لم تكن مدينة دافوس الصغيرة في جبال الألب السويسرية ذات أهمية وشهرة كبيرة، قبل تأسيس "المنتدى الاقتصادي العالمي" في عام 1971، حيث أصبحت دافوس منذ ذلك الحين محط اهتمام العالم كل عام، ففيها يجتمع أبرز القادة السياسيين، وثلة من الاقتصاديين الذين يتحكمون بثروة عالمنا كله.. فما حكاية دافوس؟ وكيف بدأت؟ وما هو المنتدى الاقتصادي العالمي؟
البداية على يد اقتصادي ألماني
تعتبر دافوس مدينة سويسرية صغيرة يعيش فيها 11 ألف ساكن، وقد كانت مقصد السياح كمنتجع تزلج صغير في جبال الألب. لكن في عام 1971 قام عالم الاقتصاد الألماني كلاوس شواب بإنشاء منظمة غير حكومية فيها، نجحت في تجميع الشركات والقادة والعديد من الشخصيات المؤثرة في العالم، على طاولة واحدة للنقاش، تحت اسم "المنتدى الاقتصادي العالمي"، أو ما صار يعرف لاحقاً باختصار "منتدى دافوس"، نسبة إلى المدينة التي تحتضنه كل عام في شهر يناير/كانون الثاني.
ويعتبر منتدى دافوس مؤسسة دولية غير حكومية ولا ربحية، يجمع نخبة من رجال أعمال وسياسيين وأكاديميين للتباحث بشأن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم وسبل حلها، حيث ينتهز الكثير منهم هذه الفرصة لعقد اجتماعات خاصة، تتناول قضايا مثل الاستثمار في بلدانهم، ولإبرام صفقات تجارية.
وغالباً ما تستثمر شخصيات بارزة المنتدى للتأثير في عملية تحديد أولويات السياسة العالمية والدفع بقضايا معينة إلى مقدمة الاهتمام العالمي، على سبيل المثال، خطاب الأمير ويليام العام الماضي عن الصحة العقلية، أو تحذيرات ديفيد أتينبورو الصارخة بشأن الحفاظ على البيئة وأثر التغير المناخي.
لماذا أصبحت دافوس تحديداً مقراً دائماً للمنتدى الاقتصادي؟
من غير المعلوم على وجه التحديد السبب الحقيقي لاختيار الاقتصادي الألماني شواب هذه المدينة كمقر دائم لهذا الاجتماع الاقتصادي السنوي، لكن تاريخ هذه المدينة، ربما ينبئنا بما قد يكون السبب لذلك، إذ بدأت دافوس كمنطقة مأهولة منذ العصور الوسطى بهجرة الرومان إليها، وفي حوالي عام 1280م سمح بارونات منطقة فاز في كانتون غروباندن لمستوطنين ألمان بالإقامة في دافوس، ومنحوهم حقوق الإدارة الذاتية الكاملة، وبذلك أصبحت دافوس المستوطنة الأكبر للألمان في شرق سويسرا.
ولا يزال سكانها يتكلمون لهجة قد تبدو شاذة بالنسبة لسكان كانتون غروباندن، حيث تبدو فيها أوجه الشبه مع تعابير اللغة الألمانية في الأجزاء الغربية من سويسرا. وابتداء من منتصف القرن الثامن عشر أصبحت دافوس وجهة شعبية للأثرياء والمرضى الباحثين عن العلاج الطبيعي.
وكان من المشاهير الذين قضوا شتاءهم في دافوس الأديب الإنجليزي روبرت لويس ستيفنسون، وكذلك الروائي الشهير آرثر كونان دويل، مبتكر شخصية شارلوك هولمز؛ حيث كتب مقالاً عن التزحلق في دافوس عام 1889م، وإضافة إلى هؤلاء الأديب الألماني توماس مان.
من هم المدعوون لحضور مؤتمر دافوس؟
يستقطب المنتدى الاقتصادي العالمي نحو 3000 شخص سنوياً، ثلثهم تقريباً من قطاع الأعمال، خصوصاً الرجال، إذ يغلب الطابع الذكوري على هذا المنتدى الذي يشكل الرجال نحو 80% من حضوره.
ومن يحضر إلى المنتدى يجب أن يكون قد تلقى دعوة رسمية، وفي هذه الحالة يكون دخوله مجانياً، أو أن يكون عضواً في المنتدى الاقتصادي العالمي، وهذا قد يكلف 480 ألف جنيه إسترليني.
ويحضر في المنتدى زعماء العالم وشخصيات رئيسية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ورؤساء الشركات الكبرى من أمثال: كوكاكولا، وغولدمان ساكس، وآي بي إم.
ومن بين الضيوف الذين اعتادوا حضور المنتدى بانتظام: الملياردير الأمريكي جورج سوروس، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، والرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ، وبونو مغني فريق يو 2 الشهير.
وتتباين درجات الحضور، إذ لا يتساوى الجميع في حضور الفعاليات، بل يتحدد ذلك عبر هويات دخول بألوان مختلفة تحدد نوع الفعالية، ومن سيجلس أو يقضي وقته مع مَن مِن الحاضرين.
ويحصل معظم الضيوف رفيعي المستوى على شارة بيضاء عليها صورة ثلاثية الأبعاد تتيح لهم الدخول إلى أي مكان. وفي أقصى الطرف الآخر من مقياس درجات الحضور ما يعرف بـ "شارة الفندق" التي تقصر حضورك على الفندق، ولا يسمح لك بالدخول مطلقاً إلى مركز المؤتمرات.
لماذا يتعرض المنتدى لانتقادات شعبية كثيرة كل عام؟
استخدم علماء العولمة مصطلح "ثقافة دافوس" لتمثيل مجموعة النخبة من المليارديرات وقادة الأعمال، والسياسة، والمجتمع المدني الدوليين الذين يحضرون الاجتماع السنوي، حيث يرى منتقدو المنتدى أنه أصبح رمزاً "للنخبة العالمية"، التي يتحمل بعضها مسؤولية الكثير من الأزمات العالمية وحتى "إفلاس" الشعوب.
وبالتزامن مع انعقاد المنتدى كل عام، تنشط حراكات احتجاجية في دافوس ومدن سويسرية أخرى، ينفذها أنصار البيئة والمناخ، أو الجمعيات النسوية، وكذلك حركات عدم المساواة، وغيرها الكثير، الذين يصفون المنتدى باجتماع خاص لبارونات المال والسياسة النخبويين، الباحثين عن مصالحهم الخاصة لا مصالح شعوبهم.
وفي العام الماضي، وصف رئيس تحرير مجلة "تايم" الأمريكية، أناند غريدهارادس، منتدى دافوس بأنه أقرب إلى "لقاء لمّ شمل عائلي للأشخاص الذين تسببوا في إفلاس العالم الحديث".
ويعزز موقع المؤتمر الفخم والمروحيات الخاصة الداخلة والخارجة منه والحفلات الباذخة مزاعم بأنه حدث يقتصر على النخبة. بيد أن المنتدى الاقتصادي العالمي يقول إنه ببساطة يهتم بـ"تجميع القادة للعمل من أجل الصالح العام".
ماذا عن نسخة هذا العام؟
انطلقت بالفعل، الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني، أعمال المنتدى في نسخته الخمسين، بمشاركة 3 آلاف شخصية بين قادة دول وحكومات ومنظمات أممية ورجال أعمال.
ويأتي انعقاد المنتدى على وقع تقلبات اقتصادية بين إيجابية وسلبية، مرتبطة بتوقيع المرحلة الأولى من اتفاق التجارة الأمريكي الصيني، واتفاق أوروبي على خروج آمن لبريطانيا من الاتحاد، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران، ومخاطر متزايدة للتغير المناخي.
ويشارك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نسخة هذا العام، بعد تعذره المشاركة في نسخة 2019، بالتزامن مع تحركات يجريها مجلس الشيوخ الأمريكي للنظر في الاتهامات الموجهة له قبيل اتخاذ توصية بعزله من عدمه.
في حين، سبقت انطلاق أعمال المؤتمر احتجاجات ضد شركات عالمية أعضاء في المنتدى الاقتصادي العالمي، محملين إياها مسؤولية التغيير المناخي.