جاء الرد على مقتل قاسم سليماني من خلال إطلاق صواريخ باليستية من الداخل الإيراني استهدفت قاعدتين عسكريتين عراقيتين تستضيفان قوات أمريكية، وغرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقول: "كل شيء على ما يرام"، فهل يمكن القول إن الطرفين قد وجدا "مخرجاً آمناً" من دورة التصعيد الحالية؟
ماذا حدث؟
فجر اليوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني، أطلقت إيران صواريخ استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية العراقية التي تستضيف قوات أمريكية، كما تم إطلاق صاروخين نحو أربيل بكردستان العراق سقط أحدهما قرب المطار.
وأعلن التلفزيون الإيراني أن الهجمات الصاروخية أوقعت "80 إرهابياً" أمريكياً، بينما تحدث الجانب الأمريكي عن عدم سقوط ضحايا أو إصابات بين قواته نتيجة الهجوم.
كيف استقبل ترامب الهجوم الإيراني؟
كتب ترامب على تويتر تغريدة قال فيها: "كل شيء على ما يرام! أُطلقت صواريخ من إيران على قاعدتين عسكريتين في العراق. يجري حالياً تقييم الإصابات والأضرار. حتى الآن، كل شيء على ما يرام!".
ومن المتوقع أن يلقي ترامب بياناً أكثر تفصيلاً بشأن الوضع مع إيران اليوم الأربعاء.
هل كانت واشنطن تتوقع الهجوم؟
رد الفعل الهادئ من ترامب سبقه تصريحات لافتة لوزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر قال فيها إنه على الولايات المتحدة أن تتوقع انتقاماً من إيران بسبب مقتل سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري خلال هجوم في العراق.
وأضاف في إفادة بمقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): "أعتقد أنه يتعين علينا توقع أنهم سيردون بطريقة أو بأخرى"، مشيراً إلى أن هذا الرد ربما يكون من خلال وكلاء لإيران في الخارج أو "بأيدي (الإيرانيين) أنفسهم"، وتابع قائلاً: "مستعدون لأي طارئ، وسيكون ردّنا متناسباً مع أي فعل يقدمون عليه".
هل كانت أمريكا على علم بإطلاق الصواريخ؟
الصواريخ الإيرانية أصابت أجزاء من قاعدة عين الأسد لا توجد بها قوات أمريكية، بحسب مسؤول أمريكي رفيع المستوى تحدث لسي إن إن، بينما قال مسؤول آخر إن الجيش الأمريكي "كان لديه الوقت الكافي كي يطلق صفارات الإنذار في القاعدة وإن العسكريين الأمريكيين توجهوا إلى مخابئ آمنة قبل أن تضرب الصواريخ".
وبعد دقائق من الضربات الصاروخية، قامت طائرات حربية أمريكية بالتحليق بكثافة فوق قاعدة عين الأسد وفي محيطها، كما تم تسيير دوريات مشتركة من العراقيين والأمريكيين في محيط القاعدة، ما يعني أنه لم يكن هناك قلق من أن تكون الضربات الصاروخية بداية لعمل أكثر عدوانية.
كيف جاءت التصريحات الإيرانية؟
الحرس الثوري الإيراني أصدر أكثر من بيان عبر التلفزيون الرسمي وصف فيه الضربات الصاروخية بأنها "انتقام عنيف" لمقتل سليماني، ووجه تهديدات للجانب الأمريكي أنه في حالة الرد على تلك الضربات فإن الحرس الثوري سيشعل النار في الوجود الأمريكي في المنطقة، كما هدد دول المنطقة التي تستضيف قوات وقواعد أمريكية بأنها ستكون هدفاً للانتقام.
وفي صباح اليوم، تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي للشعب الإيراني واصفاً الضربات الصاروخية بأنها "ناجحة"، وذكر الشعب بأن "يعرفوا جيداً من هو العدو" في إشارة للولايات المتحدة، كما أكد صعوبة الظروف الحالية وكيف أن ذلك يحتم على الإيرانيين أن يتصرفوا بحكمة.
وزير الخارجية محمد جواد ظريف وصف الهجوم بأنه دفاع عن النفس بموجب القوانين الدولية، مضيفاً أن "طهران لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب، كان علينا الرد على مقتل سليماني، وهذا هو الرد وانتهى كل شيء"!
هل هذا هو السيناريو المثالي للطرفين؟
تلخيص الموقف الآن كالتالي: كان لابد وأن تنتقم إيران لمقتل سليماني، لكن دون أن يؤدي الانتقام لوقوع قتلى بين صفوف القوات الأمريكية أو أضرار كبيرة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا المعنى كان متضمناً في التصريحات والتهديدات المتبادلة بين الطرفين طوال الأيام الماضية.
الآن وبعد أن انطلقت الصواريخ من الداخل الإيراني وأصابت أهدافها دون أن توقع قتلى أو إصابات بين صفوف القوات الأمريكية والتدمير الجزئي الذي أصاب قاعدة عين الأسد يظل في إطار "قاعدة عراقية"، وفي هذا السياق تأتي تغريدة ترامب "كل شيء على ما يرام!".
هذا السيناريو يجعل ترامب يصور نفسه داخلياً على أنه الرئيس الذي اتخذ قرار قتل سليماني -القائد العسكري المسؤول عن تعريض الأمريكيين للخطر منذ عام 2003 وحتى مقتله- دون أن يدفع أمريكي واحد حياته ثمناً لذلك القرار الذي أحجم عن اتخاذه بيل كلينتون وباراك أوباما.
ومن ناحية الإيرانيين، المرشد وصف الضربة بالناجحة، وظريف قال: "كل شيء انتهى"، والمتحدث باسم الحكومة الإيرانية قال إن "الثأر سيجمع الشعب الإيراني"، إذن حان الوقت للحديث عن العقوبات وكيفية تخفيفها والتفاوض من أجل التوصل لاتفاق جديد.
سواء كان ذلك سيحدث أم لا ستكشف عنه الأيام والأسابيع المقبلة، لكن المؤكد الآن أن تلك الحلقة المتأزمة في الصراع بين الجانبين قد انتهت وأصبح مقتل سليماني وتبعاته تمهيداً لجولة أخرى من الشد والجذب بين الولايات المتحدة وإيران، بعد أن بدا أن مقتله سيكون سبباً في إشعال فتيل الحرب في ظل التصعيد "الكلامي" بين الطرفين.