رغم أن خطة السلام الأمريكية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب تصب بشكل واضح في اتجاه إسرائيل على حساب الفلسطينيين، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت تحفظات المؤسسة الأمنية في إسرائيل على بعض البنود المتعلقة بالدولة الفلسطينية، وتحديداً ما يتعلق بإقامة نفق يربط الضفة الغربية بقطاع غزة.
وتعتبر الإدارة الأمريكية أن من شأن إقامة هذا النفق إحداث نقلة نوعية على صعيد النهوض بأداء الاقتصاد الفلسطيني.
ما هو هذا النفق بالضبط؟
يتضمن مخطط النفق إقامة سلسلة من الجسور والأنفاق بطول 43 كيلومتراً، تمتد من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة إلى بلدة دورا في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
يخصص جزء من هذا الممر لنقل الأفراد، والجزء الآخر سيسمح بمرور الشاحنات التجارية من وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتقدر تكاليف المشروع بحسب ما ذكرته بنود خطة السلام الأمريكية بخمسة مليارات دولار، وتقوم على إنشائه شركات من القطاع الخاص الإسرائيلية والدولية.
لماذا تخشى إسرائيل النفق؟
وتعتبر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن وجود هذا النفق سيزيد من فرص التهديد الأمني لدولة إسرائيل، ما قد يزيد من احتمالات تعرض حياة المواطنين والجيش الإسرائيلي للخطر.
وتتمثل الخشية الإسرائيلية من إمكانية استغلال فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي لهذا النفق للقيام بتهريب كوادرها من غزة إلى الضفة أو العكس، أو تهريب أسلحة ومواد متفجرة عبره، أو إمكانية نقل خبرات قتالية ورسائل مشفرة بين غزة والضفة الغربية.
إبراهيم حبيب، الخبير في الأمن القومي وأستاذ الدراسات الأمنية في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية بغزة، يرى أن المخاوف الإسرائيلية من إقامة النفق "مبالغ فيها"، نظراً لطول المسافة التي تصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والتي تزيد عن 40 كيلومتراً، وهذا من شأنه أن يسمح لأجهزة الاستشعار التي ستمتد على طول النفق لرصد أي نشاط من شأنه تهديد الأمن الإسرائيلي.
وأضاف لـ "عربي بوست" أنه رغم هذه المبالغة الإسرائيلية، فإن ذلك لا ينفي وجود إشارات أو تقديرات استخبارية برغبة الفصائل بنقل تجربة غزة في الكفاح المسلح للضفة الغربية.
في المقابل لا تنفي المخاوف الإسرائيلية من إقامة هذا النفق، وجود أصوات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تطالب الحكومة بتخفيف الضغوط المفروضة على الفلسطينيين، خشية أن تؤدي إلى غليان الشارع واتجاهه نحو تغيير الواقع بالضغط العسكري على إسرائيل.
تجربة سابقة فاشلة
الفلسطينيون لديهم تجربة سابقة مع الممر الآمن بين الضفة وغزة، الذي أقيم عام 1999، كجزء من اتفاق أوسلو ويعرف ببروتوكول الممر الآمن، وكان يبلغ طوله 44 كيلومترا، ويسمح من خلاله للفلسطينيين بالمرور كأفراد بين حاجزين إسرائيليين، الأول (ترقوميا) على مشارف مدينة الخليل، والطرف الآخر معبر (إيرز) شمال قطاع غزة.
وخضع الممر آنذاك للسيادة الإسرائيلية الكاملة، فهي التي كانت تصدر البطاقات الممغنطة، ومدة سريانها عام واحد، وتُمنح لمن تتجاوز أعمارهم الـ18، وما دون ذلك يتطلب حضور ولي الأمر، أو من ينوب عنه.
لكن إسرائيل لم تلتزم بما جاء في ذلك البروتوكول، فخضع الممر لعمليات إغلاق متكررة كان أولها عام 2000 مع اندلاع انتفاضة الأقصى، ثم أعادت افتتاحه عام 2002، ومع فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع 2006، أغلقت إسرائيل الممر الآمن إلى يومنا هذا.
النفق في أيادي الأمن الإسرائيلي
عماد أبو عواد، مدير مركز القدس للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، قال لموقع "عربي بوست" إن الانطباع الأول في إسرائيل بشأن البنود التي أعلن عنها ترامب تتجاوز السقف الذي حلمت به إسرائيل، وهذا يعني أن الخطة الأمريكية أعطت المجال لإسرائيل باتخاذ ما يحلو لها من قرارات تصب في صالحها.
وأضاف أن إسرائيل ستوافق ضمنياً على ما جاء في الخطة من خلال إقرارها في الكنيست، وإعطاء الحكومة كامل الصلاحيات لتنفيذها، ولكن سيكون ملف النفق بيد جهاز الأمن الإسرائيلي العام – الشاباك، والجيش الإسرائيلي، الذي قد يؤخر من تنفيذ هذا المشروع عدة سنوات، إلى حين التأكد من تراجع رغبة الفصائل في غزة من نقل تجربتها للضفة الغربية.
وأوضح أن هذا يعني أن الوضع القائم المتمثل في وجود معبر بيت حانون/ إيرز شمال غزة سيكون نقطة العبور الوحيدة بين الضفة وغزة على الأقل لمدة عامين، وبعد ذلك قد تبدأ إسرائيل بمناقشة إقامة النفق بين قطاع غزة والضفة الغربية.
لا تغيير في السياسة الأمنية تجاه الفلسطينيين
سمير عبدالله، وزير التخطيط والعمل الفلسطيني السابق، وكبير باحثي معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، قال لـ "عربي بوست" إن التحكم الإسرائيلي المطلق في النفق الواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة قد يضع الكثير من العراقيل أمام حرية التجارة بين الضفة وغزة، كما أن إقامة النفق لا تلغي التحكم الإسرائيلي الإضافي في ممارسة الفلسطينيين لحريتهم السياسية والاقتصادية.
وأضاف أن سياسة إسرائيل الأمنية ستبقى كما هي تجاه الفلسطينيين، بمنع أي أفراد أو قادة الفصائل الفلسطينية من التنقل بحرية بين الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال هذا النفق، إضافة إلى المنع الإسرائيلي من مرور السلع والبضائع التي قد تدخل في الصناعات العسكرية، وهذا أمر لا يختلف عن السياسة الحالية.
احتمالات تنفيذ المشروع معلقة
تبقى احتمالات تنفيذ مشروع النفق الأرضي بين الضفة الغربية وقطاع غزة معلقة، في ظل تحذيرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من إمكانية أن يؤثر هذا المشروع على الأمن الإسرائيلي، ويعرض حياة جنوده ومستوطنيه للخطر.
كما أن الرفض الفلسطيني لهذا النفق بسبب السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه قد يؤخر تنفيذه، مما يبقى من فرضية اعتماد إسرائيل لسياسة تنقل الفلسطينيين عبر حاجز بيت حانون/ إيرز شمال قطاع غزة هو الخيار الأرجح على الأقل حتى العامين القادمين، إلا في حال قدر لصفقة القرن أن تمضي قدماً، ويكون مشروع النفق أحد مشاريعها القائمة.
المشروع أحد مطالب الفصائل الفلسطينية
تتزامن الرؤية الأمريكية بشأن إقامة النفق بين الضفة الغربية وقطاع غزة مع مطالب الفصائل الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، والتي أعلن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية أن حماس طالبت مصر بأن يكون تفعيل إسرائيل للممر الآمن بين الضفة وغزة أحد شروط اتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية في قطاع غزة، قال لموقع "عربي بوست" إن "القطاع الخاص طالب على مدار السنوات الماضية بمنح تسهيلات اقتصادية بين شطري الوطن، ومنها تفعيل الممر الآمن".
وأضاف أن "فرض الإدارة الأمريكية لإملاءات على الفلسطينيين من خلال صفقة القرن، وما تتمثل بإقامة النفق الأرضي بين غزة والضفة، قد يغير من موقفنا، برفض التعامل مع هذا المشروع، إلا في حال كانت هناك إدارة فلسطينية مشتركة، كنوع من السيادة على مشروع يعتبر شأناً فلسطينياً".