عدلت حركة النهضة من مواقفها من المشاركة في الحكومة التونسية برئاسة إلياس الفخفاخ، خاصة فيما يتعلق بشرط مشاركة حزب قلب تونس في الحكومة، فماذا وراء تخلي النهضة عن شروطها لتشكيل الحكومة التونسية، وما المكاسب التي حققتها من التشكيلة الجديدة؟
خرجت تشكيلة الحكومة التونسية للنور بعد تكتيكات وحسابات حسمت قرار الحزب الإسلامي الحائز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان التونسي، وإنْ جاء قراره متأخراً وبعد سجالات ضمنية بينها وبين الرئيس التونسي قيس سعيد.
موافقة حركة النهضة المتأخرة على المشاركة في حكومة إلياس الفخفاخ، دون قلب تونس، ظهرت وكأنها تنازلٌ من الحركة عن أحد شروطها الأساسية للمشاركة في الحكومة، وتخلٍّ من النهضة عن "حليف" أسهم في فوز رئيس الحركة راشد الغنوشي برئاسة البرلمان.
هذا التغيير في موقف النهضة فتح باب التساؤلات على مصراعيه، خاصة فيما يتعلق بدوافع تنازل النهضة عن شروطها لتشكيل الحكومة، وموافقتها التي جاءت قبل ساعات من نهاية المهلة الدستورية لإعلان الفخفاخ تشكيلته الحكومية.
قلب تونس: ليست خيانة ولن نصوّت للحكومة
الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس، الصادق جبنون، قال لـ "عربي بوست": "نحن لا نعتبر النهضة حليفاً لأننا كنا سبباً في سقوط حكومة الجملي التي دعمتها الحركة مثلاً، ولا نعتبر تخليها عن إشراك قلب تونس في حكومة إلياس الفخفاخ خيانة لتحالف غير موجود أصلاً.
وأضاف: كل ما في الأمر أننا في تنافس إيجابي مع حركة النهضة وبقية الأحزاب ومكونات المشهد السياسي الأخرى، أحياناً تتقاطع مصالح الأحزاب، وأحياناً أخرى تختلف مواقفها في بعض المسائل.
وتابع قائلاً: "قلب تونس حزب لا يحتاج لحركة النهضة حتى تدافع عنه وتفرض مشاركته في الحكومة، بل نحن حزب لدينا رؤيتنا ومواقفنا التي نقررها حسب تقديرنا للمصلحة الوطنية للبلاد، لذلك سنسعى أن نكون حزباً بنّاء في المعارضة".
وحول موقف الحزب من الإعلان عن تشكيلة حكومة الفخفاخ.. أكد جبنون: "نحن نعتبر هذه الحكومة بعيدة كل البعد عن أن تكون حكومة وحدة وطنية، ونتّجه إلى التصويت ضدها في البرلمان، لكننا سنكون حزباً بنّاء وإيجابياً في صفوف المعارضة".
النهضة: لم نتنازل
من جهته، قال القيادي في حركة النهضة نور الدين العرباوي لـ "عربي بوست" إن الحركة لم تتنازل عن شروطها للمشاركة في حكومة إلياس الفخفاخ، وكل ما في الأمر أن النهضة قدرت أن هناك مؤشرات قدمها رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ لتوسيع تشكيلته الحكومية في المستقبل القريب، لتكون حكومة وحدة وطنية بالفعل، بما يضمن الاستقرار.
وأضاف العرباوي أن حركة النهضة ستعمل جاهدة خلال الفترة المقبلة، وبعد منح الثقة للحكومة، على الدفع في هذا الاتجاه وتحقيق هذا الهدف.
حسابات وتخوّفات وراء تخلّي النهضة عن شروطها لتشكيل الحكومة التونسية
وحول التغيُّر المفاجئ في موقف حركة النهضة بالمشاركة في حكومة إلياس الفخفاخ، دون إشراك قلب تونس رأى المحلل السياسي علي القاسمي، أن إصرار حركة النهضة على إشراك قلب تونس في الحكومة هو ورقة ضغط من الحركة لفرض شروطها على الفخفاخ، وضمان حليف داخل البرلمان يمكن أن يساندها في بعض مقترحات القوانين، مثل تعديل القانون الانتخابي فيما يخص "العتبة".
وقال القاسمي لـ "عربي بوست" إن النهضة حاولت فرض شروطها، والفوز بأكثر مكاسب ممكنة من حكومة الفخفاخ، وحاولت تفادي سيناريو الانتخابات المبكرة لعدة اعتبارات، أهمها توجسها وخشيتها من منح فرصة لرئيس الجمهورية لتوسيع صلاحياته ونفوذه في الحكم، وكذلك لأنها وإن كانت على ثقة من فوزها في هذه الانتخابات إلا أنها تخشى من صعود أحزاب لا يمكن التوافق معها حول عدد من المسائل، مثل تشكيل الحكومة ورئاسة البرلمان، وخاصة الحزب الدستوري الحر (المحسوب أكثر على النظام).
وتابع: "رئيس حركة النهضة راشد الغنوسي لن يجازف بخسارة منصب رئاسة البرلمان، لأنه سيكون غير مرشح لرئاسة الحركة خلال مؤتمر النهضة القادم، بما أن القانون الداخلي للحركة يمنعه من الترشح للمرة الثالثة لمنصب الرئيس".
مكاسب النهضة من التشكيلة الجديدة
يشار إلى أن حركة النهضة استطاعت تحقيق مكاسب مهمة في حكومة الفخفاخ، فيما يتعلق برفع تمثيلها في الحكومة من حيث الحقائب الوزارية.
إذ تم منحها 7 حقائب وزارية (الصحة والرياضة والشؤون المحلية والفلاحة والنقل والتعليم العالي والبحث العلمي والتجهيز والإسكان).
بالإضافة إلى تحييد وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال، بمنحها لمستقلين أو تكنوقراط.
ومن المعروف أن الفخفاخ الذي كلفه الرئيس التونسي بتشكيل الحكومة بعد فشل الحبيب الجمالي مرشح النهضة في مهمته، قد أعلن أن هدفه هو تشكيل حكومة تستند لكتل سياسية ثورية، أيدت الرئيس في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني استبعاد حزب قلب تونس، الذي أسسه نبيل القروي، منافس الرئيس بالانتخابات، لأنه محسوب على النظام السابق، في حين كانت النهضة تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة النطاق تضم قلب تونس.
فيما يرى كثيرون أن سبب رغبة النهضة في إشراك قلب تونس أنه ممثل لمصالح مالية وسياسية كبيرة بالبلاد، إضافة إلى تشابه أجندة الحزبين الاقتصادية الليبرالية، مقابل تخوفات النهضة من شعبوية ومناكفات أحزاب يسار الوسط والناصريين، التي تعد شريكاً أساسياً في الحكومة.