّ هدفهم غير العادي كان قتل المسلمين في هجمات تتبنى نفس أسلوب "الكوماندوز"، مع نية مُستَتِرة باستفزاز ردود انتقامية منهم، وحتى حرب أهلية. وكان من المتوقع أن يساهم كل فرد منهم بمبلغ 50 ألف يورو لتمويل العملية.
وجزء من مصدر "إلهامهم" كان عالمياً؛ إذ يقول ممثلو الادعاء الألمان إنَّ المتآمرين تأثروا بالهجمات العنيفة على مسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، التي قتل فيها مسلح 51 مسلماً، وبث لقطات من جرائمه مباشرة على فيسبوك.
"في بعض الحالات، كان للمتطرفين صلات بالشرطة والجيش"
لكن هناك أيضاً عوامل محلية غذت هذا العنف. ففي الفترة التي تلت أزمة الهجرة في عام 2015، عندما وصلت أعداد كبيرة من الأشخاص اليائسين إلى البلاد من سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، زاد النشاط اليميني المتطرف.
وقالت الشرطة الألمانية الأسبوع الماضي إنها تراقب 53 من الأفراد الذين يُشتبَه أنهم عنيفين ومرتبطين باليمين المتطرف، وذلك مقارنة بـ 22 شخصاً فقط في عام 2016. وتتعرض كذلك أجهزة المخابرات والأمن المحلية لضغوط شديدة بسبب العدد المتزايد من المؤامرات والحوادث.
وفي هذا السياق، علَّق باتريك هيرمانسون، من جماعة Hope Not Hate المعنية بمراقبة اليمين المتطرف: "يكمن جزء من المشكلة في أنَّ أجهزة الأمن الألمانية لا تبدو إلى الآن أنها نجحت في التعامل مع الوضع. وفي بعض الحالات، كان للمتطرفين صلات بالشرطة والجيش".
"قائمة موت"
وفي يونيو/حزيران الماضي، تبيَّن أنَّ مجموعة من المتطرفين اليمينيين تُدعى Nordkreuz "الصليب الشمالي"، استخدمت بيانات الشرطة لتجميع "قائمة موت" من الأهداف اليسارية والمؤيدة للاجئين. وكان لدى بعض أعضاء المجموعة، البالغ عددهم 30 أو نحو ذلك، روابط مع الأجهزة الأمنية، ولا يزال شخص واحد منهم على الأقل يعمل في وحدة كوماندوز خاصة.
وطلبت المجموعة شراء أكياس جثث والجير الحي للتخلص من جثامين ضحاياهم المحتملين، لكن بالرغم من هذه المؤامرة، لم يُشِر المكتب الاتحادي لحماية الدستور، جهاز الاستخبارات المحلي الألماني، لهذه الجماعة على أنها تمثل تهديداً في بيانه السنوي.
وفي واقعة أحدث عهداً، استخدم مُسلَّح معادٍ للسامية، يُدعى ستيفن باليت، بندقية بدائية يدوية الصنع لقتل امرأة تبلغ من العمر 40 عاماً ورجل يبلغ من العمر 20 عاماً خارج كُنيس يهودي في مدينة هال الشرقية. وكان من الممكن أن يكون الهجوم في أكتوبر/تشرين الأول أسوأ من ذلك: فقد حاول المسلح اقتحام الكُنيس، حيث تجمع مُتعبِّدون للاحتفال بيوم الغفران، لكنه فشل.
ومثلما حدث في كرايستشيرش، بث المهاجم الجريمة عبر الإنترنت من كاميرا مثبتة على رأسه، قائلًا في إحدى المراحل: "لا أحد يتوقع بث لقطات الشاشة هذه على الإنترنت". ويُزعم أنَّ مدبري الهجوم على المساجد الذين اعتُقِلوا الأسبوع الماضي حاولوا أيضاً الحصول على بنادق من نفس النوع الذي استُخدِم في هجوم كرايستشيرش.
"النازيون الجدد"
في الصيف الماضي، اعتُقِل ستيفان إرنست، البالغ من العمر 45 عاماً، يواجه سلسلة من الإدانات بارتكاب جرائم عنيفة ضد المهاجرين، بعدما أطلق النار على السياسي المحافظ فالتر لوبكه، من مسافة قريبة خارج منزله في استا بوسط ألمانيا.
وعُرِف عن لوبكه موقفه المؤيد للهجرة، وتداولت أوساط تيار اليمين فيديوهات عن تعليقاته المؤيدة على يوتيوب. وقيل إنَّ دافع إرنست، الذي وُجِد آثار لحمضه النووي في مسرح الجريمة، لقتل لوبكه هو آرائه.
وفي الشهر الماضي، حظرت ألمانيا مجموعة النازيين الجدد (Combat 18)، التي يُعتقَد أنَّ إرنست كان على اتصال بها. وتأسست هذه المجموعة في بريطانيا في أوائل التسعينيات بوصفها جناحاً متشدداً للحزب الوطني البريطاني، وقد وجدت المنظمة حياة جديدة لها في دولة لا تزال بشكل عام حساسة جداً تجاه ماضيها الفاشي.
ونفذ ما يقرب من 200 ضابط شرطة مداهمات في 6 ولايات ألمانية، صادروا خلالها الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والأسلحة، بالإضافة إلى شعارات النازيين من أعضاء المجموعة التي قال هورست سيهوفر، وزير الداخلية الألماني، إنها "تتمتع باحترام كبير داخل الدائرة المتشددة لتيار اليمين المتطرف"؛ نظراً لتاريخ البلاد.
من جانبهم، يقول المحققون البريطانيون إنَّ هناك صلات إلكترونية بين الجماعات اليمينية المتطرفة في بريطانيا وألمانيا والدول النوردية؛ إذ يتطرف معظم الناس من خلال التواصل مع أفراد يشاركونهم نفس التفكير عبر الحدود الوطنية باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي المتخصصة، مثل منصة Telegram.