أثار إصرار حركة النهضة على إشراك حزب قلب تونس بالحكومة رغم أنه يُنظر له باعتباره حزب فلول النظام السابق وخصماً سابقاً للنهضة.
فما سرُّ إصرار حركة النهضة على إشراك حزب قلب تونس بالحكومة رغم أن الحكومة يمكن أن تشكل دون مشاركة هذا الحزب عبر التحالف بين النهضة وقوى اليسار في البرلمان؟
اعتبر خبراء تونسيون أن إصرار حركة النهضة (إسلامية) على إشراك حزب "قلب تونس" (ليبرالي) في الحكومة المقبلة، برئاسة إلياس الفخفاخ، يستهدف توفير الاستقرار والثقة داخل الحكومة بعد فشل تجربة الحكومة التي اقترحتها النهضة برئاسة الحبيب الجملي.
سر إصرار حركة النهضة على إشراك حزب قلب تونس بالحكومة.. أكثر من مجرد اتفاق بالرؤى الاقتصادية
وقال خبراء لوكالة الأناضول، إن "النهضة (54 نائباً من 217) تلتقي مع "قلب تونس" (38 نائباً) في الرُؤى السياسية والاقتصادية، كما أنها لم تعد تثق بالأحزاب التي أسقطت تشكيلة حكومة الحبيب الجملي (10 يناير/كانون الثاني الماضي)، خاصّة حزبي التيار الديمقراطي (22 نائباً) وحركة الشعب (15).
وفسّر الخبراء إقصاء الفخفاخ لـ "قلب تونس"، بقيادة نبيل القروي، مع بداية مشاورات تشكيل الحكومة، بأن الفخفاخ اعتمد حزاماً سياسياً لحكومته من الأحزاب التي ساندت قيس سعيد في الدور الثاني بانتخابات الرئاسة، في 2019، التي فاز بها سعيّد أمام القروي.
انعدام الثقة
أرجع بولبابة سالم، محلل سياسي، إصرار "النهضة" على إشراك "قلب تونس" في الحكومة التونسية إلى أن "النهضة استخلصت الدروس من تجربة حكومة الجملي، واعتبرت أنه لا يمكن لها أن تثق بحزبي التيّار (يسار وسط) والشعب (ناصري) بعد تصويتهما ضد حكومة الجملي".
وأضاف سالم: "في بداية مشاورات تشكيل حكومة الفخفاخ كانت هناك خلافات سياسية واتهامات متبادلة بين التيار والنهضة، ومحاولات ضرب تحت الطاولة".
وأوضح أنه "في إطار هذا الصراع قدّم التيار للبرلمان، الأسبوع الجاري، مقترحاً لانتخاب رئيس للبرلمان كل سنة قابلة للتجديد، وذلك ضمن الصراع السياسي والحكومي".
ومع بداية العهدة النيابية، انتُخب رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، رئيساً للبرلمان لمدة خمس سنوات.
وتابع سالم: "صحيح أنه حصل سابقاً صراع انتخابي كبير بين النهضة وقلب تونس، لكن ما يجمع بينهما أنهما حزبان برغماتيان على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي لهما نفس التوجهات (ليبرالية)".
ورأى أنه "لا توجد اختلافات كبيرة بين النهضة وقلب تونس، بينما توجد اختلافات أيديولوجية بين النهضة والتيار (يسار وسط) والشعب (قومي ناصري)، وهدفهما الأساسي هو عزل النهضة أو استئصالها، حسب خطابهما".
وحول مدى تأثير "النهضة" على مسار تشكيل الحكومة، قال إن "الغنوشي وجّه ضغوطاً وانتقادات إعلامية كبيرة جداً إلى الفخفاخ ليستجيب لمطالبه، حيث هدّدت النهضة بعدم التصويت لتمرير الحكومة، ما لم يشارك فيها "قلب تونس".
وقال الغنوشي، الأربعاء الماضي، إن "حكومة الفخفاخ لن تنال ثقة البرلمان في حال إقصاء حزب قلب تونس من تشكيلتها".
قلب تونس يمثل مصالح كبيرة
وجمع لقاء مفاجئ، الخميس الماضي، كلاً من الغنوشي والقروي والفخفاخ، ووصفه الثلاثة بـ "الإيجابي".
وعقد الفخفاخ، في اليوم التالي، لقاءً مع القروي، في إطار انطلاق التشاور مع "قلب تونس".
واعتبر سالم أن "دعوة قلب تونس للمشاورات، الجمعة، خطوة إيجابية، أما مشاركته في الحكومة من عدمها فتخضع للمشاورات؛ فالأصل أن برنامج الحكومة يحدد طبيعة الأحزاب المشاركة، فربما يكون هناك برنامج لا ينسجم مع أحزاب، فلا تشارك".
وشدّد سالم على أن "قلب تونس ليس مجرد حزب سياسي، وإنما واجهة لمراكز نفوذ قوية بتونس، منها نفوذ مالي واقتصادي وإعلامي ورجال أعمال، ومكانه الطبيعي بالنسبة لمن دعموه هو السلطة وليس المعارضة.. والنهضة أصرّت على إشراك قلب تونس لتحقيق مزيد من الاستقرار".
"عدوانية" اليسار ضد "النهضة"
قال الحبيب بوعجيلة، كاتب صحفي ومحلل سياسي، إن "النهضة"، متصدرة الانتخابات التشريعية في 2019، تُصر على إشراك "قلب تونس"؛ لأن "النهضة" "تصوّرت أن تجد نفسها معزولة داخل حكومة الفخفاخ، باعتبار أن لها تجربة مع الحزام السياسي الذي تجمّع حول الفخفاخ، خاصة التيار وحركة الشعب".
وأوضح بوعجيلة أن "النهضة لمست من هذين الحزبين خطاباً فيه قدر كبير من العدوانية، واعتبرا عدم مرور حكومة الجملي دليلاً على أن قوة النهضة تتراجع، وبالتالي يجب أن تتشكل حكومة الفخفاخ على قاعدة عزل النهضة، واعتبارها مجرد طرف ضعيف بالحكومة المقبلة".
وأردف: "هذا جعل النهضة تعمل على استعادة المبادرة، ووسيلتها الأساسية هي أن تقلب الطاولة بإعلان أنها لن تشارك بالحكومة إذا لم يشارك قلب تونس، بل ولوّحت بتكوين جبهة برلمانية من النهضة وائتلاف الكرامة (ثوري إسلامي أكثر محافظة من النهضة، 18 نائباً) وقلب تونس، وهذا الأسلوب أعاد للنهضة زمام المبادرة".
حكومة الرئيس
وعن موقف الفخفاخ، الذي كان قد أقصى "قلب تونس" من مشاوراته، اعتبر بوعجيلة أن "الفخفاخ تصرف كرئيس حكومة يريد أن يكون منذ البداية متملّكاً لشخصيته السياسية المستقلة والفاعلة، إذ حاول منذ الظهور الأوّل والتكليف أن يُسيّج حكومته سياسياً، ليتجنّب خطأ الجملي".
وتابع أن "الفخفاخ أعلن منذ البداية الحزام السياسي لحكومته، ويضم الأحزاب التي صوّتت لسعيّد بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية".
وأعلن الفخفاخ، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، أن 10 أحزاب عبّرت عن استعدادها للمشاركة بالحكومة.
وهذه الأحزاب هي: النهضة، التيار الديمقراطي، ائتلاف الكرامة ، حركة الشعب، تحيا تونس (ليبرالي/ 14)، مشروع تونس (ليبرالي/ 4)، نداء تونس (ليبرالي/ 3 نواب)، البديل التونسي (ليبرالي/ 3 نواب)، آفاق تونس (ليبرالي/ نائبان) والاتحاد الشعبي الجمهوري (وسطي/ نائبان).
وأضاف الفخفاخ أن حزبي "قلب تونس" و "الدستوري الحر" (دستوري ليبرالي 17 نائباً) سيكونان خارج الائتلاف الحكومي، معتبراً أنه "لا ديمقراطية دون معارضة حقيقية".
وعن مدى تأثير "النهضة" في مستقبل تشكيل الحكومة، قال بوعجيلة إن "النهضة حزب رئيسي إن لم نقل أنها الحزب الوحيد من ناحية الهيكلة والوضوح والقدرة على التعبئة والقوّة، ولا أتصور أن هناك حكومة أو شخصاً يفكر في التواجد في الدولة ولا يأخذ بعين الاعتبار قيمة وأهمية النهضة كحزب".
واستطرد: "النهضة تتصرّف كحزب رئيسي يهمّه الاستقرار وحماية الانتقال الديمقراطي وتجنّب مظاهر الاستقطاب، الذي يمكن أن يتعبها كما حصل في 2012 و2013″.
واستدرك: "لكن في نفس الوقت هي (النهضة) مضطرة أن تأخذ بعين الاعتبار مزاج أنصار الثورة الذين ربّما لا يرتاحون للمناورات السياسية التي يمكن أن تدفع النهضة للتحالف مع من يعتبره كثير من أنصار الثورة قوى المنظومة القديمة".
"سياسة المناورة"
رأى رياض الشعيبي (باحث سياسي) أن "النهضة لم تجد في الكتلة الديمقراطية (التيار والشعب) الحليف الذي يمكن أن تثق به، بعد فشل حكومة الجملي".
واستدرك: "صحيح أن كتلة قلب تونس صوتت أيضاً ضد حكومة الجملي، لكن موقفها من حكومة الجملي كان منذ البداية مبنياً على الوضوح ومختلفاً مع مسار تشكيل الحكومة، بينما ناورت الكتلة الديمقراطية، فرغم استجابة النهضة لكل مطالبها، قررت في النهاية التصويت ضد حكومة الجملي".
وعن رغبة الفخفاخ في البداية بإقصاء "قلب تونس"، قال الشعيبي: "الفخفاخ كان تحت تأثير أمرين: الأول هو رسالة التكليف من الرئيس قيس سعيد إذ كان الفخفاخ يعتقد أن الرسالة تتضمّن توجيهات سياسية باعتماد الأحزاب التي صوتت لسعيد كحزام سياسي دون غيرها".
والأمر الثاني، وفق الشعبي، هو أن "الفخفاخ بدا متأثراً بأحزاب معينة في مشاورات الحكومة كانت مترددة في إشراك قلب تونس، وأقصد هنا حزبي التيار والشعب".
ورأى أنه "في الوقت الذي تحاول فيه بعض الأحزاب الحدّ من تأثير النهضة في المسار السياسي للبلاد (ملمّحاً للتيار والشعب)، وهو ما تجلى في حرب ليّ الذراع بين الفخفاخ والنهضة من خلال تناقض موقفهما من إشراك قلب تونس مع بداية المشاورات".