بابتسامة خالية من الأسنان وقبضة يد مرفوعة إلى السماء، هتفت أسماء خاتون، البالغة من العمر 90 عاماً بحماس: "Azadi"، مستخدمة الكلمة الهندية التي تعني حرية، ومُنضمة بذلك إلى جوقة صاخبة دوت عبر حي شاهين باغ، الواقع في جنوب دلهي والذي أصبح رمزاً للمقاومة على مدار الأسابيع القليلة الماضية.
خلال عقود عمرها التسعة، عايشت خاتون الحكم الاستعماري البريطاني وحرب الاستقلال والانفصال الدموي بين الهند وباكستان، لكن لأنها ربة منزل ظلت دائماً وراء الأبواب المغلقة وبالكاد تعلم بشأن الأوضاع السياسية. ظل الوضع هكذا حتى الشهر الماضي، كما تقول لصحيفة The Guardian البريطانية.
النساء في مقدمة الاحتجاجات على مودي
لأكثر من 40 يوماً، ظلت العجوز الضعيفة ذات المعنويات العالية مخيمة في الشوارع ليلاً نهاراً، جنباً إلى جنب مع مئات النساء، متحديات أقسى موجة برد تضرب مدينة دلهي منذ أكثر من قرن. تقول خاتون للغارديان معلقة على موقفها: "أنا عجوز، ينخر البرد في عظامي، وأبنائي قلقون للغاية على صحتي، لكنني جالسة هنا لأنني لن أقف مكتوفة الأيدي بينما يحاول مودي تفكيك الهند، ليخبرني بعد 90 عاماً أن هذا ليس موطني".
وأضافت بتحد: "هل أنا مرتعبة؟ من أتى على ذكر الخوف. صحيح أني لم أشارك في أي احتجاج من قبل، لكنني لن أبارح مكاني، وإن مت هنا، فسوف أموت مقاتلة من أجل أطفالي وبلدي".
إن الاضطرابات التي اجتاحت الهند الشهر الماضي بعد إقرار قانون المواطنة الجديد الذي يضطهد المسلمين صراحة ويقوّض الأسس العلمانية لدستور الهند، لم تظهر أي علامات انحسار. إذ يستمر الملايين في الخروج إلى الشوارع كل أسبوع متظاهرين ضد تعديل قانون المواطنة، وضد ما يراه كثيرون باعتباره محاولة غير مقبولة من رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وحكومته المشكلة من حزب بهاراتيا غاناتا لتطبيق أجندتهم القومية الهندوسية وإعادة تعريف الهند على أنها بلد هندوسي بحت. وبينما حاولت الحكومة قمع الاحتجاجات، مع فرض حظر التجمعات لأكثر من أربعة أشخاص وزيادة العنف وعمليات التعذيب من الشرطة، إلا أن كل هذا أجج مشاعر السخط في جميع أنحاء الهند.
النساء يتصدرن المشهد
الأمر الصادم هو أن أعلى أصوات المعارضة كانت من النساء إلى حد كبير. إذ تتصدر النساء بدءاً في جميع أنحاء الهند من الناشطات والمحاميات وصولاً إلى الطالبات وربات البيوت والجدات، من الهندوس والمسلمات، حركة المقاومة المناهضة لقانون المواطنة الجديد، فضلاً عن مقاومة اختبار للمواطنة على مستوى البلاد، يُعرَّف باسم السجل الوطني للمواطنين، الذي يمكن أن يتسبب في تحويل ملايين المسلمين إلى أجانب غير شرعيين في بلادهم التي نشأوا بها. بالنسبة للكثيرين، هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يشاركون فيها في حدث سياسي.
كانت الصحوة السياسية التي تقودها النساء والتي أشعلها تعديل قانون المواطنة تتجسد بابتهاج في التجمع في حي شاهين باغ ذي الأغلبية المسلمة والذي بدأ في أواخر ديسمبر/كانون الأول، عندما أغلقت مئات النساء طريقاً رئيسياً وبدأت تظاهرة احتجاجية ضد قانون الجنسية الجديد. منذ ذلك الحين، تضخمت الأرقام، جاذبة حشوداً من مختلف الأجيال، معظمها من الإناث على عكس أي احتجاج حدث في الهند من قبل.
"لا أخاف شيئاً، لا أخاف الشرطة"
كانت بلقيس، البالغة من العمر 82 عاماً، من بين الحشود، وقد خيمت في الاحتجاج لأكثر من شهر. وقالت بلقيس: "في حياتي كلها، هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في أي حركة سياسية، قبل ذلك كنت ربة منزل، لم أغادر البيت مطلقاً. الآن أنا آكل هنا وأنام هنا، أعود إلى المنزل كل يومين لتبديل ملابسي ليس إلا. أحياناً ما يكون الطقس بارداً ولكن الأمر ليس شاقاً. كيف يمكنني الجلوس في بيتي مع علمي بأن أطفالي قد يُطردون من هذا البلد الذي هو موطنهم ويُجبرون على الذهاب إلى السجن أو إلى باكستان؟ سأرحل عن الاحتجاج عندما تكون حياة أطفالي آمنة فقط. نحن أقوياء ومودي مرتعب الآن".
قالت نصرت إسراء، البالغة من العمر 43 سنة، إنها تركت حياتها كربة منزل لأول مرة لتظل بصحبة نساء شاهين باغ كل يوم، مضيفة أن زوجها كان معارضاً لاعتصامها في البداية "لكنه يعرف الآن لماذا أناضل".
وتابعت نصرت وقد أشرق وجهها من إثر الحماس بفعل كلماتها المليئة بالتحدي: "لا أخاف شيئاً، لا أخاف الشرطة، لا أخاف تعرضي للضرب، أنا هنا لمجرد الدفاع عن الحرية"، مضيفة: "لا نقاتل من أجل أي إله أو أي حزب سياسي، إننا نقاتل من أجل حقوقنا. وقد أتيت بابنتي البالغة من العمر 12 عاماً إلى هنا يومياً لتعليمها النهوض والدفاع عن حقوقها هي الأخرى".
لماذا النساء؟
أما عن أسباب لعب تلك الاحتجاجات على وتر حساس لدى النساء، فهي متعددة الأوجه. على المستوى العملي، فمن المحتمل أن تعاني النساء أكثر من الرجال من قانون المواطنة الجديد، والذي يتطلب توفير وثائق بعينها لإثبات المواطنة.
تحصل النساء عموماً في جميع أنحاء الهند على وثائق أقل، فضلاً عن أنهن يكن أكثر فقراً من الرجال، وأكثر استبعاداً من نطاق الإدارة الرسمية، وغالباً ما لا تحمل مستندات ملكية المرافق المختلفة أسماءهن، كما أنهن غالباً ما يرحلن عن محل ولادتهن من أجل الزواج، وعلى الأرجح تكون ولادتهن غير موثقة.
لكن وفقاً لكارونا ناندي، إحدى أبرز المحاميات في الهند المعارضات جهراً لتعديل قانون المواطنة والتي تحدثت في عدة تظاهرات معربة عن معارضتها للقانون، فالأمر أعمق من ذلك بالنسبة للنساء في الهند. وقال كارونا: "أن تكون امرأة في الهند فإن ذلك يغذي الخبرة المكتسبة عن القمع ومقاومته. نحن نعرف التهميش حق المعرفة".
وتضيف: "لكن من المهم أن نرى كيف أن صعود القومية الهندوسية دعمته جزئياً المفاهيم الذكورية السامة. وكثير من التصورات والأفعال المرتبطة بها رجولية للغاية وعنيفة ومتعصبة بوضوح ومعادية للنساء. دستورنا يتحدث عن المودة بين المواطنين. وما نراه في قيادة بعض النساء وفي شاهين باغ هو طاقة أكثر لطفاً. إنها أكثر سعادة وحناناً لكنها في الآن ذاته قوية وعازمة. ومن رأيي أن هذا يُري البلاد فكراً آخر مقاوماً للذكورية السامة التي تمثلها القومية الهندوسية".
مسلمات وهندوسيات جنباً إلى جنب
وإلى جانب النساء في شاهين باغ، كانت بعض أكثر الصور ومقاطع الفيديو رمزيةً من التظاهرات لنساء، وكنّ في الغالب مسلمات وهندوسيات، جنباً إلى جنب، يقفن بشجاعة أمام حملة من ضباط الشرطة الذكور بالكامل، أُرسلت لتفريق التظاهرات السلمية.
ثمة مقطع فيديو انتشر لخمس طالبات في الجامعة الملية الإسلامية في دلهي أحطن بشابٍ لحمايته من ضربات رجال الشرطة بالهراوات بعد أن اقتحموا حرم الجامعة بعنف. قالت تشاندا ياداف، الطالبة ذات العشرين عاماً وإحدى الفتيات اللائي ظهرن في الفيديو، إنها أتت من بيتٍ محافظ في ولاية أتر برديش الريفية، حيث تشب النساء على مبادئ تتمثل في ألا يرفعن أصواتهن أو يقاومن، وإنها كانت المرأة الأولى في قريتها التي تشارك في التظاهرات.
قالت تشاندا: "لستُ خائفة.. أردتُ إنقاذ أصدقائي وبلدي وهذا ما جعلني أقاوم الشرطة في ذلك اليوم وما جعلني أقاوم تعديل قانون المواطنة منذ ذلك الحين".
أثبتت روح شاهين باغ أنها مُعدية، وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، ظهرت الاعتصامات المماثلة عبر البلاد بقيادة النساء، بما في ذلك حديقة Circus Maidan في مدينة كولكاتا. وكانت نافاميتا شاندرا (25 عاماً) جالسة بين المعتصمات، وهي طالبة في جامعة جادفبور في كولكاتا. وقد أخذت بالفعل موقفاً علنياً ضد تعديل قانون المواطنة عندما رفضت قبول شهادتها من نائب رئيس جامعتها اعتراضاً على هجمات الشرطة على الطلبة في دلهي وأتر برديش خلال الاحتجاجات المعارضة لتعديل قانون المواطنة واختبار السجل القومي للمواطنين. سارت إلى المسرح وهي تحمل لافتة كُتب عليها: "لا أستطيع أخذ شهادتي بصورة احتفالية بينما زملائي الطلبة يتعرضون للضرب والتعمية والقتل".
قالت تشاندرا:" بدأت النساء من جميع الخلفيات يستيقظن وينزلن إلى الشوارع بأعداد غير مسبوقة. من المذهل أن ترى ذلك"، مضيفة: "لن ندع إخوتنا المسلمين والمسلمات يتعرضن للتشويه والتهديد. أبي لا تعجبه مشاركتي في التظاهرات لكن أمي بالتأكيد لا تزال مقاتلة؛ إنها تفهم سبب نزولي إلى الشوارع وتدرك أننا وصلنا إلى نقطة حيث صار رفع أصواتنا أهم من أي وقتٍ مضى".
أما شفقت رحيم (25 عاماً)، وهي طالبة محاماة من عائلة مسلمة محافظة، فقد مثّلت التظاهرات المناهضة لتعديل قانون المواطنة في كولكاتا صحوة سياسية لها؛ إذ قالت: "تتخذ الاحتجاجات مظهر الثورة حيث النساء يضطلعن بأدوار قيادية.. سنطيح نحن النساء أولئك الحكام الفاشيين".