في الأيام التي أعقبت اعتراف إيران بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية بالخطأ؛ مما أسفر عن مقتل 176 راكباً، نشر نافيد محمد زاده، الممثل الإيراني الشهير، مقطعاً من فيلم الدراما والجريمة الإيراني الشهير Sheeple على منصة إنستغرام.
وفي هذا المقطع، يظهر نافيد في دور شاهين وهو يقول لزوج والدته: "لماذا تضربني؟ لأنني لست من دمك؟ سوف ترى أنني لن أغادر هذا المكان. سوف أبقى هنا لأعكّر حياتك. سوف أبقى هنا حتى أنال حقوقي. هذا مكاني، كله ملك لي".
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، حقق المقطع أكثر من 3 ملايين مشاهدة. في بلد قمع فيه المتشددون أصوات الإصلاحيين ومؤيدي الديمقراطية، أصبح الفنانون والرياضيون هم رمز وصوت الاحتجاجات، معربين عن قلقهم المتزايد من قيادة الجمهورية الإسلامية.
"أشعر أن النظام يخنقنا"
تقول منى، وهي مدربة شخصية لصحيفة The Financial Times البريطانية: "أشعر أن النظام يخنقنا، يجب أن يتدخل أحد ويعبّر عنّا. ومن أفضل من الفنانين والمشاهير لفعل ذلك؟ لا أحد يستمع لنا".
وقالت أريزو، التي توفيت ابنة عمها في حادثة تحطم الطائرة ولا تريد الكشف عن اسمها الحقيقي: "على الأقل إنهم هنا للتعبير عن تعاطفهم معنا، بدلاً من النظام الذي لم يبدِ أي ندم عمّا اقترفه"، مشيرةً إلى حضور عدد من المشاهير جنازات الضحايا. وأضافت: "لا يمكن للكلمات وصف شعور خسارة أفضل صديقاتي وابنة عمّي".
لاقت كلمات محمد زاده صدى لدى المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بمجرد انتشار أخبار مسؤولية الجيش عن الحادث الذي راح ضحيته حوالي 20 خريجاً من أبرز الجامعات الإيرانية. وقبل أيام، امتلأت الشوارع بمشيّعين لجنازة القائد العسكري قاسم سليماني الذي اغتيل على يد الجيش الأمريكي. ولكن المتظاهرين الآن يتهمون القيادة الدينية والعسكرية بالخيانة بسبب قتل المدنيين والكذب بخصوص ذلك. وهتف طلبة الجامعة: "لسنا سبب الفتنة! أنتم أيها الظالمون من تشعلون الفتنة!".
حراك فني ورياضي واسع
ولم يكن محمد زاده الإيراني الشهير الوحيد الذي يعرب عن إحباطه من قادة البلاد. إذ كتبت جيلاري جباري، المذيعة التلفزيونية، على إنستغرام: "سامحوني على الكذب عليكم في التلفزيون الإيراني لمدة 13 عاماً". ودعا التحالف الإيراني لنقابات الصور المتحركة أعضاءه لرفض دعوات الظهور على قنوات التلفزيون الرسمية. وألغى المغنون المشهورون حفلاتهم المقرر إقامتها في طهران وغيرها من المدن. بينما انسحب آخرون من مهرجان الفجر السينمائي الدولي الذي يُعقد في مطلع شهر فبراير/شباط من كل عام، تزامناً مع ذكرى الثورة الإسلامية 1979.
وفي اليوم التالي لاعتراف إيران بالتسبب في سقوط الطائرة، تأهل منتخب إيران للكرة الطائرة إلى دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020. ولكن سعيد معروف، قائد الفريق، كتب على إنستغرام: "لا طاقة لنا للاحتفال بالانتصار الذي حلمنا به منذ سنوات. أتمنى أن تكون هذه الحلقة الأخيرة في مسلسل الخداع والنفاق وانعدام الحكمة لدى هؤلاء (المسؤولين) غير الأكفّاء. ولكنها للأسف لن تكون الأخيرة. أدعو كل أطياف الشعب في تلك الظلمات الحالكة أن تكون رحيمة في ما بينها. لا ملجأ آخر لنا سوى بعضنا".
وأعرب بعض الرياضيين المستائين عن اعتراضهم على النظام عن طريق مغادرة البلاد. إذ أعلنت كيميا علي زاده، 21 عاماً، لاعبة التايكوندو الإيرانية الحاصلة على الميدالية البرونزية الأولمبية، عن مغادرتها إلى هولندا عقب البيان الإيراني حول سقوط الطائرة. وقالت في بيان لها: "أنا واحدة من ملايين النساء اللائي يتعرضن للقمع، نحن جميعاً مجرد أدوات لمكائدهم السياسية". وأضافت كيميا: "أعزائي الإيرانيين، لم أكن أرغب في صعود سلم مبني على الفساد والكذب. لقد قررت أن أتخذ القرار المؤلم بالابتعاد عن الوطن، وهو أمر أصعب من الفوز بميدالية أولمبية".
معدلات الهجرة من إيران تتصاعد
ومنذ الثورة الإسلامية في 1979، هاجر الكثير من الإيرانيين إلى الغرب، وتتزايد أعداد المهاجرين مع كل أزمة جديدة. وازدادت أعداد المهاجرين بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وفرض عقوبات قاسية على طهران. ووفقاً لمسؤولين دبلوماسيين في سفارات أجنبية في طهران، فقد تزايد عدد الإيرانيين المتقدمين لنيل تأشيرات سفر لدول مثل كندا وألمانيا بشكل كبير على مدار العام الماضي.
وقالت سيما، طالبة إدارة الأعمال في مدينة بابول الشمالية التي اشتعلت بالاحتجاجات المناهضة للنظام، إنها كانت "حزينة وغاضبة للغاية" بسبب تحطم الطائرة. وقالت: "لقد تجاوزت الأمور ما يمكننا تحمّله، من قُتلوا على متن الطائرة كانوا من أنبغ مواهب البلاد. يمكنني أن أتصور مقدار المشقة التي تكبّدوها طوال حياتهم للوصول إلى تلك المكانة. لا أرى لنفسي مستقبلاً في هذا البلد".
وقال حسين رغفار، اقتصادي، حتى إذا قُمعت المظاهرات وانتهت، قد يعبّر المزيد من الإيرانيين عن استيائهم ورفضهم بالمغادرة. وقال: "الطوابير الطويلة أمام السفارات الأجنبية وهجرة العقول النابغة من البلاد من أبرز وأكبر مظاهر الاحتجاج التي نشهدها الآن".
لا يزال هناك الكثيرون ممن يدعمون موقف محمد زاده ويريدون البقاء. تقول شيده، الطالبة البيطرية في جامعة طهران، مركز الاحتجاجات على مدار الأسبوع الماضي: "علينا البقاء في إيران والمطالبة بحقوقنا والضغط من أجل تحقيق الإصلاحات المنشودة. الآن وبعد أن وصل الغضب الشعبي إلى درجة الغليان، لم يعد الناس خائفين من تكلفة الاحتجاجات. حان الوقت لنكون معاً من جديد".