رغم صعوبة الظرف المالي والاقتصادي الذي يمر به لبنان وتدهور الوضع الاجتماعي فإن ما يشغل قادة السياسة المتخاصمين في لبنان هو المعركة المحتملة على حلم الرئاسة اللبنانية خلفاً للرئيس ميشال عون الذي يعاني عهده السياسي من انفجارات، كان آخرها الانتفاضة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 التي يرى البعض أنها ستفتح معها حقبة سياسية جديدة.
تولى الرئيس اللبناني العماد ميشال عون رئاسة البلاد في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، ووفقاً للدستور اللبناني تستمر ولايته لمرة واحدة لمدة ست سنوات، أي تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وسبق لمجلس النواب أن عدّل الدستور للتمديد للرئيس الأسبق إميل لحود تحت ضغط سوري، وهو أمر مستبعد حالياً.
ورغم أنه ما زال أمامنا عامين على انتخابات الرئاسة فإنه يبدو أنه مع تدهور الوضع في البلاد فإن معركة الرئاسة قد انطلقت مبكراً.
باسيل ما زال يراهن على أن يوصله حزب الله إلى الرئاسة اللبنانية
ما هو مؤكد أن ما بعد الانتفاضة ليس كما قبلها، أحلام الصهر جبران باسيل بخلافة حماه الجنرال تعيش أسوأ أيامها.
وتياره السياسي التيار الوطني الحر بات محطّ اتهامات بالفساد والمسؤولية عن تدهور البلاد، وتحديداً بعد خسارة حليفين أساسيين وهما: تيار المستقبل، وحزب القوات اللبنانية، اللذين يسعيان لإسقاط أحلام باسيل وتبديد مساعيه للخروج من أزمته السياسية.
لكن باسيل يعوّل كعادته على حليفه الصلب في المعادلة اللبنانية، أي حزب الله.
كما يسعى باسيل بحسب مصادر للالتفاف على مجموعات من الحراك في محاولة لاستقطابها وامتصاص غضبها نتيجة السياسات المتدهورة التي أوصلت لبنان إلى حافة الانهيار المالي والسياسي.
في المقابل الكل اتفق على إسقاطه
في حين أن إسقاط باسيل بات مشروعاً سياسياً تتفق عليه أطراف عدة متوجسة ومستفزة من أدائه السياسي، كالحزب التقدمي الاشتراكي، وحركة أمل، وتيار المردة، رغم أنهم ينتمون لتيارات سياسية مختلفة.
يدرك حزب الله الذي يحمل اليوم كرة النار بعد تشكيل حكومة اللون الواحد المحسوبة عليه، أنه بات في مرمى الخصوم المحليين والإقليميين، وأن المرحلة باتت تستدعي مزيداً من الحنكة السياسية والبراغماتية العالية لتمرير الوقت في ظل الصراع الأمريكي – الإيراني بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وما خلفته من آثار سلبية على مستقبل التفاهمات بين الأقطاب.
لكن ما هو مؤكد أن استمرار حزب الله في فرض مرشحي الرئاسة لم يعد بالأمر السهل، قائمة المرشحين والحالمين باتت كبيرة لكنها ستتقلص في النهاية لاسمين أو ثلاثة ستتنافس على إقناع الداخل والخارج بأنها الأكثر أهلية في زعامة آخر معاقل مسيحيي الشرق وأقليات تعيش وسط أكثرية مسلمة، وهذا ما سيحاول باسيل اللعب عليه، أي استنهاض الشعور المسيحي وعقدة الاستهداف التي يلعب عليها منذ مدة صعوده للحكم كرئيس ظل للبلاد، كما وصفه مؤخراً رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
أبرز المرشحين لخلافة عون
ليس بعيداً احتمال أن يعيد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيح نفسه سواء كمناورة أو ترشيح جدّي.
لكن من الصعب في ظل كل تلك المناوشات مع حزب الله أن يمر جعجع ويصبح رئيساً للبلاد.
كما يرى كثيرون أن لبنان لم يعد يحتمل رئيساً يكون جزءاً من طرف دون آخر، وهذا ما أثبتته تجربة انتخاب ميشال عون.
فرنجية صديق الأسد الذي يحلم بالعودة لكرسي جده
لكن ما سيواجه باسيل هذه المرة هو تنافس أبناء الفريق السياسي الواحد، وهو طموح سليمان فرنجية زعيم تيار المردة لخلافة عون.
فرنجية أصلاً كان مرشحاً مستمراً لهذا المنصب، وهو سليل عائلة تولت رئاسة الجمهورية وكان قوب قوسين لولا إصرار حزب الله على الوفاء بعهده مع ميشال عون لإيصاله لقصر بعبدا.
لكن فرنجية بقي العين المتربصة لعهد عون على الرغم من تحالفه مع الحزب , لا يتوانى الرجل عن توجيه السهام نحو عون وصهره الشغوف يالحكم .
ما يميز فرنجية أنه يرتكز بحضوره السياسي على علاقته بنظام بشار الأسد ما قد يؤمن للرجل غطاءً روسياً حريصاً على لعب دور سياسي في المشهد اللبناني وهذا ما يعلن عنه مراراً وتكراراً.
وتاريخيا منذ عهد جده الرئيس الأسبق للبنان الذي اختتم عهده بالحرب الأهلية كات عائله فرنجية لديها علاقة وثيقة وشخصية مع عائلة الرئيس السوري حافظ الأسد .
وتنظر العائلتان لنفسيهما بأنهما زعامتان تنتميان إلى أقليات دينية ومذهبية تعيش في وسط بحر سني يحيط بهما.
وخلال الحرب الأهلية اللبنانية كان آل فرنجية هم الطرف المسيحي الوحيد الذي انحاز إلى القوات السورية عندما انقلب التحالف السوري المسيحي ضد الفلسطينيين واليسار إلى صراع بينهما.
فعندما خُيّر فرنجية بين أشقائه الموارنة وبين نظام الأسد اختار نظام الأسد.
هذه العلاقة الوثيقة استمرت في عهد سليمان الحفيد الذي سمّى ابنه باسل على اسم ابن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
ويقال إن هناك علاقة شخصية وثيقة تربط سليمان فرنجية أيضاً بالرئيس السوري بشار الأسد حالياً.
والرجل لم يتحرج يوماً من القول إنه جزء من سبب تحالفه مع حزب الله ناتج من أن كليهما ينتمي إلى الأقليات في المنطقة.
لكن فرنجية على الخط نفسه يرتبط بعلاقته مع فرنسا التي تعتبر بيته السياسي التاريخي جزءاً من التحالف مع باريس والتي تعتبر مسيحيي الشرق على اختلاف توجهاتهم حصتها المسؤولة عنها معنوياً.
كما لفرنجية علاقة متميزة مع السعودية منذ جدّه الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي بنى علاقته مع السعودية منذ أيام الملك فهد بن عبدالعزيز.
فالسعودية قد تمضي بفرنجية إذا كان مرشحاً أساسياً، وهذا ما بدا حين قرر الحريري منذ سنوات ترشيح فرنجية رئيساً قبل الاستدارة باتجاه تسوية الرئاسة مع عون التي كرّست تحالفاً ثلاثياً بين تيار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر.
حظوظ فرنجية قد تكون مرتفعة ما قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر بكون القرار حصراً كان بيد الأطراف المحلية والخارجية، لكن ومنذ اندلاع الانتفاضة بات لزاماً على القوى السياسية السير بمرشح يرضي الحراك.
لكن فرنجية الذي يفتح الأبواب حتى مع خصوم حزب الله كالولايات المتحدة ودول الخليج العربي عبر زيارات مستمرة لسفراء تلك الدول التي تواصل التنسيق مع فرنجية كخيار محتمل في حال اتفقت الولايات المتحدة مع إيران على خارطة طريق في المنطقة.
مشكلة فرنجية الرئيسية
تبقى المشكلة أمام فرنجية في بيته الداخلي أي داخل قوي 7 آذار التي يقودها حزب الله.
فرغم أن فرنجية يوصف تقليدياً بأنه الأقرب لحزب الله وسوريا من بين كل الأحزاب المسيحية في لبنان فإنه ليس الأكبر من بين هذه الأحزاب.
وبالتالي فإن حزب الله يتحسب من ترشيحه لرئاسة الجمهورية حتى لا يفقد تأييد كتلة التيار الوطني الحر صاحب الشعبية الأعلى في أوساط المسيحيين والكتلة الأكبر في البرلمان.
فبدون التيار الوطني الحر يفقد حزب الله الحليف الأهم في الوسط المسيحي وكتلة كبيرة في البرلمان تمنح و8 آذار أغلبية مسيحية.
الجديد في هذا الملف أن هناك جبهةً سياسية قيد التشكل، لا تزال من دون أي خطة أو برنامج مشترك، لكن أقطابها يلتقون على فكرة ويختلفون على الكثير، إلا أن نقطة الجمع بينهم تقوم على أساس إضعاف التيار الوطني الحرّ، وإعادة اللعبة السياسية في إنتاج الرؤساء على قاعدة الشخصيات التوافقية وليست الاستفزازية.
ويؤكد هؤلاء أن الرئيس القادم يجب ألا يكون على خصومة مع أكثر من نصف الشعب اللبناني.
أوساط مقربة من فرنجية تؤكد أنه مرشح حقيقي للرئاسة بعد 3 سنوات بكونه يتمتع بمواصفات الرئيس الجامع.
يقول المصدر إن ممارسات جبران باسيل خلال المراحل السابقة أبعدته عن المشهد خطوات كبيرة واستفزازه المستمر للحلفاء والخصوم جعل منه شخصية غير كفؤة لاستلام دفة البلاد.
ويرى المصدر أن استمرار الوزير باسيل في محاولات السيطرة على كل شيء سيؤثر سلباً على الواقع والتوازن السياسي الذي يعيش أسوأ مراحله منذ عام 2016.
طموحات قائد الجيش
منذ استقلال لبنان بات مؤكداً أن كل قائد جيش هو مشروع مرشح لرئاسة الجمهورية.
لكن مع هذه المرحلة الدقيقة يبدو قائد الجيش الحالي جوزيف عون مرشحاً وبقوة خاصة لأنه لم يستخدم الجيش في قمع التظاهرات كما كانت تتمنى قوى السلطة وتطلب مراراً وتكراراً بفتح الطرقات المقفلة وبالقوة.
وبالرغم من النفي المتكرر لأوساط قائد الجيش لأي طموح سياسي مستقبلي وعدم ارتباط تصرفات الجيش بتوازنات معينة، لكن على ما يبدو هناك مَن يخشى مِن حصول جوزيف عون على لقب "فخامة الرئيس"، خاصة لكونه قائداً يحظى بعلاقات متميزة مع الإدارة الأمريكية ونجح في تمرير المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني رغم قرارات صدرت في واشنطن بعدم مساعدة لبنان في المراحل السابقة، وهذا ما يزعج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
إعادة التوازن
يرى الصحفي والمحلل السياسي مصطفى العويك أن حسابات رئاسة الجمهورية في لبنان تخضع للربع الساعة الأخيرة للانتخابات التي تجرى في مجلس النواب.
ويقول إن شخصيات كثيرة نامت على أنها في الرئاسة الأولى واستيقظت على تغيير أطاحت بأحلامها.
المشهد بحسب العويك بات الآن معقداً بسبب التحولات التي تشهدها وستشهدها البلاد عقب انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019 لأن حسابات القوى السياسية تختلف عن سابقاتها.
وأضاف: هناك انتخابات برلمانية ستسبق الرئاسية والبرلمان هو من سينتخب الرئيس وهذا يعني أن الأفرقاء لن يعودوا إلى أحجامهم السابقة ولن يتمكنوا من التفاوض فيما بينهم كما كانت تجري سابقاً.
الصراع الإقليمي على المنطقة وصفقة القرن والحضور الروسي والتركي والتراجع الفرنسي وأداء الإدارة الأمريكي في عهد ترامب كلها تعني تغييراً جوهرياً في قواعد اللعبة، انتصار الولايات المتحدة سيثبت معادلة معينة واتفاق أمريكي – إيراني سيثبت أخرى.
لكن وبحسب العويك فحظوظ جبران باسيل باتت ضعيفة، لأن أداء العهد السياسي منذ 2016 أخرج لبنان من معادلة الرئيس التوافقي الجامع والذي يستطيع أن يلعب دور الشخصية القادرة على فتح قنوات مع الدول العربية والأجنبية وجسر تواصل مع السعودية وإيران ويحظى برضا أمريكي وروسي، وهذا الذي لم يستطع القيام به الرئيس ميشال عون بعد انحيازه لمحور إقليمي دون الآخر.
الحراك: نريد رئيساً لبنانياً
ترفض مصادر مجموعات الحراك الشعبي استعادة القوى السياسية لدفة اللعبة ومحاولات الالتفاف على مطالب اللبنانيين.
تؤكد تلك المصادر أن مطالبها الأساسية كانت وستبقى تنحي رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن حالة الانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان.
كما أنها مصرّة على موقفها في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفق قانون انتخابي يكرّس صحة التمثيل.
تقول المجموعات إنها مستمرة في تحركاتها حتى إسقاط ما تسميهم "مافيات الحكم" المتحكمة بمفاصل البلد وإنها لن تسمح بتمدد أحزاب السلطة على حساب الشعب.
وعن احتمالات تشكيل جبهة معارضة لأحزاب سياسية متخاصمة مع التيار الوطني الحر لمواجهته سياسياً.
تؤكد أنها غير معنية بحفلات الصراع لتقاسم المغانم والاتفاقات على شكل الرئيس القادم لضمان بقاء مصالحها.
وترى أن الانتفاضة الشعبية ستكون السد المنيع في استحقاقات لبنان الكبرى وأبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة.