الاضطرابات لا تغيب أبداً عن جنوب آسيا، بين حدودٍ متنازعٍ عليها، ونقصٍ حاد في الموارد، وتهديدات تمتد من عنف المتطرفين إلى الزلازل والكوارث الطبيعية. ومع ذلك، فإن عام 2019، شهد بروز أزمتين عن غيرهما: حرب تشتد ضراوة في أفغانستان، وتوترات عميقة بين الهند وباكستان. وبقدر الجدية والخطورة التي اتسمت بها الأزمتان في عام 2019، فإن العام الجديد يحمل توقعات بازدياد الأمر سوءاً، كما يقول الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية بـ "مركز وودرو ويلسون" الأمريكي مايكل كوغلمان في مقال بمجلة Foreign Policy الأمريكية.
كان عام 2019 عاماً متوتراً على نحو خطير فيما يتعلق بالهند وباكستان، وهما دولتان خصمان يجاوران بعضهما، وكلاهما دولة نووية. في فبراير/شباط 2019، نفّذ شاب كشميري تفجيراً انتحارياً في بلدة بولواما، أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين من قوات الأمن الهندية، وهو أحد أكثر الهجمات دمويةً في كشمير منذ ثلاثة عقود. ثم أعلنت جماعة جيش محمد، وهي جماعة جهادية تتخذ من باكستان مقراً لها ولديها علاقات وثيقة مع المؤسسة الأمنية الباكستانية مسؤوليتها عن العملية.
ردّت الهند على ذلك بإرسال طائرات عبرت فوق المناطق الخاضعة للإدارة الباكستانية من كشمير، وشنِّ ضربات محدودة، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب بين البلدين في عام 1971. بعد ذلك بوقت قصير، قالت باكستان إنها كانت قد نفّذت ست غارات جوية في كشمير لإظهار قوتها، وأنها أيضاً أسقطت مقاتلة هندية وأسرت قائدها. وتُعدُّ المواجهة، التي تراجعت حدتها عندما أعلنت إسلام آباد إطلاق سراح الطيّار بعد عدة أيام، أخطر تبادلٍ للأعمال العدائية بين البلدين منذ سنوات.
التصعيد في كشمير
في أغسطس/آب، أعلنت الهند إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لإقليم جامو وكشمير، في الجزء الذي تديره الهند من كشمير، وأعلنت أنها منطقة جديدة تابعة للهند. كما فرضت نيودلهي حظراً أمنياً في كشمير شمل احتجاز مئات الأشخاص وقطع الاتصالات عنها بالكامل. أما إسلام آباد التي ترى أن جامو وكشمير مناطق تابعة لها، فقد كانت هذه الخطوة بمثابة استفزاز صريح، إن لم يكن عملاً عدائياً ضدها. وردّت باكستان بطرد مبعوث الهند من إسلام آباد وتعليق التجارة مع نيودلهي. إلا أن ذلك لم يردع المسؤولين الهنود، ومنهم وزراء الدفاع والخارجية، عن الحديث خلال الأسابيع التي تلت ذلك عن المنطقة الخاضعة لإدارة باكستان من كشمير، والتلميح إلى أنهم يخططون في النهاية لاستعادتها.
ظلت العلاقات الثنائية بين البلدين محفوفةً بالمخاطر خلال الأشهر القليلة الماضية من عام 2019. فقد أخذت إسلام آباد توجه انتقادات مستمرة ضد نيودلهي لمتابعتها فرضَ حظرٍ أمني شامل على كشمير. وبحلول نهاية العام، كان التعتيم وقطع شبكة الإنترنت عن الإقليم لا يزال سارياً. ثم في ديسمبر/كانون الأول، أقرّ البرلمان الهندي تعديلاً جديداً مثيراً للجدل لقانون الجنسية الهندية، إذ يمنح مسارات سريعة تتيح حصول الأقليات الدينية الهاربة من الاضطهاد من دول مثل أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، على الجنسية الهندية، لكنه في الوقت نفسه يستثني المسلمين من تلك الأقليات. وقد أثار القانون الجديد غضب إسلام آباد ليس فقط لاستبعاده المسلمين، وإنما بسبب تضمينه –الدقيق، على الرغم من أنه شيء لا تحبّذ باكستان الاعتراف به- بأن باكستان تضطهد مجتمعاتها الهندوسية والمسيحية.
خبايا التصعيد
كثيراً ما أخفت هذه التوترات وراءها ما يمكن القول إنه القصة الأكبر في كلا البلدين في عام 2019: المعاناة الاقتصادية. إذ تواجه الهند أكبر تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي تشهده البلاد منذ ست سنوات، وفي الوقت نفسه تتعرض باكستان لأزمة ديون خطيرة. ولم يكن ذلك بعيداً عن الأوضاع الحالية في البلدين، إذ بالنظر إلى عجز نيودلهي وإسلام آباد عن إصلاح اقتصاديهما، يذهب البعض إلى أن الحكومتين سعتا إلى الحصول مزايا سياسية، من خلال الإلهاء بخطر الحرب.
يأتي على النقيض من هذه الخلفية المتوترة افتتاح ممرٍّ حدودي جديد يُمكّن السيخ الهنود من الدخول إلى باكستان بدون تأشيرة لزيارة ضريح مقدس تابع لهم، والذي كان ليصبح في وقت أفضل جسراً لتحسين العلاقات، وليس مجرد لفتة إنسانية معزولة.
وعلى ما تشهده هذه الأزمة من سوءٍ الآن، فإنها مرشحة لأن تزداد سوءاً خلال العام الجديد، بحسب كاتب المقال.
أما بخصوص الأخبار الجيدة للأمريكيين فهي أن اتفاقاً بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ليس ببعيد على الأرجح، إذ كلا الجانبين يبذل قصارى جهده لإتمام انسحاب القوات. وترامب، من ناحيته، ستكتسب مغادرة القوات قيمةً أكبر بالنسبة إليه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لاسيما بعد نشر صحيفة The Washington Post الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول "وثائق أفغانستان" -وهي وثائق تبرز اعتراف عددٍ من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بفشل الحرب الأمريكية في أفغانستان- ومن المرجح أن تعزز تلك الوثائق من تأييد الرأي العام في الولايات المتحدة لتخفيض أمريكا التدريجي من انخراطها في تلك الحرب التي استمرت 18 عاماً.
ومع ذلك، فإن أي صفقة بين الولايات المتحدة وطالبان لن تفضي إلى الكثير فيما يتعلق بتقليل حدة العنف، سوى وقف الهجمات على القوات الأمريكية. بعبارة أخرى، فإن الحرب ستستمر هناك.
وقد يمهد الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان الطريقَ لحوار أفغاني بين الحكومة الأفغانية، وجهات سياسية أخرى، بالإضافة إلى طالبان بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتسوية سياسية تنهي الحرب في نهاية المطاف.
عقبات أمام الاتفاق
لكن الطريق إلى الحوار الأفغاني الداخلي يعجُّ بالعقبات. وقد أجرت أفغانستان انتخابات رئاسية في سبتمبر/أيلول، وأظهرت النتائج الأولية –التي صدرت في ديسمبر- حلول الرئيس أشرف غني في المقدمة، ولكنه بالكاد حصل على 50 % من الأصوات اللازمة لتجنب جولة ثانية من التصويت مع صاحب المركز الثاني، منافسه اللدود عبدالله عبدالله (الذي رفض الاعتراف بالنتائج). ومن ثمَّ يشي الهامش البسيط بين المرشحين بأن الخاسر أياً كان لن يقبل النتائج النهائية عند إعلانها.
هذا يعني أنه من المستبعد أن يكون لأفغانستان حكومة جديدة قائمة، على الأقل لبضعة أشهر أخرى، أو حتى لفترة أطول إذا اختلفت النتائج النهائية عن الأولية واحتاج الحسم إلى جولة تصويت ثانية. وبالنظر إلى صعوبة الطقس الشتوي في أفغانستان، فإن جولة الإعادة على الأغلب لن تُجرى سوى بحلول فصل الربيع. وبدون استقرار حكومة جديدة في مكانها، يصعب تصور أن يمكن لأفغانستان إطلاق عملية حوار داخلي بين الأفغانيين، ناهيك عن التفاوض لإنهاء الحرب بينهم. وحتى في حال انطلاق حوار بين الأفغان، والمضي فيه، فسيكون الأمر الأصعب هو إقناع حركة طالبان بإلقاء السلاح والموافقة على تقاسم السلطة ضمن نظامٍ سياسي لطالما رفضته وتعهدت بإزاحته بالقوة.
ومن ثمَّ، من المحتمل أن تشهد أفغانستان في عام 2020 انسحاباً للقوات الأمريكية قبل إبرام اتفاق سلام داخلي، وهي نتيجة مخيبة لآمال القوات الأفغانية التي تعاني بالفعل، ومن شأنها أن تدفع طالبان دفعةً أخرى إلى الأمام، وتُزيد من حدة العنف، بحسب المقال.
أسباب التوتر قائمة
في الوقت نفسه، لا تزال التوترات الكامنة بين الهند وباكستان حامية. وعلى الرغم من أن باكستان ألقت القبض على عشرات من المتشددين الإسلاميين خلال العام الماضي، فإن الحكومة الهندية لم تقتنع كثيراً بأن إسلام آباد عازمة على اتخاذ خطوات قوية "لا رجعة عنها" ضد المجموعات الجهادية التي تتركز عملياتها على الهند، والشبكات التابعة لها. ويمثل السلوك الجديد للهند فيما يتعلق بكشمير وتصرفاتها هناك في عام 2019 أسوأ السيناريوهات لإسلام آباد.
تدخل الدولتان النوويتان عام 2020 ولا يحتاج الأمر سوى إلى حدثٍ محفّزٍ كبير لكي تشتعل الحرب بينهما. قد يكون ذلك الحدث هجوماً آخر يُفضي إلى عدد كبير من الإصابات بين قوات الأمن الهندية في كشمير على يد جماعةٍ يمكن تتبعها إلى باكستان، أو –بناءً على التهديدات التي صرّحت بها الهند مراراً في عام 2019- عملية استباقية هندية للاستيلاء على أراضٍ في مناطق كشمير الخاضعة لإدارة باكستان.
في كلتا الحالتين، سيكون التصعيد سريعاً. فالعلاقات بين البلدين أسوأ بكثير مما كانت عليه في فبراير/شباط الماضي. ومنذ إعادة انتخابه المدوي في الربيع الماضي، تابع الحزب الحاكم في الهند تنفيذ أجندته القومية الهندوسية المتطرفة على نحوٍ يزداد عدوانية، وهو ما لا يبعث على وجود أي نية للامتثال للعقل حيال إسلام آباد. وباكستان، في الوقت نفسه، لا ترغب في أن تبدو ضعيفة، ومن ثم فهي لن تستسلم متقبلةً الأمر الواقع بسهولة.
إنَّ الدقائق المؤذنة بالكارثة التي ستحل علينا في حال اشتعلت الحرب القادمة بين الهند وباكستان في لحظاتها الأخيرة، توشك أن تنفد. وقد يسهم التدخل الدبلوماسي من واشنطن وأطراف ثالثة أخرى، وعقول أكثر برودة وحكمة من كلا الجانبين، في إيقاف عداد الدقائق من المضي قدماً نحو الحرب. ومع ذلك فإنه يبدو من الصعوبة بمكانٍ حتى الآن تبيّن مسارٍ يُفضي إلى حل لتلك التوترات شديدة التعقيد، أو إلى إنهاء الصراع الذي لا ينتهي في أفغانستان.