أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حاملة الطائرات شارل ديغول ستُبحر قريباً إلى شرق البحر المتوسط، معللاً ذلك بدعم التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، مضيفاً أن حاملة الطائرات "ستكون في صلب عمليات مشتركة بين عدة دول أوروبية". لكن هل ذلك هو السبب الحقيقي لإرسال باريس إحدى أكبر حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط، خصوصاً أن "تنظيم الدولة الإسلامية" تم القضاء عليه كما أعلن ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة؟
بداية، ما هي حاملة الطائرات شارل ديغول؟
"شارل ديغول" هي حاملة طائرات تسير بالوقود النووي، ويبلغ طاقمها نحو 2000شخص، وسبق أن توجَّهت لشرق البحر الأبيض المتوسط لتوجيه ضربات جوية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، عقب هجمات باريس عام 2015.
وأُنشئت الحاملة في عام 1994، بوزن يبلغ 83 ألف طن، لكنها دخلت الخدمة الفعلية في عام 2001، عندما شاركت في مناورات حية في البحر الأبيض المتوسط. وكانت أول عملية فعلية لها في الخليج العربي في إطار عملية "الحرية المستدامة" في ديسمبر/كانون الأول 2001، خلال الحرب على أفغانستان.
ويتألف أسطولها من 40 طائرة من طراز رافال ميراج، وطراز سوبر إيتندار، وثلاث طائرات إنذار مبكر من طراز إي 2 سي، بالإضافة إلى طائرات الإسناد من طراز إي إس 565 ومروحيات إن إتش 90.
فتِّش عن سباق الغاز في شرق المتوسط
إعلان ماكرون حول حاملة "شارل ديغول" سبقه بساعات إعلان فرنسا طلبها الانضمام رسمياً لعضوية منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم كلاً من: مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.
حيث قالت وزارة البترول المصرية إن طلب فرنسا للانضمام للمنتدى جاء بالتزامن مع إعلان نائب مساعد وزير الطاقة الأمريكي رغبة بلاده في الانضمام إلى المنتدى كمراقب بصفة دائمة.
يأتي هذا الحراك الفرنسي بعد توقيع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، مذكرة تفاهم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لترسيم الحدود الاقتصادية البحرية بين تركيا في شمال المتوسط وليبيا في الجنوب. إذ أثارت هذه الاتفاقية ردود فعل غاضبة في قبرص واليونان ومصر، والتي ردَّت عليها تركيا بأنها لن يمنعها أحد من التنقيب في شرق البحر المتوسط، أو يحرمها من الحصول على حصتها من ثروة الغاز هذه.
وتتقاطع المنطقة الممتدة من جنوب غربي تركيا إلى شمال شرقي ليبيا، مع منطقة تطالب اليونان وقبرص حالياً بأحقيتهما فيها، ويجري العمل فيها كذلك على خطط لإنشاء خط غازٍ مستقبلي يربط حقول الغاز الواقعة شرقي المتوسط بالأسواق الأوروبية.
وبالاتفاقية التي وقعتها أنقرة مع طرابلس، ترى تركيا أنها تردّ بقوة على محاولات عزلها عن عمليات تطوير الطاقة الجارية في المنطقة، بعد تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط (2019)، الذي كان آخر المنضمين له فرنسا.
هل تحاول مصر وحلفاؤها تهديد تركيا بالوجود الفرنسي في شرق المتوسط؟
طوال تفاقم هذه الأزمة بشرق المتوسط لم تكن فرنسا بعيدة عن المشهد، إذ سبق لها أن أعربت عن دعمها لقبرص اليونانية، لِما تواجهه من "صعوبات" مع تركيا، التي ما زالت تحاول استكشاف مصادر للطاقة في البحر المتوسط.
وفي يونيو/حزيران الماضي، قال كريستيان كامبون، وهو سيناتور فرنسي بارز، إن بلاده تدعم محاولة قبرص اليونانية لإيقاف أنقرة عن التنقيب عن الغاز قبالة سواحلها، مضيفاً أن فرنسا ستحمي رخصة التنقيب عن الغاز قبالة قبرص، الخاصة بشركة النفط "توتال". إذ أعلنت قبرص حينها تعاقدها مع شركتي "إكسون موبيل" الأمريكية، و "توتال" الفرنسية، للبحث عن الطاقة على ساحل جزيرة كريت، لتنضم إلى سباق الطاقة المحتدم في البحر المتوسط.
إذ أطلقت أنقرة، في 20 يونيو/حزيران 2019، سفينتين للبحث عن الطاقة بالقرب من سواحل قبرص التركية، في مناطق تقول إنها تابعة لجرفها القاري، ما أثار قلق الأوروبيين، وعلى رأسهم فرنسا، الذين حذّروا أنقرة من "عقوبات"، مؤكدين أن عمليات الحفر التركية "غير قانونية"، وأن الاتحاد "مستعد للرد بشكل مناسب".
في حين سبق لليونان ومصر الانتقاد المشترك للاتفاقية التركية- الليبية ومهاجمتها، حيث قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس من القاهرة إلى جانب نظيره المصري سامح شكري إن بلديهما اتّفقا على أن رئيس حكومة الوفاق الليبية السراج "يفتقر إلى الشرعية اللازمة لتوقيع هذه المذكرات مع تركيا"، مضيفاً أن بلاده ستسعى للحصول على الدعم من "حلفاء الناتو"، في مواجهة محاولات تركيا "التعدي" على السيادة اليونانية.
هل ترفع مصر رهان المواجهة؟
بإعلان مصر إدخالها للاعب الجديد (فرنسا) في لعبة التنافس على موارد شرق المتوسط، ترفع القاهرة الرهانات في المنطقة؛ إذ سيُثير دخول باريس لمنتدى شرق المتوسط جنباً إلى جنب مع مصر واليونان وقبرص وإسرائيل من جهة، تصعيداً كبيراً مع أنقرة وحكومة ليبيا المعترف بها دولياً وقبرص الشمالية من جهة أخرى، والتي ترفض استثناءها أو حرمانها من أي مشاريع كبرى بالشراكة مع الأوروبيين في حوض المتوسط.
وهو الأمر الذي يؤكده خبراء ومحللون محسوبون على النظام المصري، إذ يقول اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، لموقع مصراوي، إن "الطلب الفرنسي سيدعم التحالف بشكل كبير ضد تركيا ومحاولاتها المستمرة في معاداة أعضاء التحالف والتحرش بهم إقليمياً"، مضيفاً أن "انضمام فرنسا سيعطي التحالف قوة ستمنع تركيا من الاقتراب من بعض الدول، خاصة قبرص".
فيما يقول العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية إن "موقف فرنسا منذ البداية مصطفّ سياسياً ودبلوماسياً مع مصر والإمارات وموقفهما الداعم لحفتر، كما أنها داعمة لموقف مصر وقبرص واليونان ضد اتفاقية ترسيم الحدود التي وقّعتها ليبيا مع تركيا"، مضيفاً أنه "في حال التصعيد فإن الاتحاد الأوروبي سينحاز لأعضائه الثلاثة: فرنسا وقبرص واليونان، أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط، ومن الممكن أن يقوم الاتحاد الأوروبي برفع شكاوى ضد تركيا في مجلس الأمن، وفرض عقوبات عليها"، حسب تعبيره.
في النهاية، يبدو أن التدخل الفرنسي في هذه الأزمة سيعطي بُعداً جديداً للعبة استعراض القوة شرقي المتوسط، خاصة إذا فشلت المحادثات الدولية حول حل الأزمة الليبية في مؤتمر برلين، الذي سيُعقد الأحد 19 يناير/كانون الثاني 2020، الذي يعتبر الفرصة الأخيرة لحلٍّ دبلوماسي للنزاع بين حكومة الوفاق وحكومة حفتر، فالأولى حصلت على الدعم الفعلي من تركيا، وبدأت أنقرة بإرسال القوات إليها في معركة الدفاع عن طرابلس، والثانية من غير المستبعد أن تستعين بقوة أكبر من حلفائها مصر والإمارات وفرنسا، للتغلب على الدعم التركي لحكومة الوفاق.