توشك بريطانيا على إغلاق حدودها أمام العمالة غير الماهرة ومن لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، ضمن إجراءات الإصلاح الجذرية لقوانين الهجرة التي سوف تُنهي عصر العمالة الرخيصة في الاتحاد الأوروبي في المصانع والمستودعات والفنادق والمطاعم.
وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فقد كشفت الحكومة الأربعاء، 19 فبراير/شباط، عن نظام النقاط الجديد على غرار النظام الأسترالي، وتقول إنها ستحظى بفرصة فريدة من أجل "السيطرة الكاملة" على الحدود البريطانية "للمرة الأولى منذ عقود"، والقضاء على "التشوه" الناتج عن قوانين حرية التنقّل في الاتحاد الأوروبي.
انتقادات وتحذيرات من "كارثة"
لكن قادة مجال الصناعة سرعان ما بدأوا الهجوم على الحكومة، واتهموها بتخريب الاقتصاد، محذرين من عواقب "كارثية" نتيجة فقدان الوظائف وإغلاق المصانع والأعمال التجارية. وأدان أيضاً حزب العمل وحزب الديمقراطيين الأحرار تلك المخططات، بينما قال أكبر اتحاد للعمال في المملكة المتحدة "يونسون"، والممثل للعاملين بقطاع الرعاية الصحية إن الحكومة "تتوجه نحو كارثة محققة في القطاع الصحي".
إلا أن وزراء الحكومة يرون أنهم بذلك يحققون مطالب الناخبين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ويقولون إن الوقت حان لكي تتخلص الشركات من العمالة المهاجرة الرخيصة.
تنص الوثيقة الموجزة لسياسات الهجرة الجديدة على ما يلي:
1- إغلاق الحدود البريطانية أمام العمالة غير الماهرة، وإلزام كل المهاجرين بالتحدث بالإنجليزية.
2- يجب أن يكون لدى من يريد القدوم إلى بريطانيا للعمل عرض للعمل براتب 33,300 دولار سنوياً (25.600 إسترليني) على الأقل، ولكن من الممكن قبول بعض الوافدين برواتب أقل، بحد أدنى 26.630 دولاراً أمريكياً (20,480 إسترلينياً)، في بعض الحالات الخاصة والمجالات التي تعاني من نقص العمالة الماهرة، مثل التمريض.
3- لن يكون هناك أي مجال للأشخاص الذي يعملون لحسابهم في بريطانيا، مثل السباكين البولنديين أو عمال البناء الرومانيين، ولن يُسمح لهم بالوصول إلى بريطانيا دون وظائف.
4- سلطات الحدود لن تقبل دخول حاملي بطاقات هوية البلدان الأوروبية الأخرى، مثل فرنسا وإيطاليا، في محاولة للتغلب على اختراق العمال من خارج الاتحاد الأوروبي للنظام البريطاني، من خلال تزوير أو سرقة بطاقات هوية لمواطنين من تلك البلدان.
5- سوف يخفض نظام تصنيف المواطنين الأجانب الراغبين في العمل في بريطانيا من الدرجة إلى مستويات بنظام التصنيف "A، B، …" أو ما يعادله. وسوف يُلغي الحد الأقصى المفروض على أعداد العمالة الماهرة، وسوف يُسمح لعدد قليل جداً من العمالة عالية المهارة بدخول البلاد من دون وظيفة مسبقة.
6- سوف يحافظ القانون الجديد على حقوق الفنانين والرياضيين والموسيقيين في دخول البلاد من أجل العروض والمنافسات والاختبارات.
"وظائف حيوية"
تهدف الحكومة إلى إطلاق حملة "شاملة" لتحضير أصحاب الأعمال لهذه التغييرات في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، عندما تبدأ معاملة مواطني الاتحاد الأوروبي مثل أصحاب الجنسيات الأخرى.
إلا أن السياسة الجديدة واجهت انتقادات فورية شديدة من أصحاب الأعمال، لاسيما مع إضافة وظائف النادل والنادلة وعمال الزراعة ومزارع الأسماك إلى قائمة العمالة منخفضة المهارات.
وحذّر روّاد الصناعة في بريطانيا من أن يكون لتلك التغييرات تأثير هائل على مصانع الأطعمة التي تعتمد إلى حدٍّ كبير على العمال من الاتحاد الأوروبي، لإبقاء وجود مختلف المنتجات الغذائية على رفوف المتاجر وفي الأسواق.
يقول توم هادلي، مدير السياسات باتحاد التوظيف والتشغيل: "الوظائف التي تعتبرها الحكومة "منخفضة المهارات" حيوية ومهمة للمجتمع والأعمال. هذا الإعلان يهدد بإبعاد أشخاص نحتاج إليهم من أجل تقديم خدمات يعتمد المجتمع عليها". وأضاف: "نحتاج إلى عمالة يمكنها مساعدتنا في رعاية المسنين، وبناء المنازل والحفاظ على الاقتصاد قوياً".
من جانبها تقول كيت نيكولز، الرئيسة التنفيذية لجمعية الضيافة البريطانية: "استبعاد مسار الهجرة عن طريق العمالة المؤقتة منخفضة المهارات سيؤدي في نحو 10 أشهر فقط إلى آثار كارثية على قطاع الضيافة والشعب البريطاني، وسيعيق الاستثمار في الكثير من الأعمال".
أما كارولين فيربيرن، المديرة العامة لاتحاد الصناعات البريطاني، فتقول إنها "ترحب" بإزالة الحد الأقصى المفروض على أعداد العمالة الماهرة، ولكنها حذرت من أن "بعض الشركات والقطاعات سوف تعجز عن توظيف الأشخاص الذين يحتاجون إليهم في أعمالهم".
أضافت: "مع انخفاض معدلات البطالة، سوف تكون هناك آثار وخيمة على الشركات في مجالات الرعاية والإنشاءات والضيافة والأطعمة والمشروبات".
"دعاية سياسية لا مبرر لها"
سيتلقى قطاع الضيافة أيضاً ضربة أخرى بإلغاء "تأشيرة باريستا" (تأشيرة عامل تحضير القهوة) للمقاهي، بالرغم من تحذيرات سلسلة مطاعم Pret A Manger منذ عامين، بأن هناك بريطانياً واحداً فقط من بين كل 50 متقدماً لتلك الوظيفة.
والفنادق من القطاعات المهددة أيضاً؛ إذ تعتمد على عمالة من الاتحاد الأوروبي لأعمال التنظيف والمطبخ وخدمة الغرف، والشركات والمنازل الكبيرة التي تعتمد على عمالة من الاتحاد الأوروبي لأعمال التنظيف والأمن.
وقالت دياني أبوت، وزيرة الداخلية بحكومة الظل لحزب العمل، إن مطالبة المهاجرين بالتحدث باللغة الإنجليزية "مجرد دعاية سياسية لا مبرر لها".
تضيف: "معظم الأشخاص الذي يأتون إلى هنا يتحدثون الإنجليزية بالفعل. ولكن هل سنمنع دخول عباقرة الرياضيات لأن لغتهم الإنجليزية ليست جيدة؟ هذا غير منطقي البتة… في نهاية المطاف سوف يصعب علينا جذب العمالة التي نحتاجها من كل مستويات المهارات المطلوبة، بسبب تلك البيئة العدائية التي خلقها حزب المحافظين، يجب أن ينتهي ذلك فوراً".
ناشد الشركاء في شركة Fragomen القانونية، المختصة بشؤون الهجرة، الحكومة البريطانية بعدم إغلاق الحدود بين ليلة وضحاها وتقليص تكلفة تأشيرات الهجرة في السياسة الجديدة.
يقول يان روبنسون، الشريك بالشركة ومسؤول السياسات السابق بوزارة الداخلية: "إذا كانت هناك احتمالية للوصول إلى مرحلة يصعب فيها الحصول على العمالة المطلوبة للعديد من المجالات والقطاعات فلا تغلق الباب مرة واحدة. امنح الأشخاص وقتاً لتوفيق أوضاعهم، أناشد أيضاً الحكومة بأن تجعل هذا النظام الجديد أرخص، إن التكلفة باهظة على نحوٍ لا يصدق وغريب".
الحكومة: تكيفوا وتأقلموا مع الوضع الجديد
لكن من المتوقع أن تنجح الحكومة في تمرير مشروع قانون السياسة الجديدة للهجرة عبر البرلمان خلال الأشهر القليلة المقبلة، بأغلبية ساحقة تصل إلى 80%.
تقول الحكومة في بيان موجز: "ستحتاج الشركات البريطانية إلى التكيف وتوفيق أوضاعها مع نهاية سياسة حرية التنقل في الاتحاد الأوروبي، ولن نسعى لاستنساخ تجربة حرية التنقل في نظام النقاط الجديد". وقال أيضاً إن على أصحاب الشركات العمل بجهد أكبر من أجل توظيف والحفاظ على عمّالهم البريطانيين.
"من المهم أن يتوقف أصحاب الأعمال والشركات عن الاعتماد على نظام الهجرة البريطاني، والبدء في الاستثمار بشكل أكبر، من أجل الحفاظ على العاملين وزيادة الإنتاجية والتوجه نحو استخدام التقنيات والأتمتة".
ويجري العمل على ترتيبات خاصة للعمالة الموسمية التي تحصد الحقول الزراعية، ولكنها تقتصر على 10 آلاف فرد فقط، وهذا أقل بكثير من مطالب الاتحاد الوطني للمزارعين بإصدار 70 ألف تأشيرة مؤقتة عام 2021.
تقول مينيت باترز، رئيسة الاتحاد الوطني للمزارعين: "المفارقة الساخرة أن الحكومة كانت تشجع الأشخاص على زيادة محتوى الفواكه والخضراوات في وجباتهم الغذائية، ثم تجعل من الصعب زراعة وإنتاج الفواكه والخضراوات في بريطانيا".