اللقاء الذي تم، أمس الإثنين 3 فبراير/ شباط، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان لم يكن وليد الصدفة، فقد سبقته تحضيرات كثيرة بالتأكيد، لكن نتنياهو وظَّف اللقاء لخدمة أغراضه الانتخابية، فكيف صنع ذلك؟
صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تحليلاً بعنوان: "العلاقات السودانية الإسرائيلية تتحسَّن سراً منذ سنوات ولكن ينبغي إعلانها للجميع قبل الانتخابات"، ناقشت فيه ما يقوم به نتنياهو ليس فقط من أجل مستقبله السياسي بل حريته أيضاً.
ماذا سيُخرج "الساحر من جعبته" أيضاً؟
يمكن لأي شخص يعيش في إسرائيل منذ بداية العقد الماضي أن يستنتج بسهولة أنَّ رحلات رئيس نتنياهو الخارجية خلال هذه الحملة الانتخابية -التي تعد الثالثة في غضون عامٍ واحد- لن تنتهي الآن على الإطلاق.
فبعد نجاحه في إعادة الجاسوسة الإسرائيلية نعمة يساكر معه من روسيا على متن طائرة رئاسة الوزراء، في خطوةٍ حظيت بدعايةٍ واسعة، واجتماعه مع زعيم السودان بعد سنوات من الانفصال الدبلوماسي الكامل، يبدو نتنياهو عازماً على إخراج أي شيء تطاله يداه داخل جعبة الساحر الخاصة به؛ لاستخدامه في الأسابيع المتبقية قبل الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 2 مارس/آذار المقبل، وكعادة هذا النوع من الأشياء، فهي لم تظهر من العدم، بل تحققت نتيجة التقاء عدة ظروف.
صحيحٌ أن حتى بعض التحرُّكات السياسية المُلِحة، مثل جهود إطلاق سراح نعمة يساكر، اتُّخِذَت بوتيرةٍ أسرع لتؤتي ثمارها خلال الحملة الانتخابية، لكن في حالة السودان فالعلاقات الإسرائيلية معها تتحسَّن رويداً منذ عدة سنوات في الواقع.
إذ ذكرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية قبل أربع سنوات أنَّ إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة ودولٍ أخرى تحسين علاقاتها مع السودان بعدما قطعت الحكومة السودانية علاقاتها مع إيران، وبالفعل شهدت الآونة الأخيرة تغيُّراً في الموقف الأمريكي تجاه البلاد.
وفي سياق زيارة نتنياهو إلى تشاد في العام الماضي 2019، نشرت صحيفة Haaretz تقريراً عن رغبة إسرائيل الصريحة في تجديد العلاقات مع السودان، وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الدولتين تتبادلان رسائل سرية منذ سنوات، وقد أدت إطاحة الديكتاتور عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي إلى تمهيد الطريق للمضي قُدُماً في تحسين العلاقات بينهما.
هل يغادر 7000 سوداني إسرائيل؟
ومن ثَمَّ، لا يُعبَّر عن الجانب السياسي بالضرورة في جوهر الأحداث، بل في توقيتها والدعاية والرسائل المصاحبة لها، وبذلك، دفع الاجتماع مع القائد السوداني عبدالفتاح البرهان، على سبيل المثال، شركاء نتنياهو إلى التكهُّن بأنَّ تحسُّن العلاقات سيساعد على تسهيل إعادة نحو 7 آلاف سوداني يعيشون الآن في إسرائيل إلى بلادهم في المستقبل، مع أنَّ المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ذكرت أنَّ 4500 منهم جاءوا من ثلاث مناطق سوادنية ما زالت واقعةً في أزمة، وأن معظم دول العالم لا تُعيد طالبي اللجوء إلى هذه المناطق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي شخص أصغى بعنايةٍ لخطاب نتنياهو أمام أعضاء حزب الليكود قبل أسبوعين فقد سمع هذا التلميح بالتأكيد. إذ كان الخطاب مليئاً بجميع أنواع الوعود الانتخابية، وكان أحدها: "لقد أغلقنا مدخل مليون متسلل من سيناء إلى إسرائيل، ونحن الآن بصدد التخلص من الثلثين المتبقيين. نعمل على ذلك، وسوف تسمعون أخباراً سارة قريباً". وها نحن سمعنا الأخبار بالفعل يوم أمس الإثنين 3 فبراير/شباط.
وعود انتخابية ربما لن تتحقق
وكان ذلك من بين العديد من الوعود الأخرى، التي قال فيها: "لقد ربطنا جميع أنحاء البلاد بمركزها، وقريباً (سنفعل الشيء نفسه) مع يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية). وسوف نطبق السيادة الإسرائيلية على وادي الأردن وشمال البحر الميت فوراً دون تأخير. وسنُطبِّق القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات، جميعها بلا استثناء. وسنُبرِم اتفاقيات سلام تاريخية مع الدول العربية الأخرى. وسنُشكِّل تحالفاً دفاعياً تاريخياً مع الولايات المتحدة. وسنوقف إيران عند حدها إلى الأبد أخيراً". ومنذ ذلك الخطاب، ذُكِر كذلك أن نتنياهو وَعَد بإحضار الفلاشمورا -أحفاد اليهود الإثيوبيين الذين اعتنقوا المسيحية- المتبقين إلى إسرائيل.
لكنْ هناك شيءٌ آخر لا بد أنه واضح لأي شخص يعيش هنا منذ بداية العقد الماضي، وهو أن نتنياهو يقدم الكثير من الوعود، وهذا لا يعني أنها ستتحقَّق. فمثلما تؤجَّل عمليات الضم التي يتعهد بها كثيراً، فإنَّ طرد طالبي اللجوء مُجرَّد وعدٍ انتخابي في الوقت الحالي.