تزامنت فضيحة تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي (حزب المستشارة أنجيلا ميركل) مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني في انتخابات مقاطعة تورنيجين وما تلا ذلك من أزمة عنيفة، مع القبض على خلية إرهابية من اليمين المتطرف كانت تخطط لاستهداف مساجد وتجمعات للمسلمين على غرار مذبحة المسجدين في نيوزيلندا، وهو ما يطرح التساؤل: هل خرج اليمين المتطرف عن السيطرة في ألمانيا؟
لماذا يشعر المسلمون بالخذلان؟
في حوار له مع شبكة دويتش فيله أمس الإثنين 17 فبراير/شباط، أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين أن الأمور وصلت لـ "بُعدٍ غير مسبوق"، موضحاً أن أكثر ما يُشعر المسلمين بعدم الأمان ويخيفهم في ألمانيا "هو هذه اللامبالاة، التي لا يتم من خلالها التعليق على تقارير الرعب هذه في المجتمع"، مضيفاً "لا توجد أي هزة أو تعبير واضح وقوي عن التضامن، بالشكل الذي يتمناه المرء".
تعليقات الزبيدي جاءت في أعقاب إلقاء القبض على خلية إرهابية تنتمي لليمين المتطرف كانوا يخططون لهجمات على المسلمين لإشاعة أجواء تشبه الحرب الأهلية بألمانيا.
كيف وصفت الحكومة ما يحدث؟
وفي مؤتمر صحفي أمس الإثنين أيضاً، أدانت الحكومة الألمانية ما وصفتها بـ "المخططات المرعبة" لهجمات ضد مساجد في البلاد خططت لها مجموعة من اليمين المتطرف، متعهدةً بحماية أماكن العبادة و "ضمان ممارسة الإيمان بحرية في هذا البلد من دون خطر ومن دون تهديد".
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية بيورن غرونيفيلدر أن "ما تم الكشف عنه مرعب، (من المخيف) رؤية مجموعة تتجه بوضوح نحو التطرف بهذه السرعة"، وذلك في معرض حديثه عن المخططات التي كانت تعدها مجموعة من اليمين المتطرف قبل توقيف 12 من أعضائها الأسبوع الماضي.
كان أعضاء المجموعة اليمينية يخططون لاستهداف مساجد خلال الصلاة، على غرار ما حصل في كرايست تشيرش في نيوزيلندا في آذار/مارس 2019، عندما قتل مهاجم 51 شخصاً في مسجدين وصور اعتداءه مباشرةً، وفق وسائل إعلام ألمانية. وكان الزعيم المفترض للمجموعة، والذي كانت السلطات قد وضعته قيد المراقبة، قد أبلغ متواطئين معه بمخططه في اجتماع عقد الأسبوع الماضي، وقد علم المحققين بأمر الاجتماع عبر مخبر متخفٍ اخترق المجموعة التي كانت تخطط لاستهداف مساجد في "عشرات المناطق" في ألمانيا.
وجميع أعضاء المجموعة يحملون الجنسية الألمانية ومن بينهم شرطي من ولاية شمال الراين، بحسب وزير داخلية الولاية.
هل خطر اليمين المتطرف جديد؟
الواقع أن الخطر الذي يمثله اليمين المتطرف في أوروبا ليس جديداً ووصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يجاهر زعمائها بالعداء للمهاجرين بشكل عام وللمسلمين بصورة خاصة إلى البرلمان وتشارك في الحكم فعلياً، وهذا هو السبب الرئيسي لحالة القلق والخذلان التي يشعر بها المسلمون في أوروبا وفي ألمانيا بصفة خاصة.
كانت مدينة كولونيا الألمانية قد شهدت في يونيو/حزيران الماضي، توزيع منشورات تحرض على المسلمين وتحمل عبارات مثل "غزوكم لبلادنا سوف يفشل"، وكشفت السلطات وقتها أنه تم العثور على منشورات ورسائل تحمل الصليب المعقوف وتهديدات للمسلمين وزعت في أحد أحياء مدينة كولونيا، والذي يعيش فيه الكثير من العائلات المنحدرة من تركيا، وقام مجهولون بتوزيع هذه المنشورات وكذلك رمي رسائل بريدية داخل مظاريف داخل صناديق البريد الخاصة لبعض السكان، والذين قاموا بتسليمها للسلطات الأمنية، التي قامت بدورها بفتح تحقيق في الأمر.
توزيع المنشورات تصادف مع الذكرى الخامسة عشر لتفجير شهده نفس الحي من قبل خلية "إن إس يو" اليمينية المتطرفة (النازيون الجدد)، وهي الخلية التي ارتكبت عدداً من الجرائم خلال الفترة من 2000 و2007. وتمثلت تلك الجرائم في قتل تسعة أفراد منحدرين من أصول تركية ويونانية، وشنّ هجوم مميت على أفراد الشرطة، وتنفيذ هجوم على متجر تابع لأسرة إيرانية في كولونيا، وتفجير قنبلة مسامير شديدة الانفجار في نفس المدينة، وارتكاب عدة جرائم سطو مسلح.
ومن ضمن العبارات التي تضمنتها هذه المنشورات: "إلى المسلمين في ألمانيا، غزوكم لبلادنا سوف يفشل. الشعب الألماني يقظ ونحن نعي جيداً أنكم أعداء، وتكرهوننا"، وإضافة إلى التهديد بالعنف حملت الرسائل والمنشورات شعار الصليب المعقوف (شعار النازيين).
كانت قضية خلية "إن إس يو" قد هزت المجتمع الألماني بعد اكتشافها، وبعد مداولات استمرت نحو خمسة أعوام أصدر القضاء الألماني في 11 يوليو/تموز 2018، حكماً بالسجن المؤبد ضد المتهمة الرئيسية بياته تشيبه، وأربعة متهمين آخرين، ولكن على ما يبدو أن خطر الإرهاب اليميني المتطرف في ازدياد.
أزمة سياسية تهز ألمانيا
الكشف عن التفاصيل المرعبة للخلية الإرهابية يأتي في وقت شهدت فيه ألمانيا أزمة سياسية عنيفة أدت لإعلان أنيغريت كرامب-كارنباور، التي سبق واختارتها أنجيلا ميركل لخلافتها كمستشارة، قرارها العدول عن الترشح لهذا المنصب في 2021، كما قالت إنها ستتخلى عن رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
قرار كرامب-كارنباور جاء في أعقاب الفضيحة التي هزت ألمانيا بسبب تحالف حزب ميركل مع حزب البديل من أجل ألمانيا (يميني قومي) في انتخابات مقاطعة تورنغين مما اضطر ميركل للتدخل بشكل حاسم لإنقاذ التحالف الحكومي الهش من الزلزال السياسي، واتخذت قراراً بإقالة عضو بالحكومة وفرض استقالة رئيس مقاطعة تورينغن الذي نجح بأصوات اليمين.
والقصة بدأت قبل أسبوعين عندما فاز توماس كيميريتش (مرشح الحزب الليبرالي إف دي بي) برئاسة مقاطعة تورينغن بعد أن صوت له أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، وهو ما أثار عاصفة سياسية من حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي -شريك حزب ميركل في الحكم- وتعرض الائتلاف الحاكم لخطر التفكك.
وزادت حدة الأزمة مع تهليل أحد قيادات الحزب المسيحي المحافظ كريستيان هيرتي، الذي عبر في تغريدة عن ارتياحه لانتخاب كيميريتش، بفضل التحالف بين أصوات الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تقوده ميركل وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني القومي المتطرف.
وتدخلت ميركل لإنقاذ الموقف وفصلت هيرتي الذي يشغل منصب وزير دولة في الحكومة، كما أجبرت كيميريتش على الاستقالة فوراً وهو ما أعلن عنه وتقرر إجراء انتخابات جديدة في المقاطعة.
التحالف المفاجىء في المقاطعة شكل تجاوزاً لتعليمات القيادة الوطنية لحزب ميركل وكذلك كسراً لأحد المحرمات السياسية الأساسية الألمانية، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يتمثل في رفض كل تعاون مع اليمين المتطرف وضمنه حزب البديل لألمانيا.