كانت حركة مجاهدي خلق الإيرانية تمثل الذراع الرئيسية للمعارضة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة وتقدمها كبديل للنظام الحاكم في طهران، فما قصة تلك الحركة، وأين اختفت، ولماذا يوجد مقرها الوحيد الآن في ألبانيا؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "متمردون إيرانيون مختبئون في ألبانيا"، أعده باتريك كينجسلي وهو مراسل دولي يركز على التقارير طويلة الأجل، قدم تقارير من أكثر من 40 دولة، وغطى مسبقاً قضايا الهجرة والشرق الأوسط لصالح صحيفة The Guardian البريطانية.
داخل معسكر الجماعة
في أحد أودية الريف الألباني، قامت جماعة من المنشقين الإيرانيين العازبين ببناء ثكنات واسعة محصَّنة بإحكام لم يدخلها سوى عدد قليل من الغرباء.
بناءً على من تسأل، سيكون الرد بتعريف حركة مجاهدي خلق بأنهم إما البديل المنتظر لحكومة إيران أو طائفة إرهابية منافقة، ونادراً ما يُسمَح للصحفيين بالدخول للمعسكر للحكم على تلك الجماعة بأنفسهم، وأحياناً ما يجري طرد الصحفيين بالقوة.
لكن بعد قرار الرئيس ترامب اغتيال قاسم سليماني، وهو جنرال إيراني قوي، بدا الأمر يستحق المحاولة مرة أخرى. هل تسمح الجماعة التي تدعي أنها تريد إيران ديمقراطية علمانية بوجود مراسل داخل معسكرها؟
من بين أبرز حلفاء تلك الجماعة، رودولف جولياني المحامي الشخصي للرئيس، وجون بولتون مستشار الأمن القومي السابق، وقد حصل كلاهما على عشرات الآلاف من الدولارات للتحدث في مؤتمرات الجماعة، حيث وصف هذان الأمريكيان مجاهدي خلق بأنهم أكثر معارضة شرعية لإيران.
في البداية، تجاهلت تلك الجماعة العديد من طلبات التواصل. على أمل الوصول لهم، سافرتُ إلى قاعدتهم وقدمتُ أوراق اعتمادي وهويتي إلى أحد الحراس.
بعد ثلاث ساعات، قبل وقت قصير من غروب الشمس، تلقيت مكالمة. ومما أثار دهشتي أنه قد سُمِحَ لي بالدخول. لذلك بدأت سلسلة من المقابلات وجلسات الدعاية والجولات التي استمرت حتى الساعة 1:30 صباحاً. وبعد عدة أيام، سُمِحَ بدخول مصور من صحيفة New York Times الأمريكية.
ربما كانت الجماعة تأمل في تصحيح الانطباع الذي خلفته اللقاءات الصحفية السابقة. فقد انتهت زيارة مراسلة صحيفة Times البريطانية في عام 2003 للمقر السابق للجماعة في العراق بشكل سيئ بعد أن جاءت موضوعاتها مقتبسة من نص معد مسبقاً وجرى منعها من التحدث إلى أشخاص على انفراد.
وهذه المرة كانت مثل المرة السابقة تقريباً، فقد كان معظم نزلاء المعسكر غير موجودين، لكن المسؤولين سمحوا بإجراء مقابلات خاصة مع العديد من الأعضاء.
أين مسعود رجوي؟
بناءً على طلبي، تضمَّنَت المقابلات مقابلة مع سمية محمدي (39 عاماً)، التي جادلت عائلتها منذ ما يقرب من عقدين بأنها محتجزة ضد إرادتها، وقالت سمية بعد أن غادر قادتها الغرفة: "هذا هو خياري. إذا أردت المغادرة، فيمكنني المغادرة".
على الرغم من أن الجماعة ربما لم تحاول إخفاء سمية محمدي، كانت هناك عدة لحظات غريبة تؤكد أن هناك الكثير من الأسرار محصورة، وعلى وجه الخصوص، تعثَّر كبار المسؤولين عند سؤالهم عن مكان وجود زعيم الحركة الاسمي مسعود رجوي الذي اختفى عام 2003.
وعند سؤاله: "أين هو؟"، قال علي صفوي، الممثل الرئيسي للحركة في واشنطن: "حسناً، لا يمكننا التحدث عن ذلك، هذا…"، قال ذلك وقد بدت عليه ملامح الارتباك وبدأ يحدق في قدميه، وعند سؤاله: "هل ما يزال على قيد الحياة؟ هل هو في ألبانيا؟"، أجاب صفوي بعد عدة ثوانٍ من الصمت: "لا يمكننا التحدث عن ذلك".
متى تأسست الجماعة؟
جدير بالذكر أن جماعة مجاهدي خلق تأسست في عام 1965 لمعارضة شاه إيران، ورفضت الحركة في وقت لاحق الثيوقراطية التي حلت محله، وبعد الثورة مباشرة اجتذبت الحركة دعماً عاماً كبيراً وبرزت كمصدر رئيسي للمعارضة للنظام الثيوقراطي الجديد، وفقاً للأستاذ إيرفاند أبراهاميان، المؤرخ لتاريخ الجماعة.
تدعي الحركة أنها لا تزال تحظى بدعم كبير، لكن أبراهاميان قال إن شعبيتها انخفضت بعد أن أصبحت أكثر عنفاً في أوائل الثمانينيات، وقال أبراهاميان: "عندما تتحدث إلى أشخاص عاشوا الثورة وتذكر اسم المجاهدين، فإنهم يرتعدون".
بحلول الثمانينيات من القرن الماضي، كانت أيديولوجية المجموعة قد بدأت تتتمركز حول رجوي وزوجته مريم، ولإثبات إخلاصهم لعائلة رجوي، طُلب من الأعضاء تطليق زوجاتهم والتخلي عن الرومانسية، وفي ذلك الوقت، كان مقر المجموعة في العراق تحت حماية صدام حسين.
لماذا صنفتها واشنطن حركة إرهابية؟
لكن مصيرها قد تغير بعد الغزو الأمريكي للعراق. بعد مواجهة أولية، تخلت الجماعة عن أسلحتها. على الرغم من إدراجها من قبل الولايات المتحدة منظمةً إرهابية في عام 1997، فقد وُضِعَت تحت الحماية الأمريكية.
لكن في عام 2009 تنازلت القوات الأمريكية عن حماية المجموعة للحكومة العراقية. وسمحت السلطات العراقية، بقيادة سياسيين متعاطفين مع إيران، للميليشيات المتحالفة مع إيران بمهاجمة المجموعة.
بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون والأمم المتحدة في البحث عن بلد أكثر أماناً لإيواء المجموعة. بعد الضغط المكثف من قبل مجموعة من المشرعين من الحزبين، قامت الحكومة الأمريكية بإزالتها من قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2012.
لماذا استضافتهم ألبانيا؟
بعد مرور عام استضافت ألبانيا المجموعة في النهاية. كانت الحكومة الألبانية تأمل في أن تحظى ضيافتها برضا لدى واشنطن، وفقاً لما ذكره وزير الخارجية بين عامي 2013 و2019، ديتمير بوشاتي.
اشترت المجموعة عدة حقول في أحد الأودية على بعد 15 ميلاً (حوالي 24 كيلومتراً) إلى الغرب من تيرانا العاصمة، وبنت معسكراً هناك.
عندما زرت ذلك المعسكر، بدت القاعدة فارغة بشكل غريب. تدعي المجموعة أن المعسكر يضم حوالي 2500 عضو. لكن خلال اليومين، لم نر أكثر من 200 شخص، ويبدو أن الآخرين قد عُزِلوا، أو تركوا المجموعة تماماً.
يعيش العشرات من الأعضاء السابقين الآن بشكل مستقل في ألبانيا. قابلت 10 منهم، كل منهم يصف حاله بأنه قد غُسِلَ دماغه للبقاء في حياة العزوبة.
لماذا يمنعون الزواج؟
داخل المجموعة، قالوا إن العلاقات الرومانسية والأفكار الجنسية محظورة، والتواصل مع العائلة مقيد للغاية، وإن الصداقات غير مُحبَّذة، وروى جميعهم أنهم أُجبَروا على المشاركة في طقوس النقد الذاتي، حيث يعترف الأعضاء لقادتهم بأي أفكار جنسية أو غير مخلصة لديهم.
وقال عبدالرحمن محمديان (60 سنة) الذي انضم إلى المجموعة عام 1988 وغادرها في عام 2016: "بمرور الوقت تصبح محطماً وتنسى نفسك وتغير شخصيتك. أنت تطيع القواعد فقط. أنت لست نفسك. أنت مجرد آلة".
أنكرت الجماعة بشدة هذه الاتهامات ووصفت العديد من منتقديها، بمن فيهم محمديان، باعتبارهم جواسيس إيرانيين، وتم اصطحابي في جولة استغرقت ثلاث ساعات في متحف عن تاريخ حركة مجاهدي خلق، حيث لم تذكر المعروضات صدام حسين أو العزوبة القسرية. بدلاً من ذلك، ركزت على مدى اضطهاد الجماعة.
وتحوَّلَت بعض الغرف إلى غرف تعذيب متماثلة لشرح كيف عاقب السجانون الإيرانيون أنصار الحركة خلال الثمانينيات، وفي كل غرفة، وقف الأعضاء في صمت. وتبيَّن أن هؤلاء كانوا ناجين من التعذيب على استعداد لشرح كل طريقة من أشكال القمع شخصياً.
وقف أحد الناجين، رحيم موسوي، بجانب تمثال عرض ملطخ بالدماء، وشرح ببطء الأساليب الأربعة المختلفة التي استخدمها الجلادون الإيرانيون في ضربه. وبلغت عملية التعذيب ذروتها بالجلد بسوط معدني.
وفي إطار سعيها للبحث عن النفوذ، تحولت المجموعة بشكل متزايد إلى الإنترنت، حيث شاهدت أستوديو تسجيل، يؤلف فيه موسيقيان أغاني معادية للنظام ومقاطع فيديو موسيقية لإصدارها على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية.
لكنني لم أشاهد أجنحة الكمبيوتر التي صورها المنشقون على أنها نوع من الخلايا التحريضية: أعضاء صغار يستخدمون حسابات متعددة على فيسبوك وتويتر لكتابة رسائل تنتقد الحكومة الإيرانية والاحتفاء بقيادة حركة مجاهدي خلق والترويج لجماعات الضغط مدفوعة الأجر.
قال محمديان العضو السابق: "عندما ألقى جولياني وبولتون خطابين عامين في السنوات الأخيرة، جرى إصدار أوامر للأعضاء بتبني تلك الخطابات وإعادة التغريد بها 10 مرات من حسابات مختلفة".
بعد ذلك اصطُحِبت إلى صالة ألعاب رياضية فارغة، ثم إلى كافتيريا صغيرة. لقد كان الوقت بالفعل يقترب من منتصف الليل، لكن قيل لمجموعة صغيرة من النساء أن تنتظر من أجلي.
ماذا يقول عنها الأمريكيون؟
سخر الأعضاء من فكرة كونهم جماعة تحريضية. أما في ما يتعلق بالقيود المفروضة على حياتهم الخاصة، فقد قالوا إن هذا الانضباط ضروري لمقاتلة خصم قاسٍ مثل حكومة إيران، وقالت شيفا زاهدي: "لا يمكنك التمتُّع بحياةٍ شخصية عندما تكافح من أجل قضية".
بعد مغادرتي، أوصلتني المجموعة لثلاثة ضباط عسكريين أمريكيين سابقين ساعدوا في حراسة أحد معسكرات المجموعة في العراق بعد الغزو الأمريكي.
تحدث كل منهم ببهجة عن حركة مجاهدي خلق وقالوا إن أعضاءها كانت لهم الحرية في المغادرة منذ أن بدأ الجيش الأمريكي في حماية مقراتهم في عام 2003.
وقال الجنرال ديفيد فيليبس، الذي قاد رجال الشرطة العسكرية في حراسة المعسكر في عامي 2003 و2004 إن الضباط الأمريكيين تمكنوا من الوصول إلى جميع مناطق مقر المجموعة في العراق، ولم يعثروا على أي زنزانات أو مرافق تعذيب، وقال الجنرال فيليبس: "بحثت عن أسلحة وعن أشخاص مرتبطين بالأسَرة، لكن لم نجد أياً من ذلك قط"، لكن السجلات والشهود الآخرين أعطوا وصفاً أكثر تعقيداً.
لم يكن النقيب ماثيو وودسايد، وهو جندي احتياطي بحري سابق كان يشرف على السياسة الأمريكية في المعسكر العراقي بين عامي 2004 و2005، من بين هؤلاء الأشخاص الذين اقترحت حركة مجاهدي خلق أن اتصل بهم.
قال ماثيو إن القوات الأمريكية في الواقع لم يكن لديها وصول منتظم إلى مباني المعسكرات أو لأفراد المجموعة الذين قال أقاربهم إنهم محتجزون بالقوة.
وقال النقيب وودسايد إن قيادة حركة مجاهدي خلق تميل إلى السماح للأعضاء بمقابلة المسؤولين الأمريكيين والأقارب فقط بعد تأخير لعدة أيام، وقال: "إنهم يكافحون من أجل الحفاظ على وجود كل واحد منهم داخل المجموعة".
وتذكر أنه أصبح من الصعب للغاية على بعض الأعضاء، ولا سيما النساء، الهروب من المجموعة، حيث حاول اثنان منهم في السابق الهرب في شاحنة توصيل، وقال النقيب وودسايد: "أجد تلك المنظمة مثيرة للاشمئزاز، أنا مندهش لأنهم في ألبانيا".