تذمّر "عرب الداخل" طويلاً بسبب كونهم مواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل، وتعرضهم للعنصرية بشكل مستمر. وفي حال تطبيق خطة ترمب للسلام فسيفقد بعضهم حتى تلك "المزايا" المتواضعة، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
تبادل عرب الداخل بالمستوطنين
حتى وقتٍ قريب، كانت فكرة إعادة ترسيم الحدود الإسرائيلية -لوضع مئات الآلاف من المواطنين العرب داخل دولة فلسطين المستقبلية- مُتداولةً فقط على هامش الخطاب السياسي الإسرائيلي. والآن انتقلت تلك الفكرة إلى الرأي العام، بفضل مقترحات ترامب التي كُشِفَت الأسبوع الماضي.
لكن فكرة إنشاء "دويلةٍ" بموجب هذه الخطة هي فكرةٌ مستبعدة، نظراً للرفض الفلسطيني الصريح للمخطط الأمريكي، لكن حقيقة اقتراح الفكرة فعلياً أثارت حفيظة عرب الداخل أو عرب 48، الذين يُعانون بالفعل من التمييز داخل الدولة، ويقولون إنّها تُؤكّد ما قاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قبل: إنّهم ليسوا إسرائيليين "حقيقيين".
يقول محمد مجدلي، نائب عمدة باقة الغربية، وهي واحدةٌ من البلدات الشمالية التي ستتأثّر بالخطة: "نحن لسنا ورقة مُساومة. وبدلاً من جعلي أشعر بأنّني أنتمي إلى المكان ولست مُقيّداً، يُريدون وضعي في موقفٍ من عدم اليقين والضغط". ويُشكِّل العرب قرابة خُمس سكان إسرائيل البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة.
وبحسب وثيقة ترامب، ربما يجد سكان 10 مجتمعات من العرب داخل إسرائيل -في المنطقة التي تُعرف باسم "المثلث"- أنفسهم مُجردين من الجنسية الإسرائيلية وهم داخل منازلهم، في تبادلٍ غير متوازن مع أراضي الضفة الغربية التي تقع بها المستوطنات.
إذ يعيش قرابة الـ300 ألف شخص داخل هذا التكتُّل من القرى والبلدات العربية في وسط وشمال إسرائيل، المُتاخم للضفة الغربية.
رفض فلسطيني قاطع في الضفة والمثلث
وتنص الخطة على التالي: "تتأمل الخطة احتمالية إعادة ترسيم حدود إسرائيل، بشرط موافقة الطرفين، لتصير مجتمعات المثلث جزءاً من دولة فلسطين". وأوضحت الخطة أنّ تلك المجتمعات تُعرّف على نطاقٍ واسع بأنّها فلسطينية، وكانت مُخصصةً في الأصل لتكون تحت الحكم الأردني خلال مفاوضات عام 1949 حول خط الهدنة، لكنّ إسرائيل احتفظت بها في نهاية المطاف لأسبابٍ عسكرية "بدأت تتخفّف منذ ذلك الحين".
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنّه لن يُشارك في الأمر. إذ أوضح خلال اجتماعه الأسبوعي بمجلس الوزراء 3 فبراير/شباط: "نعم، إنّهُم شعبنا، نعم إنّها أرضنا، ولكنّنا لن نقبل هذه الفكرة تحت أيّ ظروف".
ويبحث زعماء عرب الداخل عن طريقةٍ لعرقلة المُقترح، في حين تظاهر الآلاف في باقة الغربية وتل أبيب يوم السبت، الأول من فبراير/شباط 2020.
وقال مسؤولون بارزون في مكتب نتنياهو إنّ مُخطّط ترامب غير واقعي، لأنّه يتطلّب موافقة كافة الأطراف بحسب ما ذكرته قناة Channel 12 الإسرائيلية، 2 فبراير/شباط. وذكرت القناة نفسها في عام 2017 أنّ نتنياهو، الذي يُعرف باسم بيبي، عرض ذلك الاقتراح على الأمريكيين. وأكّدت صحيفة Ha'aretz الإسرائيلية ذلك 3 فبراير/شباط، مُشيرةً إلى أنّ رئيس الوزراء أنكر تورّطه.
قال أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، إنّ الاستراتيجية الوحيدة التي تُحرِّك خطة ترامب هي "الحصول على أكبر مساحةٍ من الأرض بأقل عددٍ من الفلسطينيين. وهذه هي نقطة النهاية الحتمية لأجندة ترامب وبيبي: إعطاء الضوء الأخضر لإلغاء جنسيات مئات الآلاف من المواطنين العرب الإسرائيليين الذين يعيشون في شمالي إسرائيل".
أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من الفلسطينيين
متحدثٌ باسم نتنياهو قال إنَّ مكتب رئيس الوزراء يتعاون مع الإدارة الأمريكية، من أجل إعداد خطة السلام منذ ثلاث سنوات، وإنّ العمل لا يزال قائماً.
وتأسّست إسرائيل عام 1948 بوصفها "وطناً يهودياً" على الأرض التي احتلتها من السكان العرب. حيث هجرت العصابات الصهيونية نحو 700 ألف من الفلسطينيين، إبان تأسيسها. في حين جرى دمج العرب الذين ظلّوا داخل حدود الدولة الجديدة، مُرغمين. واليوم يرون في أنفسهم أقليةً ملتزمةً بالقانون، وتعتبر نفسها فلسطينية بحسب مجدلي.
نتنياهو يشيطن العرب باستمرار
سعى نتنياهو باستمرار في رسم صورةٍ شريرة للأحزاب العربية وداعميها، إذ هاجم رئيس الوزراء الأحزاب العربية باستمرار بوصفها مُخرّبة، وأثار المخاوف بشأن التصويت العربي لتعبئة الناخبين اليمينيين. وفي العام الماضي، حين انتقدت شخصيةٌ معروفة تأكيده على أنّ الأحزاب الحكومية لا تنتمي إلى الحكومة، قال: "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. الشعب اليهودي فقط".
وقبل عامٍ واحد، دفع نتنياهو بقانونٍ يُؤكّد هوية إسرائيل اليهودية. وأكد المُؤيدون أنّ القانون يُمثّل حصناً ضد أولئك الذين يرفضون يهودية الدولة، لكن النقّاد قالوا إنّ الأمر يُقوّض الديمقراطية عن طريق إلغاء أيّ التزام بالمساواة الكاملة لجميع المواطنين الآخرين. كما يخفض مكانة اللغة العربية التي كانت في السابق من اللغات الرسمية.
ويقول عرب إسرائيل إنّ طرد المواطنين إلى دولةٍ أخرى سينقل هذا التحدّي إلى مستوى جديدٍ كلياً. يقول نسيم غنيم (44 عاماً)، مالك المتجر القلق حيال مستقبل ابنته (ستة أعوام)، إنّ "إرجاعي وإعادة إرسالي إلى الضفة الغربية هو أشبه بإسقاطي في إثيوبيا. إنّهم يتعاملون معنا بطريقةٍ تُشبه تعاملي مع المنتجات التي أبيعها عبر متجري، لنصير سلعةً تُباع وتُشترى. والشعب يُريد الحياة بنهاية المطاف، وإرسال أطفاله إلى الجامعة، وبناء مستقبلهم. وهذا هو ما نحن قلقون بشأنه".