قد لا يكون الفأر الجرابي حيواناً معروفاً مثل الكوالا أو خلد الماء اللذين يجذبان السياح، لكنه قد يكون أكثر الثدييات تميزاً في جزيرة كانغارو الأسترالية.
والآن ربما تكون أيام الفأر الجرابي في جزير كانغارو باتت معدودة. فقبل حريق الأشجار، كان مهدداً بالفعل، إنها فصيلة نادرة للغاية لدرجة أن حتى الباحثين الذين درسوها لم يروا واحداً منها قط. الآن يخشون أنهم لن يروها أبداً. احترق ثلث الجزيرة التي مساحتها 1700 ميل مربع، ومن ضمن هذه المساحة المنطقة التي من المعروف أن هذه الفصيلة تسكنها بأكملها.
خطر انقراض حقيقي
تقول روزماري هوهنين عالمة البيئة، لصحيفة Washington Post الأمريكية، وهي التي قضت أكثر من عامين تتقصى الفأر الجرابي في جزيرة الكانغرو: "هو أمر مؤكد 100%، فكل سجلاتنا منذ عام 1990، تقع في نطاق منطقة الحريق. احترقت مساحة هذه السلالة بالكامل"، مضيفة: "هذه (الحيوانات) في خطر حقيقي، خطر الانقراض فعلياً".
هناك أكثر من مليار حيوان ثديي، وطير، وزاحف حول أستراليا، بعضها لا يوجد في أي مكان آخر من العالم، ربما يكونون تأثروا أو قُتلوا بفعل النيران الكاسحة عبر أستراليا، وفقاً لتقديرات جامعة سيدني. ويصبح تعداد الخسائر المحتمل أكبر بكثير عندما نضم أنواع الحيوانات الأخرى.
قالت مانو ساندرس، عالمة بيئة متخصصة في دراسة الحشرات في جامعة إنجلترا الجديد في مدينة آرمدال الأسترالية: "لا نتحدث فقط عن الكوالا، بل نتحدث عن ثدييات وطيور ونباتات وفطريات وحشرات، ولا فقاريات أخرى، وبرمائيات، وبكتيريا، وكائنات دقيقة أساسية لهذه الأنظمة البيئية".
وأشارت مانو إلى أن الحيوانات قد تنجو، لكن عندما يضيع مسكنها "فلا يهم، ستموت على أي حال".
حيوانات نادرة
على الرغم من أن حيوانات الكوالا والكنغر الميتة والمحروقة أصبحت رمزاً للحياة البرية التي تعاني من أسوأ حريق على الإطلاق يضرب أستراليا المعرضة لخطر الحرائق، يشير نشطاء حركة الحفاظ على البيئة إلى أن هذه الفصائل ليست مهددة بخطر الانقراض. في حين أن ما يثير قلق المهتمين بالبيئة هو الحيوانات غير المعتادة التي قد تختفي من قارة بها أعلى معدل انقراض للثدييات بالعالم.
قال كريستوفر ديكمان، أستاذ العلوم البيئية في جامعة سيدني: "انقراض الأنواع التي لا تعيش سوى في هذا المكان تعني بالطبع خسارة لا رجعة فيها". في بداية الأمر قدر ديكمان أن حوالي نصف مليار حيوان سيتأثرون، وبعد ذلك ضاعف الرقم في تصريح حديث. وقال: "بينما من الواضح أن رقم مليار حيوان هو رقم ضخم، من المتوقع أن العدد يشتمل على أمثلة من العديد من الأنواع المهمة للنظام البيئي".
من بين الأنواع الأكثر عرضة: حيوان البوتورو (potoroo) القارض ذو الأقدام الطويلة، وهو من الشقبانيات التي تعيش في الغابة الرطبة التي يقول العلماء إنها قد لا تتعافى من الحرائق، والكوكاتو الأسود اللامع الذي يعيش في جزيرة كانغارو، والذي لا يتغذى على أي شيء سوى بذور أشجار البلوط التي أحرقتها ألسنة اللهب.
حشرات نادرة وهامّة للنظام البيئي
ثم هناك كل الحشرات التي تُعتبر أساس الحياة الطبيعية في أي غابة. إنها تشكل حوالي نصف الكتلة الحيوية لكل الحيوانات، وتعتبر مصدراً رئيسياً للغذاء لأي شيء يتحرك فعلياً. يكسر البق أيضاً المواد العضوية ويساعد في تلقيح النباتات. وداخل الفروع، وتحت الأوراق، وفي باطن جذوع الشجر المفرغة، وفي جيوب الأرض، احترقت عشرات الملايين من الحشرات حية. ربما يختفي بعضها حتى من قبل أن نكتشف وجوده.
قالت كاتجا هوغندورن، وهي باحثة في كلية الزراعة في جامعة أديليد: "يعرف العلم فقط من 20 إلى 30% من الحشرات الموجودة في أستراليا".
يبين نوع واحد من أنواع النحل مدى قتامة المشهد بالنسبة للكثيرين. أدت الحرائق وإزالة الغابات بالفعل إلى انقراض النحل النجار الأخضر من فيكتوريا وأستراليا الجنوبية. وقالت هوغندورن إن الحرائق تهدد الآن وجود هذا النحل على جزيرة كانغارو.
احترقت نباتات بانكسيا التي تتخذها النحلات أعشاشاً. يستغرق الأمر 30 عاماً لتنمو هذه النباتات للحجم ودرجة النعومة الملائمين بالنسبة لبعض لنوع النحل المتطلب هذا. قالت هوغندورن: "من الصعب تقييم الموقف"، مضيفة: "لأنه لا يوجد سبيل للوصول للأماكن المحترقة، لكن على الأغلب هذه الأنواع في موقف شديد الصعوبة".
يهدد أيضاً التغير المناخي، والأنواع المجتاحة من الحيوانات والنباتات، والإفراط في استخدام الكيماويات الزراعية، والتطور البشري وجود الحشرات. قالت تانيا لاتي، عالمة الحشرات بجامعة سيدني: "قد تكون الحرائق القشة التي دفعت بتعداد الحشرات إلى حافة الهاوية".
الحيوانات البرية ليست المخلوقات الوحيدة التي تعاني
يقول مسؤولو الزراعة الفيدراليون إن هناك على الأقل 100 ألف من المواشي ستموت قبل نهاية الحرائق. يقول المزارعون إن مواشيهم تموت فجأة من الحروق. توقفت الأبقار عن إطعام العجول الصغيرة لأن حلماتها بها حروق. اجتمع جيش من الأطباء البيطريين لتقييم حالة المواشي الصامدة. ويفكرون أيضاً في كيفية التخلص من الأموات.
فَقَد ستيفن شيبتون 50 بقرة عندما اجتاحت النيران مزرعته في نيو ساوث ويلز، يوم رأس السنة. يعرف ستيفن لأنه قتل عشرات الحيوانات الجريحة بنفسه. وقال: "لقد فقدنا ثلث قطيعنا". مضيفاً: "وما زالوا يموتون. إنهم يمرضون وأشياء أخرى في هذه المرحلة".
الجوع والأمراض جزء من الأضرار التي تخلفها الحرائق وراءها
ربما ستكافح الحيوانات التي تنجو لتجد غذاءها في أرض يكسوها الرماد، وتخلو من النباتات التي توفر العناصر الغذائية وتشكل مأوى. فبدون أشجار لتتخذها الطيور عشاً، فربما تفشل الطيور في التناسل. وربما تندر الفرائس ومن بينها الحشرات.
أوضحت الدراسات أن اثنين من المفترسات المجتاحة المميتة، وهي القطط والثعالب الحمراء، تنتقل إلى المناطق المحترقة وتذبح الحيوانات التي أصبحت بلا حماية بعد تفحم النباتات. قال إيان ريتشي، الأستاذ المشارك في علوم بيئة الحياة البرية والحفاظ عليها في جامعة ديكن في ملبورن إن الحيوانات التي تواجه التهديد الأعظم هي الفئران الجرابية والحيوانات الصغيرة الأخرى التي تعيش على جزيرة كانغارو والتي تقع "في نطاق الوجبات الخفيفة للقطط والثعالب".
في هذا الأسبوع، استمرت ألسنة اللهب في اجتياح جزيرة كانغارو، حيث عمل نشطاء حركة الحفاظ على البيئة لسنوات لدعم الحيوانات المهددة بالانقراض.
مناطق بأكملها اختفت
قالت دانيلا تيكسيرا، طالبة الدكتوراه بجامعة كوينز لاند التي تدرس الطيور إن جهود حماية أعشاش الكوكاتو الأسود اللامع على الجزيرة من الهجمات المميتة لبوسوم كث الذيل ساعدت على وصول تعداد هذه الفصيلة إلى 400 طائر قبل عام 2018، لكنها ما زالت تعتبر مهددة.
وقالت إن طيور الكوكاتو اللافتة للنظر، بصياحها العالي وأجسامها السوداء المميزة بالريشات الحمراء أو الصفراء، هي المفضلة للسكان المحليين، مضيفة أنه يبدو الآن أن النيران أحرقت ما يصل إلى 6 مناطق من أصل 8 معروفة للأسراب.
وأضافت تيكسيرا: "حتى لو فقدنا ربع هذه الطيور.. قد يعيدنا هذا 10 سنوات إلى الوراء على جانب أعمال الحفاظ على البيئة".
يبدو الموقف أكثر ألماً بالنسبة للجرذان الجرابية. فلم يُعثر عليها سوى 48 مرة منذ اكتشافها في عام 1969، وقالت هوهن إنها كانت تُشاهد فقط في الجيب الغربي من الجزيرة منذ 1990.
بعض الأمل
في الأسبوع الماضي قالت منظمة Kangaroo Island Land for Wildlife التي تعمل مع ملاك الأراضي لحماية الفئران الجرابية إن كاميرات كثيرة من تلك التي يُتحكم بها عن بعد التي تستخدمها المنظمة لمراقبة الجرابيات "انصهرت" من الحرائق. لكن في يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني قالت الجمعية إن هناك القليل من الصور التُقطت للناجين، مما منح بعض الأمل لهذه الأنواع.
قالت هوهن والخبراء إنه بعد انتهاء الحرائق يجب أن ينصب الاهتمام نحو مساعدة الحيوانات التي نجت. وهذا يعني إبعاد المفترسات المجتاحة وربما التخفيف من قيود التناسل المحكوم لبعض الأنواع. وقالوا إن إعادة زرع الأشجار والنباتات الأخرى ستكون أمراً أساسياً.
وقال البعض سوف يتطلب الأمر أيضاً إجراءات حكومية أكثر جرأة بشأن التغير المناخي.
قال ديكمان: "هناك شعور بين المجتمع العلمي هنا أن أعين العالم متجهة نحو أستراليا. رآها البعض على أنها إنذار مبكر بالخطر القادم من التغير المناخي. كان من المتوقع أن تظهر أعراض التغير المناخي أولاً وبوضوح في أستراليا، لأنها بالفعل قارة جافة"، مضيفاً: "هناك شعور بمسؤولية أكبر بطريقة أو بأخرى".
وقالت هوهن إن المسؤولية يجب أن تمتد لتشمل الفئران الجرابية حتى لو لم تكن رمزاً وطنياً.
وقالت: "التنوع الحيوي هو جزء مما يجعل كوكب الأرض كوكب الأرض. إنه تراثنا وثرواتنا"، مضيفة: "ربما يكون عدد هذه الحيوانات رقماً آخر نضيفه لقائمة من الأنواع التي ستنقرض. لكن هذا الرقم مهم".