يبيعون منازلهم لشراء الطعام.. الأوضاع الصادمة بعد انهيار الليرة تدفع السوريين لتحدي النظام رغم مخاوف القمع

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/21 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/21 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش
مظاهرات في سوريا

"الراتب لا يكفيني سوى خمسة أيام"، هكذا وصف موظف سوري حاله بعد انهيار الليرة السورية.

فقد بات انهيار الليرة السورية هو الحديث اليومي للمواطنين على مدار الساعة، جراء انخفاض قيمتها مقابل الدولار خلال أسبوعين من 900 ليرة إلى 1200 في الأسواق.

ولكن الأمر تعدى الأحاديث اليومية إلى أضرار بالغة على الأسر السورية، إذ أصبح المواطنون يبيعون أملاكهم من أجل شراء حاجاتهم الأساسية.

وتسبب هذا النزيف الحاد لليرة في تحليق أسعار السلع الغذائية وغيرها إلى أرقام جنونية، فيما يحاول المواطنون البحث عن حلول، كل بطريقته.

بضاعة أقل جودة، ولا أحد يشتري

مصطفى منصور صاحب محل بقالة في حي دمشقي، يتحدث عن معاناته اليومية مع زبائنه بسبب غلاء أسعار السلع الغذائية، الذين اعتادوا على شراء مستلزماتهم الغذائية من بقالته على الدوام، قائلاً: "بعد أن بدأت أسعار المواد الغذائية من السمن والزيوت وغيرها بالارتفاع وعدم قدرة الزبائن على شرائها، أصبحت أجلب بضاعة ومواد أقل جودة من السابق وبأسعار كنت أظن أنها تتناسب مع أحوالهم، إلا أنه مع مواصلة انهيار الليرة السورية فحتى البضاعة التي هي في الحدود الدنيا من حيث الجودة لم تعد حلاً للزبائن بسبب أسعارها الفاحشة".

تدهور الليرة رفع الأسعار بشكل كبير

ويُبين منصور في مثال توضيحي بقوله: "مثلاً سعر كيلو السكر وطني المنشأ وصل إلى 1500 ليرة سورية كما كيلو السمنة المحلية والزيوت النباتية، أما سعر صحن البيض فوصل إلى 2000 ليرة وبات الزبون يبحث عن أقل كلفة، باتباع سياسة التقشف، واستبدال الكمية المطلوبة لأسرته من الكيلوغرام إلى أجزاء، وبحسب الحاجة الملحة، ومعظمهم بات يبحث عن الأشياء الأرخص ثمناً بغض النظر عن جودتها.

ويضيف قائلاً: "غالباً أجد نفسي في حالة الدفاع لأنهم يعتبرونني جزءاً من هذا الغلاء الفاحش، في حين أن نسبة أرباح مبيعات البقالة تراجعت إلى أقل من النصف منذ أن بدأ الغلاء يطال السلع التجارية، لكي أحافظ على علاقتي مع أبناء حارتي وزبائني"، وبات شعور الخسارة لرأس المال يراودني في كل حين، وأفكر حالياً في إغلاق البقالة لأحافظ على رأس المال.

باع منزله لشراء بنطال

"بعت منزلي الذي أقمت فيه سنوات حياتي الخمسين واشتريت منزلاً بنصف ثمنه تقريباً لأوفر مبلغاً من المال أتمكن من خلاله من شراء بنطال جديد لابني الذي يتعلم في الجامعة ولسد حاجة إخوته من طعام وملابس".

هكذا قال محمود .ع أحد أبناء حي الزاهرة في العاصمة دمشق والذي يعمل موظفاً في معمل، براتب شهري قيمته حوالي 50 دولاراً تقريباً.

وتحدث عن ظروف حياته وأسرته الصعبة في الآونة الأخيرة، وعدم قدرته على توفير متطلباتها اليومية من غذاء وغيره ومصاريف أبنائه في المدارس والجامعات، ورغم حصوله على عمل إضافي في المساء بشركة سفريات وحصوله على مبلغ آخر بقيمة 50 دولاراً، إلا أنه لم يكن كافياً لتأمين حاجته ومصاريف أسرته ومستلزماتهم اليومية بسبب الغلاء الفاحش، ما دفعه إلى بيع منزله بـ 20 مليون ليرة سورية (20 ألف دولار) وشراء منزل في حي عش الورور "النائي" بـ 10 ملايين.

وأشار محمود إلى أن منزله الأصلي يستحق ثمناً لا يقل عن 30 مليون ليرة سورية (نحو 30 ألف دولار) إلا أن الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها سوريا من جهة واستغلال التجار من جهة ثانية كانا كفيلين بخسارة 10 ملايين ليرة سورية، كما أن مواطنين آخرين باعوا منازلهم وكانوا فريسة هذين العنصرين.

احتجاجات شعبية تطالب النظام بوضع حد للانهيار المعيشي والليرة السورية

قيس صخر أحد أبناء مدينة السويداء جنوب سوريا قال إن ارتفاع أسعار السلع الغذائية وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي في المدينة وريفها ولد حالة من التململ والاحتجاج ضد النظام، بدأت بفكرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وتحولت إلى احتجاج نظمه عدد من الشبان وشاركت به أعداد كبيرة من الأهالي بمظاهرات حاشدة تندد بعدم اكتراث النظام لوضع حد للانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وتحسن الوضع المعيشي للمواطن السوري، وحمل بعض المتظاهرين رغيف خبز كتب عليه "بدنا نعيش" .

احتجاجات رغم المخاوف من قمع النظام

وأضاف صخر أن الاحتجاجات والتظاهرات انطلقت تحت عنوان "بدنا حقنا" و "بدنا نعيش" و "يا مخلوف وياشاليش حلوا عنا بدنا نعيش" في إشارة إلى رامي مخلوف ورياض شاليش المقربين من رأس النظام السوري بشار الأسد باعتبارهما من أكبر أصحاب رؤوس الأموال في سوريا ويملكان عشرات المشاريع والشركات في الداخل السوري وخارجه، وأبرزها شركة الاتصالات الخليوية "سيريا تيل"، كما أنهما يستثمران جزءاً كبيراً من أموالهما في دول غربية، فضلاً عن المبالغ الضخمة المودعة في البنوك الغربية.

أسباب انهيار الليرة والاقتصاد السوري

يتحدث الخبير عمر حاج محمود بالشأن الاقتصادي السوري قائلاً: هناك أسباب كثيرة أدت إلى انهيار قيمة الليرة السورية واقتصاد البلاد ومنها:

رفض النظام للمعالجة السياسية للأزمة السورية والإصرار على الخيار الأمني والعسكري وتوجيهه لمختلف موارد البلاد إبان اندلاع الثورة السورية مطلع عام 2011، للسلاح ولتغطية تكاليف العمليات العسكرية، أفضى لاستنزاف خزينة الدولة من العملات الصعبة، وتحجيم الدخل القومي بشكل كبير جداً بخسارة الكثير من مصادره التجارية والزراعية والصناعية والمعدنية.

 ولكن الجديد هو توقف الدعم المادي الإيراني للنظام واقتصاره على دعم كميات محدودة من المنتجات النفطية والأسلحة، وأيضاً العقوبات الغربية التي فرضت على النظام بسبب استخدامه السلاح الكيماوي وأسلحة أخرى محرمة دولياً ضد المدنيين.

رجال الأعمال هربوا من شبيحة النظام

هناك سبب آخر ساهم بالانهيار الاقتصادي، هو حالة التسلط والابتزاز التي مارسها قادة ميليشيات المساندة للنظام بحق التجار السوريين دفع عدداً كبيراً منهم إلى الهروب بأموالهم خارج سوريا ومعظمهم لجأوا إلى مصر وتركيا والأردن ولبنان، ويقدر رأس مال هؤلاء التجار بحوالي 35,7 مليار دولار باعتراف حكومات هذه الدول، حسب الخبير الاقتصادي حاج محمود.

ولفت الحاج محمود إلى أن ثقة الحاضنة الشعبية والموالين للنظام قد تراجعت كثيراً عن السنوات الماضية، لاسيما وأن الأخير كان دائماً يحاول إقناع الموالين له بأن الحسم العسكري وإعلان النصر سيعيد الازدهار والرخاء المعيشي إلى ما كانت عليه سوريا قبل اندلاع الثورة السورية 2011.

رجال الأعمال هربوا من قادة الميلشيات

ولكن مع مشاهد المجاعة والطوابير اليومية على أفران الخبز ومخازن الغاز والمحطات وتوقف التجارة مؤخراً، فقد المواطن السوري الثقة في هذا الكلام.

كما أن هناك اعتقاداً بأن انهيار الليرة السورية مرتبط بالأزمة اللبنانية، وخاصة في ظل امتناع المصارف اللبنانية عن منح المودعين لأموالهم، ويعتقد أن هناك عدداً كبيراً من التجار السوريين لديهم أرصدة في المصارف اللبنانية. 

حتى بعد الزيادة الراتبُ يكفي 5 أيام

رغم الزيادة التي أقرها النظام مؤخراً على رواتب الموظفين الشهرية بحوالي 20 ألف ليرة سورية (من 16.6 إلى 20 دولاراً) ودعم بعض السلع الغذائية كالسكر والزيوت للمواطنيين العاديين إلا أنها لم تغير في الحال المعيشي للمواطن السوري ولم تؤد إلى أي تحسن، حسبما قال منير ديوب موظف في شركة كهرباء اللاذقية الذي يتقاضى راتباً شهرياً قيمته 80 ألف ليرة سورية بما يعادل 80 دولاراً أمريكياً.

وأضاف ديوب أنه اضطر مؤخراً للعمل سائق تكسي أجرة ضمن الفترة المسائية للحصول على مبلغ آخر إلى جانب راتبه الشهري لعله يساهم في تحسين وضعه المعيشي، إلا أن سرعة انهيار الليرة السورية وارتفاع أسعار السلع الغذائية والغاز والبنزين والمازوت لم يعد راتبه الشهري وعمله الإضافي يكفيان لأكثر من 5 أيام في الشهر، مما اضطره مؤخراً إلى بيع قطعة أرض زراعية من بستانه في قريته الأم بريف اللاذقية للاستفادة من ثمنها في تحسين وضع أسرته المعيشي، على أمل أن تتحسن الأوضاع المعيشية في البلاد ولا يضطر مرة أخرى لبيع قطعة أرض ثانية.

اللجوء للقبضة الأمنية

تسارع انهيار الليرة السورية والاقتصاد برمته دفع النظام لاتخاذ حزمة من الإجراءات القانونية ظناً منه باحتواء الأزمة وتثبيت العملة عند المستوى الأخير الذي وصلت إليه. 

وفي هذا الشأن أكد الحقوقي سامر زيدان أن النظام أصدر جملة من القرارات والمراسيم خلال الأيام الماضية حذر فيها أصحاب محال الصرافة والحوالات من التعامل بغير العملة المحلية أو المعادن الثمينة وتحديد سعر بيع وشراء الدولار بـ 700 ليرة سورية عن طريق مصارفه الحكومية وفرض عقوبة من يخالف المرسوم الأخير بالسجن لمدة سبع سنوات أو أكثر ودفع غرامة ضعف المبلغ المتعامل به.

في حين أن أسعار صرف الدولار في السوق السوداء بلغت 1250 ليرة سورية في اليومين الماضيين ما دفع النظام إلى اعتقال أكثر من 20 صاحب محل صرافة وبيع مجوهرات، في كل من مدينتي حلب ودمشق، وإحالتهم للقضاء مع التلويح بمطالبتهم بغرامات مالية قد تصل إلى 30 مليون ليرة سورية.

ولكن من المعروف اقتصادياً أن مثل هذه الإجراءات تشير إلى فقدان الثقة في العملة المحلية، وغياب هذه الثقة يزيد من الأزمة.

تحميل المزيد