دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة التونسية مساراً جديداً بإعلان رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي عزمه تشكيل حكومة كفاءات مستقلة عن كل الأحزاب، بعد انسحاب ثلاثة أحزاب من المشاورات، هي التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وحزب تحيا تونس.
ويعني هذا المسار أن الجملي الذي كلفته حركة النهضة بتشكيل الحكومة سيكون مضطراً للدخول في مسار مثير للجدل، وهو التفاوض مع حزب قلب تونس، الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي، الذي كان مسجوناً على ذمة قضايا فساد، إضافة إلى تركيز حملته الانتخابية على معاداته للنهضة.
فشل وساطة الرئيس
إعلان رئيس الحكومة المكلف عن خطته الجديدة لتشكيل حكومته يأتي بعد محاولة وساطة فاشلة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، بعد دعوة وجهها للحبيب الجملي ورؤساء الأحزاب الأربعة لتقريب وجهات النظر، وتجاوز الخلافات بشأن تشكيل الحكومة.
ضم الاجتماع النهضة (إسلامي) والتيار الديمقراطي (يسار وسط ) وحركة الشعب (ناصريون) وتحيا تونس (حزب علماني يقوده رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد).
الاجتماع الذي لم يدم أكثر من 15 دقيقة انتهى بإعلان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رفضه أي وساطة، وتأكيده أنه لا يمكن العودة إلى الوراء والجلوس مجدداً إلى أحزاب رفضت المشاركة في الحكومة رغم التنازلات المقدمة لصالحها.
يسار الوسط يلوم النهضة.. لسنا مجرد ديكور
من جهته، قال القيادي في حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي لـ "عربي بوست" إن انهيار المشاورات بشأن تشكيل الحكومة كان متوقعاً بالعودة إلى أزمة الثقة الموجودة لدى أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس في حركة النهضة ووعودها.
وأشار إلى أنه وعلى الرغم من تعهد رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بمنح 3 حقائب وزارية للتيار الديمقراطي، فإن تمسكه بـ10 حقائب وزارية وتكتمه على الأسماء التي سيتم تعيينها على رأس وزارات ذات طابع اقتصادي وسياسي يؤكد أنه لا يتعامل مع حلفائه في تشكيل الحكومة على أنهم شركاء في الحكم، بل مجرد ديكور، وفق تعبيره.
وقال الشواشي: "مستوى الكفاءة والمسيرة السياسية لرئيس الحكومة المكلف عوامل تجعلنا نشك في قدرة الأسماء التي سيعينها على رأس وزارات حساسة على إجراء إصلاحات واتخاذ قرارات صارمة وموجعة خلال الفترة المقبلة".
وأضاف: "رئيس الحكومة المكلف كان يجهز مع النهضة لخطة بديلة لتشكيل الحكومة في حال فشل المفاوضات مع حركة الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، وهو ما نعتبره عدم جدية وتحايلاً سياسياً".
وتابع القيادي في حزب التيار الديمقراطي أن رئيس الحكومة المكلف لم يقدم طيلة المشاورات أي برنامج عمل حكومي أو أهداف أو إصلاحات تسعى حكومته لتنفيذها، وهو ما يعد وفق تعبيره مؤشراً جدياً على أن الجملي لا يملك برنامجاً لتنفيذه، وبأنه يسعى فقط لتقسيم الحقائب الوزارية، بما يحفظ مصالح الحزب الذي عينه (حركة النهضة).
حركة الشعب الناصرية ترفض منح المستقلين 10 مقاعد
وعن أسباب فشل المشاورات، يؤكد عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات أنه ورغم جدية الحركة في التفاوض ودخول المشاورات ومطالبتها ببرنامج عمل حكومي يضمن الدور الاجتماعي للدولة والحفاظ على المؤسسات العمومية واستقلالية البنك المركزي ومراجعة الاتفاقيات المضرة بالاقتصاد التونسي، فإن رئيس الحكومة المكلف صم أذنيه عن هذه المطالب، وحاول حصر المشاورات حول الحقائب الوزارية فقط.
وأضاف عويدات: "طالبنا بأن تكون حكومة سياسية يتحمل مسؤوليتها أحزاب، في حين ذهب رئيس الحكومة المكلف إلى تخصيص عشر حقائب للمستقلين، وخصص لهم الحقائب ذات الصلة بالاقتصاد والشأن الاجتماعي، وهو ما يجعل الأداء الحكومي متنافياً تماماً مع برامج الأحزاب المشاركة في الحكومة".
وأوضح عويدات أن "هذا العرض في مجمله اعتبره المجلس الوطني لحركة الشعب غير جدي، ولا يمكن حركة الشعب من مشاركة إيجابية في الحكومة، ولا يسمح بتحقيق طموحات التونسيين وتطلعاتهم، لذلك قررنا رفض المشاركة في الحكومة".
من جانبها حمّلت النهضة الأحزاب اليسارية مسؤولية فشل جهود تشكيل الحكومة الائتلافية.
والنهضة تقول إنها لبّت معظم المطالب
في المقابل، قال القيادي في حركة "النهضة" نور الدين العرباوي، في مؤتمر صحفي عقد بمقر الحركة في العاصمة، إن "(النهضة) حرصت على احترام القاعدة النيابية والسياسية، ولكن تمت إضاعة الكثير من الوقت، وهذا الأمر لا مبرر له"، مضيفاً أن "رئيس الحكومة منح (التيار الديمقراطي) الطلبات التي طلبها، بعضها مبرر والآخر لا، ولكن حتى الدعوة إلى انعقاد مجلس وطني لم تتم، واتخذ (تحيا تونس) نفس موقف (التيار) و(الشعب)، وتتحمل هذه الأحزاب مسؤولية الوقت الذي ضاع، حيث طلبت هذه الأحزاب التمديد لشهر".
وقال العرباوي إن"(التيار) أعلن، ومنذ البداية، ضرورة منحه وزارتي العدل والداخلية ووزارة الإصلاح الإداري"، مشيراً إلى أن "(النهضة) تمسكت منذ البداية بضرورة تحييد الداخلية، وأن تكون على رأسها شخصية مستقلة".
حكومة النهضة + قلب تونس
فشل الخطة "أ" كما أطلق عليها الحبيب الجملي دفعه لإعلان تنفيذ الخطة "ب" التي تتضمن أن يكون حزب قلب تونس حليفاً لحركة النهضة، وهو خيار سبق أن قالت النهضة إنها ستتجنبه.
ولكن يبدو أن النهضة تهدف إلى الحصول على تأييد ودعم قلب تونس وعدد من الكتل المحسوبة على الدولة العميقة وكتلة إسلامية محافظة لتشكيل حكومة كفاءات وليست حكومة أحزاب.
وفي هذا السياق يقول القيادي في حركة النهضة عماد الحمامي: "نحن لا نطعن في النوايا الصادقة للأحزاب المنسحبة من المشاورات، لكن تونس لا تتوقف على هذا الحزب أو ذاك، لذلك ستواصل حركة النهضة التنسيق والمشاورات لتشكيل حكومة تضم كفاءات وطنية".
وأضاف أن المشاورات المقبلة ستشمل كتلة الإصلاح الوطني (كتلة تضم حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل قايد السبسي) وكتلة المستقبل وكتلة الائتلاف الكرامة (كتلة إسلامية أكثر تحفظاً من النهضة) وقلب تونس".
انتصار لقلب تونس
وفي سياق متصل، أكد النائب عن كتلة قلب تونس في البرلمان فؤاد ثامر لـ "عربي بوست" أن "إعلان الحبيب الجملي تشكيل حكومة كفاءات هو انتصار لقلب تونس وخياره الذي دافع عنه منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية".
وأضاف أن هذه الحكومة ستغلب مصلحة الوطن على منطق المحاصصات الحزبية، وأنها ستمر في البرلمان وبأغلبية مريحة من المنتظر أن تصل إلى 142 صوتاً من بينها أصوات نواب قلب تونس .
تجدر الإشارة إلى أن حركة النهضة دعت أنصارها إلى التصويت للرئيس التونسي قيس سعيد في الجولة الثانية للانتخابات في مواجهة رئيس قلب تونس نبيل القروي.
ستمر الحكومة.. ولكن هكذا ستعاني
وحول إمكانية تشكيل الحكومة ونيلها ثقة البرلمان، يرى المحلل السياسي علي القاسمي أنه من الواضح أن حركة النهضة وحزب قلب تونس قد أصبحا في انسجام تام في اتجاه التصويت على حكومة كفاءات وطنية التي أعلن عنها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي.
وقال إنه يتوقع أن يصوت لهذه الحكومة في حال طرحها في البرلمان كل من حركة النهضة، 54 صوتاً، وقلب تونس، 38 صوتاً، بالإضافة إلى كتلة الإصلاح، 15 صوتاً.
كما توقع أن تنال الحكومة الثقة في البرلمان في حال عرضها للتصويت، لكنه أوضح أن ما قد يعوق عملية تشكيلها سريعاً هو الأسماء التي سيطرحها الجملي وإمكانية حصولها على الإجماع المطلوب.
وفي سياق متصل، أكد القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن الوضع أصبح بمثابة أغلبية معارضة وأقلية حكومية.
وأضاف أنه وحتى في حال نيل الحكومة للثقة في البرلمان فإنها ستفشل في تمرير القوانين، وهو ما سيعطل عملها، ويجعلها في النهاية مكبلة وقابلة للسقوط في أول الاختبارات الحقيقية التي ستواجهها، حسب قوله.