رغم احتمالات المواجهة مع تركيا، فإن أهداف الأسد من الهجوم على إدلب، الذي يمثل انتهاكاً سافراً لمسار سوتشي وأستانا تستحق هذه المخاطرة من وجهة نظره.
فبعد قرار رئيس النظام السوري بشار الأسد شنِّ حملة نهائية للسيطرة على محافظة إدلب، إحدى أواخر معاقل المعارضة المسلحة بسوريا، يُمكن القول إنَّه يسير على خيطٍ محفوف بالمخاطر بين المجازفة بالتعرُّض لانتقامٍ تركي من ناحية، وإنقاذ اقتصاده والاقتراب من استعادة سيطرته على أراضي البلاد من ناحيةٍ أخرى، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
تأمين للعاصمة الاقتصادية لسوريا وبحث عن الـ250 مليار دولار
الهجوم على قوات المعارضة المدعومة من تركيا يعكس، في جوهره، رغبة الأسد القائمة منذ فترةٍ طويلة في إعادة بناء إدلب لتكون جسراً يُعيد توصيل مدينة حلب -التي كانت المحرك الإنتاجي للبلاد في الماضي- بالعاصمة السورية دمشق والمناطق الساحلية.
وقد أصبح ذلك أمراً بالغ الأهمية، لاسيما في ظل مشكلات الاقتصاد السوري تحت تأثير الحرب المستمرة منذ حوالي 10 سنوات، والأزمة المالية القائمة في دولة لبنان المجاورة.
إذ يُمكن لاستعادة إدلب أن تُمثِّل بدايةً تجريبية لإعادة بناء اقتصادٍ تُقدِّر الأمم المتحدة أنه يحتاج إلى مساعداتٍ بأكثر من 250 مليار دولار، وهذا مبلغٌ لا يستطيع حلفاء النظام السوري، سواء إيران أو روسيا، توفيره.
وفي العام الماضي 2019، انخفضت قيمة الليرة السورية إلى النصف تقريباً، ليصبح سعر الدولار الواحد 1000 ليرة سورية.
وفي هذا الصدد، قال أيهم كامل، رئيس قسم الأبحاث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة Eurasia Group الاستشارية: "الأسد يريد توسيع سيطرته الإقليمية في إدلب وحلب لتسوية النزاع أولاً واستعادة الروابط التجارية بين حلب وبقية أجزاء البلاد. فيما تزداد أهمية ذلك بمرور الوقت، لاسيما في ظل المشكلات الجارية في لبنان".
ترامب منحه ضوءاً أخضر وروسيا توفر له الغطاء الجوي أمام التدفق التركي
وقد كان التوقيت عاملاً أساسياً. إذ يُمكن القول إنَّ التزام روسيا بتوفير غطاء جوي للقوات الموالية للنظام السوري وسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقوات الأمريكية من مسرح العمليات السوري قد منحا الأسد ضوءاً أخضر لإتمام ما يعتبره خطوةً أساسية في إعادة توحيد جسد الأراضي السورية.
غير أنَّ المخاطر المحفوفة باستراتيجيته في القتال الحالي واضحة. إذ تتدفق القوات التركية لتفادي سقوط آخر معقل رئيسي للمعارضة في سوريا.
وقد ضربت القوات التركية حوالي 170 هدفاً في سوريا، ردَّاً على هجمات القوات السورية التي أسفرت عن مقتل 12 جندياً تركياً على الأقل في المحافظة الواقعة شمال غربي البلاد في الشهر الجاري فبراير/شباط.
وبغض النظر عن مدى التعقيد الذي سبَّبه هجوم الأسد في العلاقات بين تركيا وروسيا، لم يُخفِّف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمه لمساعي الأسد الرامية إلى القضاء على المعارضة في إدلب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تركيا ركَّزت بعض قواتها في المحافظة بموجب اتفاقٍ أبرِم في عام 2017 مع روسيا وإيران لوقف القتال هناك ومنع موجة نزوحٍ جماعي جديدة للاجئين نحو الحدود التركية.
وقالت السلطات التركية إنَّ المحادثات التي أجريت مع وفدٍ روسي في العاصمة التركية أنقرة يومي السبت والإثنين الماضيين، 8 فبراير/شباط، و10 فبراير/شباط، لم تسفر عن نتائج ملموسة، لكنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبوتين قد يجتمعان لمناقشة الوضع، على حد قولها.
فيما قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنَّه لا توجد خططٌ حتى الآن لعقد مثل هذا الاجتماع، لكنَّ الوضع "يهم الكرملين".
ومن جانبها قالت إيلينا سوبونينا، وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط تُقيم في موسكو، إنَّ الحكومة الروسية مستعدةٌ للتوسُّط بين تركيا والحكومة السورية لتجنُّب "الاشتباكات غير الضرورية" بينهما، لكنَّها أضافت أنَّ أنقرة "سيتعيّن عليها أن تتقبَّل حقيقة أنَّ القوات السورية استعادت عدداً من المواقع الرئيسية في محافظة إدلب، وأنَّ هذه القوات لن تنسحب".
لماذا يضحي الأسد بكل هؤلاء الجنود؟
مع ارتفاع الخسائر البشرية للهجوم، يبدو أنَّ الأسد يريد الاستمرار حتى يسيطر على المحافظة، وفقاً لما ذكره دبلوماسيٌّ أوروبي في المنطقة.
فحين طلبت تركيا من سوريا الانسحاب في الأيام الأولى للهجوم، كان الرد السوري أنَّ الهجوم شهد التضحية بكمٍّ هائل من الجنود؛ لذا فمن المستحيل العودة، بحسب ما ذكره الدبلوماسي الأوروبي.
فيما قالت دارين خليفة المُحلِّلة البارزة في الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية التي يقع مقرها في بروكسل: "الأسد لم يتزحزح قط عن رغبته في السيطرة على "كل شبرٍ من سوريا"، وهذا ينطبق على إدلب".
أبرز أهداف الأسد من الهجوم على إدلب.. يغازل دول الخليج بدمائها
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الهجوم على القوات الموالية لتركيا يحمل فائدةً أخرى للأسد؛ إذ يُعزِّز احتمالية تحسُّن العلاقات السورية مع دول الخليج، التي تعتبر تركيا تهديداً بسبب دعمها للجماعات الإسلامية المتشددة.
ومن المعروف أن الإمارات والسعودية تناصبان الحركات الإسلامية وخاصة المعتدلة العداء، فيما تدعمها تركيا.
وفي هذا الصدد، قال كامل متحدثاً عن الأسد: "لقد أصبح مفيداً جداً في احتواء الأتراك. وصارت سوريا في عهده دولةً حاجزة".