تحويل السيارة للعمل بالغاز كان الخيار الوحيد أمامي.
هكذا قال الرجل الخمسيني شارحاً لماذا تقبل شريحة من المصريين على تحويل السيارات للعمل بالغاز.
فأحمد علي، الذي يعيل أسرته بالعمل مع شركة أوبر للنقل لم يجد بديلاً عن تحويل عمل محرك سيارته من البنزين إلى الغاز، لتوفير جانب من تكاليف تشغيل سيارته، التي زادت بوضوح بعد الارتفاعات المتتالية في أسعار البنزين وتكاليف المعيشة دون أن تواكبها زيادة مماثلة في سعر تعريفة الركوب لزبائن أوبر.
يوضح الرجل أنه خرج للمعاش المبكر بعد الخسائر المتتالية لشركة النسيج التي كان يعمل بها مديراً لإدارة المشتريات، وتبدل حالته المادية للأسوأ بعد تصفية الشركة، فقام بشراء سيارة ماركة BYD، صينية الصنع، بمكافأة نهاية الخدمة لكي يعمل عليها، لكنه لم يستطع مجاراة الزيادات المتتالية في أسعار البنزين، وكانت نفقاته عليها أكثر من الدخل الذي تدرّه.
لا يختلف حال المدير السابق عن نظرائه الذين يعانون من الظروف المعيشية الصعبة، لذلك قرّر بعضهم تحويل سياراتهم للعمل بنظام الغاز كبديل أرخص في التشغيل.
لكن ما فعله أحمد علي ليس جديداً، حيث لجأ قبله آلاف من سائقي وملاك سيارات الأجرة "التاكسي" إلى تعديل محركات سياراتهم إلى نظام الغاز لخفض التكاليف المرتفعة لأسعار الوقود، سواء البنزين أو السولار.
لماذا أصبح الروتين الحكومي فجأة رحيماً بالمواطنين؟
ويوضح أحمد أن سيارته عند تحويلها للنظام المزدوج (غاز وبنزين) لم تخضع لتعديلات في نظامها الأساسي، وتم فحصها بواسطة فني متخصص للتأكد من حالة الموتور.
وواصل حديثه شارحاً أنه تم تركيب بعض القطع البسيطة لسيارته، منها محبس، منظم، جهاز الحقن، عداد ضغط الغاز، خط ضغط الغاز العالي، مجموعة تصريف وتسريب الغاز، أسطوانة الغاز، محبس الأسطوانة، قاعدة لتثبيت الأسطوانة، مفتاح تحويل الوقود من البنزين أو السولار للغاز، ومحبس غلق وقود البنزين.
المفارقة أن الروتين الحكومي الذي ينهك المواطنين ويجعلهم يلفون "كعب داير" على المكاتب بالأيام والشهور من أجل استخراج أو تخليص بضعة أوراق، لم يقف حائلاً أمام تحويل السيارات للغاز، فهناك تيسيرات شديدة في إجراءات التعاقد.
فكل المطلوب من الراغب في تحويل سيارته للغاز فقط إيصال حديث "كهرباء- غاز- مياه"، وصورتان لرخصة السيارة تكون سارية مدة لا تقل عن شهر، إضافة إلى استمارة فحص من مركز التحويل مجاناً، وضامن من الدرجة الأولى (صورة بطاقته)، وهناك نظم عديدة للتقسيط مع شهادة ضمان لمدة عام ضد عيوب التصنيع والتركيب.
خطة طموحة للاعتماد على الغاز.. فما دوافعها؟
اتَّجهت الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة نحو تطبيق خطة للتوسع في استخدام الغاز الطبيعي كبديل للمحروقات الأخرى، وحدَّدت هدفين رئيسيين على مدار السنوات الثلاث المقبلة، بالتوازي مع برنامج لإخراج المركبات المتهالكة من الخدمة، وهما توفير نحو 10 مليارات جنيه سنوياً ( 660 مليون دولار) يمكن تحقيقها عبر التوقف عن استيراد بنزين 80، والاعتماد على الغاز الطبيعي، فضلاً عن تطلعها إلى الحد من تلوث الهواء الذي يخنق القاهرة وسائر المحافظات المصرية، نتيجة عوادم المحروقات.
لكن هناك مَن يلمح إلى أن الهدف الخفي من التوجه الحكومي الجديد لدفع أصحاب السيارات لتحويلها إلى الغاز هو دخول شركات جديدة نشاط تحويل المركبات للعمل بالوقود المزدوج، بعضها ربما له علاقة بالأجهزة السيادية، وهي شائعات منتشرة على نطاق محدود في الشارع المصري، وتتغذى على قناعة شائعة بهيمنة الأجهزة السيادية على النشاط الاقتصادي في مصر في السنوات الأخيرة.
وبصرف النظر عن هذه المخاوف فإن سعي الحكومة لتوسيع نطاق السيارات التي تعمل بالغاز هو أمر قديم، وبدأ قبل تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة.
دعم حكومي
وتعمل الشركات التي تقوم بتحويل السيارات للغاز على جذب المزيد من العملاء، مدعومة من التوجه الحكومي لمبادرات تحويل السيارات من البنزين إلى الغاز، مثل دعم أسعار طاقم التحويل الذي يجري تركيبه في السيارات، والتقسيط بفائدة ميسرة على فترة سداد طويلة من خلال جهاز تنمية المشروعات.
وكان هذا النشاط حتى وقت قريب تهيمن عليه شركتان تملكهما وزارة البترول في مصر، وهما "غازتك" وشركة الغاز الطبيعي للسيارات "كار جاس".
ولكن انتشرت في الشهور الماضية إعلانات لإقناع المواطنين بتحويل نظام مركباتهم إلى العمل بالغاز، وعبر توفير شروط مالية ميسرة.
وقام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بتوضيح مميزات تشغيل السيارات بالغاز من خلال منشورات إرشادية توضح نسب توفير التكلفة، مقارنة بالبنزين، وتصل إلى أكثر من 50%.
مشكلة الغاز الأولى.. الزحام
الوصول لإحدى محطات الوقود التي تعمل بنظام الغاز ليس بالأمر اليسير، فهي قليلة جداً مقارنة بمثيلاتها التي تضخ البنزين، وفي واحدة منها على طريق ترعة الإسماعيلية بالقاهرة يصطفّ أسطول من مركبات الأجرة، وينتظر السائق ما يقارب الساعة لتزويد مركبته بالغاز.
وبالرغم من طول الانتظار وتذمر الركاب فإن شعبان السيد -يعمل سائقاً على سيارة ميكروباص- يشير إلى اضطراره للانتظار، فالبديل هو الذهاب إلى محطة بنزين أخرى يصل إليها في غضون ساعة، وستكون أيضاً مزدحمة، نظراً لقلة محطات الغاز، فضلاً عن أنه لا يمتلك الغاز الكافي لقطع تلك المسافة.
يؤكد السائق أن الغاز الطبيعي أكثر توفيراً مقارنة بالسولار الذي يرتفع سعره كل فترة، وهو ما يجبره على رفع الأجرة، ويتسبب ذلك في مشادات كثيرة مع الركاب حتى يعتادوا عليها.
لماذا يقتصر الإقبال على السيارات الأجرة والأوبر، وماذا عن الأمان؟
التحويل للغاز يلجأ إليه أصحاب السيارات الأجرة غالباً، وكذا السيارات كثيفة الاستخدام، لأسباب اقتصادية.
أما السيارات الملاكي فهي نادراً ما يتم تحويلها للغاز بسبب رغبة أصحابها في الاحتفاظ بمساحة التخزين بشنطة السيارة، التي تُلغى كلياً إن وضعت أنبوب غاز بداخلها، بالإضافة إلى أن وزنها ثقيل يصل إلى ١٠٠ كيلو، ما ينتج عنه تضرر "عفشة" السيارة (نظام التعليق).
يشرح سامي إسكندر، وهو فني متخصص في تحويل المركبات لنظام الوقود المزدوج بمحطة الغاز أن الإقبال زاد لتحويل السيارات للعمل بالغاز، نظراً لارتفاع أسعار البنزين والسولار، وزيادة نسبة الفقر بالمجتمع المصري.
ويقول إن الغاز الطبيعى أكثر أماناً، لأنه خفيف الوزن، وإذا حدث له تسرب فإنه يتطاير إلى أعلى دون أن يشتعل، ويسبب حرائق، حسب قوله.
تستغرق عملية التحويل 5 ساعات تقريباً لتركيب أسطوانة الغاز، وهناك عوامل أمان بها، فهي مصنوعة من الصلب من دون لحامات، ومطابقة لمواصفات ISO، ويتم تثبيتها في شنطة السيارة بـ (بارات) وأحزمة مصنوعة من الحديد، فضلاً عن أن خطَّ الغاز الواصل بين الأسطوانة وموتور السيارة من الصلب الكربوني ومعزول بطبقة من البلاستيك.
وهذه هي تكلفة تحويل السيارة للغاز
وتتفاوت التكلفة طبقاً لنوع طاقم التحويل وعدد الأسطوانات التي سيتم تركيبها في السيارة، وتتراوح بين 5000 جنيه (312 دولاراً تقريباً) للسيارات الكربراتير، وحوالي 8000 لسيارات الحقن الإلكتروني.
تلك المبالغ لا تمثل التكلفة الفعلية لعملية التحويل، حيث تتحمل وزارة البترول أضعاف تلك المبالغ بهدف تشجيع المواطنين للإقبال على الغاز.
يقطع الفني كلامه موجهاً حديثه لسائق جاء ليستفسر عن النظام، موضحاً له أن هناك إمكانية تركيب أسطوانة مصنوعة من الفايبرجلاس الأخف وزناً.
ويستكمل الفني حديثه مع "عربي بوست" قائلاً إن صاحب السيارة في حال اعتمد على الغاز الطَّبيعي يستطيع أن يوفر حوالي 450 جنيهاً شهرياً (٢٨ دولاراً)، تمثل الفرق مع سعر البنزين وسعر الغاز (بالنسبة للسيارات ذات الاستهلاك العادي وليست العاملة كأجرة أو أوبر)، وبذلك يستردّ ما دفعه للتحويل لنظام الغاز خلال فترة تتراوح بين 12 إلى 16 شهراً.
لماذا لا نستغل الغاز؟
يقول مصطفى محسن، مهندس بالشركة المصرية القابضة للغازات لـ "عربي بوست": "إن تجربة استخدام الغاز الطبيعى كوقود للسيارات بدأت من خلال شركة بترول بلاعيم، التي أنشأت محطتين للتموين بالغاز الطبيعي لأتوبيسات نقل العاملين التابعة لها في عام 1992، وشجّعت الاكتشافات المتتالية لحقول الغاز الطبيعي على استغلاله كوقود محلي، والعمل على نشر استخدامه بشكل أكبر".
ويشرح المهندس أن هناك طفرة شهدتها مصر في إنتاج الغاز الطبيعي بعد اكتشاف الحقل "ظُهر" العملاق في 2015، ما دفع الحكومة المصرية لتعزيز نشاط تحويل المركبات للعمل بالوقود المزدوج، وكان من الطبيعي تسريع وتيرة تنفيذه، بعدما حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز في أواخر 2018، وتوقفت عن استيراده من الخارج.
يقول تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول باتحاد الصناعات المصرية، في تصريح له، إن "اكتشافات الغاز الطبيعي على أرض مصر في السنوات الأخيرة خلقت حالةً من الثقة في مزيد من الاكتشافات مستقبلاً".
ويشير تقرير تلقّاه المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، في إطار متابعة تنفيذ برنامج التوسع فى هذا النشاط، لتزايد الإقبال على استخدام الغاز الطبيعى كوقود للسيارات خلال الفترة من يوليو/تموز حتى أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث تم تحويل نحو 17125 سيارة للعمل بالوقود المزدوج (بنزين/ غاز طبيعى).
كما تم بيع ما يقرب من 192 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعى للسيارات العاملة بالوقود المزدوج، وتعتبر هذه المعدلات قفزة كبيرة سواء في أعداد السيارات المحولة أو مبيعات الغاز.
يؤكد التقرير على حيوية المشروع، لذلك خصّص البنك المركزي المصري مبلغ 6.7 مليار جنيه لتمويل خطة إنشاء محطات تموين السيارات بالغاز الطبيعي.
وتستحوذ محافظات القاهرة الكبرى على النصيب الأكبر من الإقبال على تحويل السيارات للعمل بالغاز، نظراً لوجود محطات الغاز ومراكز تحويل السيارات، مقارنة بالمحافظات الأخرى.
ويقول تامر السيد، باحث اقتصادي، لـ "عربي بوست"، إن طفرة الغاز التي بدأت فعلياً في مصر ستساعد على تعزيز الوضع المالي غير المستقر لبلد مثقل بالديون، وستوفر مليارات الدولارات التي تصرفها الدولة لاستيراد مصادر الطاقة، ويسهم ذلك في إعادة التوازن إلى الميزان التجاري الذي يعاني عجزاً مزمناً، فضلاً عن أنه سيسهم في استقرار سعر صرف الجنيه المصري، وهو ما سينعكس على معدل التضخم ليسجل انخفاضاً وشيكاً.
يتحمس الباحث لفكرة الاعتماد على الغاز، مؤكداً أن المنتج المحلي من الطاقة مضمون، بينما الوقود المستورد يتأثر بمتغيرات المنطقة والسوق وأسعار العملات، ومن مصلحة الدولة الحفاظ على ثبات سعر الطاقة لأن ذلك بدوره سينعكس إيجاباً على أسعار السلع والمواصلات، حتى وإن حدث ارتفاع في سعر الوقود عالمياً.
لماذا يخشى البعض ركوب السيارات التي تعمل بالغاز؟
رغم وظيفته في مؤسسة حكومية مرموقة، وهي الهيئة العامة للاستثمار، فإن عمرو كامل يمتلك سيارة أجرة، يعمل عليها بعد انتهاء عمله، بحثاً عن دخل إضافي.
يقول لـ "عربي بوست"، لقد حولتها للعمل بالغاز، ولكن الطريف أن بعض المواطنين يسألونه قبل الركوب معه عن نوعية الوقود الذي يستخدمه، ويرفضون استقلال السيارة إذا علموا أنها تعمل بالغاز، لاعتقادهم أنها ستنفجر بين لحظة وأخرى.
لكن عمرو يمتدح نظام الغاز، موضحا أن محرك سيارته أداؤه أفضل، بجانب أنه يمنع التكثيف عند مدخل موزع الخليط، فضلاً عن انخفاض مستوى الاهتزاز والضوضاء بصورة ملحوظة، مقارنة بالمحرك أثناء عمله بالبنزين.
ويشير الموظف الأربعيني إلى أن الوفرة المالية جراء التحويل ليست بالقليلة، موضحاً أن سعر المتر المكعب من الغاز الطبيعي يصل إلى نحو 3.50 جنيه، في حين أن سعر لتر بنزين 95 يبلغ 8.75 جنيه، وسعر لتر بنزين 80 يبلغ 6.5 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 يبلغ 7.75 جنيه.
ومع اقتناع عمرو بجدوى ما قام به اقتصادياً لا يزال الشك يساوره، خوفاً أن يكون "تدبيسة" (مأزق) على المدى البعيد، وتضعه الحكومة أمام الأمر الواقع -كما تفعل دائماً- وترفع أسعار الغاز أيضاً.
يطرح الشاب سؤالاً يشير لخوفه من رفع الحكومة لأسعار الغاز، قائلاً "إذا كنا حققنا بالفعل فائضاً بالغاز ونقوم بتصديره لماذا قامت الحكومة برفع أسعار الغاز المنزلي من 175 قرشاً للمتر المكعب إلى 235 قرشاً، أي بنسبة 34.3%، ومتى يتمتع المواطن المصري بـ "خير بلاده".
خطة كبرى بتوجيهات رئاسية تتضمن التصنيع
يقول عبدالفتاح فرحات رئيس الشركة المصرية الدولية لتكنولوجيا الغاز"غاز تك" إن استخدام الغاز الطبيعى كوقود للسيارات يحظى باهتمام كبير خلال الفترة الحالية، بسبب التوجيهات الرئاسية الأخيرة للتوسع في استخدام الغاز الطبيعي وأنواع الوقود البديلة.
ويؤكد رئيس الشركة أن السوق المصري يتميز بتوافر بنية أساسية متطورة وشبكة جيدة من محطات التموين بالغاز الطبيعي، حيث يصل عددها إلى 188 محطة تنتشر على مستوى الجمهورية، لافتاً أن الشركة تستهدف إنشاء عدد 30 محطة جديدة خلال 2020.
وأضاف أن هناك ارتفاعاً في معدلات الإقبال على تحويل سيارات الأجرة للعمل بالغاز الطبيعي إلى ما يزيد على 3000 سيارة شهرياً.
كما ارتفعت معدلات تحويل السيارات الخاصة "الملاكي" بنسبة نحو 40% مقارنة بالمعدلات السابقة.
وقامت الدولة بوضع خطة لدعم تحويل سيارات الأجرة من نظام البنزين إلى الغاز الطبيعى حيث توجد 240 ألف مركبة "ميكروباص، ميني باص، أتوبيس" تعمل بالسولار مما يكلف البلاد مبالغ طائلة من أجل الاستيراد، وتستهدف خطة الحكومة إحلال هذه المركبات واستبدالها بمركبات تعمل بالغاز الطبيعي لتوفير المبالغ التي يتم إنفاقها على استيراد السولار.
تجري مصر مفاوضات مع شركات عالمية لتنفيذ مشروع إحلال وتجديد الميكروباص، والذي أعلنته الحكومة في وقت سابق والذي يهدف لتصنيع الميكروباصات في مصر على أن تكون مزودة بمحركات تعمل بالغاز.
السائقون متخوفون من تأثير التغيرات المناخية على الغاز!
تصريحات إحلال المركبات القديمة والتقسيط الجديد لم تلق ترحيباً من بَعْض سائقي الميكروباص الذين التقاهم "عربي بوست" بمنطقة أحمد حلمي بوسط العاصمة المصرية.
يقول هؤلاء أنهم لا يعلمون شيئاً عن الموضوع، مشيرين إلى خطورة استخدام الغاز خاصة أن سيارات الأجرة تعمل على مدار ٢٤ساعة بنظام الدورات ومع ما تشهده مصر من تغيرات مناخية وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق تصبح أسطوانات الغاز بالسيارات عبارة عن "عبوة ناسفة" قد تنفجر بين لحظة وأخرى.
ويستشهد أصحاب الشهادات المتوسطة من السائقين بما يتم تداوله على مواقع التواصل من صور تُظهر انفجار سيارات تعمل بالغاز في بلدان أخرى كالعراق والجزائر وغيرها.
ولكن ما يقلق سمير مخلص (سائق ميكروباص) شيء آخر.
بل يقول إن إحلال الميكروباص القديم بآخر جديد يعمل بالغاز الطبيعى سيحمله نفقات إضافية لسداد قيمتها ولن يشعر بعائد الوفر بين السولار والغاز الطبيعي الذي تتحدث عنه الحكومة، وربما يموت قبل أن يسدد الأقساط المستحقة ويترك لأبنائه الأربعة المديونية.
أكبر مشكلات الغاز
يرى خبراء أن الامتيازات التي منحتها الحكومة لإغراء المواطنين لم تحقق الفائدة المرجوة منها، ودللوا على ذلك بأن عدد السيارات المحولة للعمل بالغاز 288.40 ألف سيارة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى الآن طبقاً لبيان وزارة البترول المصرية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأغلبها سيارات أجرة وحافلات ركاب صغيرة، ويعد العدد ضئيلاً مقارنة بعدد المركبات بالقاهرة الذي يصل إلى نحو 11 مليون مركبة مرخصة، وفق أحدث البيانات والإحصائيات.
يقول سامح محمد مدير سابق لحركة النقل بشركة غبور للسيارات لـ"عربي بوست" إن الوضع في مصر يختلف عن الدول التي تستخدم الغاز الطبيعي لتموين السيارات كوقود للحرق، مشيراً إلى أن السيارات التي يتم تجميعها في مصر أو استيرادها غير مؤهلة إلى التحويل لاستخدام الغاز الطبيعي حيث صُممت محركاتها خصيصاً للعمل بالبنزين، فضلاً عن أن بعض أنواع الغاز المتداول تفتقد جودة البنزين.
ويشرح أن استخدام الغاز بطريقة خاطئة يسبب أضراراً بالغة للسيارة تتمثل في تآكل أسطوانات المحرك والصمامات والبساتم وذلك لارتفاع نسبة الكبريت الناتجة عن احتراق الغاز مقارنة بالبنزين والسولار، مما يكلف أصحاب السيارات مبالغ إضافية للصيانة.
ويضيف أن اعتماد السيارة على الغاز يؤثر عليها من ناحية الدفع، ويجعل حركتها أبطأ مما كانت عليه في السابق، وبالتالي تتراجع مميزاتها وسينخفض سعرها السوقي جراء ذلك.
سائقو النقل لا يريدون الشاحنات التي تعمل بالغاز
ويضيف أنه لا يوجد بالمحافظات الإقليمية، أو الحدودية عدد كاف من محطات الغاز لعدم توافر البنية التحتية لذلك يمتنع السائقون عن التحويل أو شراء سيارات تعمل بالغاز.
ويبرهن على كلامه بأن إعلان مدير قطاع سكانيا لوسائل النقل "شاحنات – واتوبيسات" بالشركة الهندسية للسيارات SMG ، فتح باب الحجز على الشاحنات المدعومة بمحركات تعمل بالغاز الطبيعي، لم يلق استجابة من السائقين، ولم تتلق الشركة طلباً واحداً عليها، لأن ذلك يتوقف على انتشار محطات الوقود، لا سيما أن الشاحنات الثقيلة عادة ما تعمل في مناطق جبلية.
ولكن هل يمكن تجنب هذه المشاكل عبر تصنيع سيارات معدة خصيصاً للعمل بالغاز، كما تسعى الحكومة المصرية.
لا تُعرف بعد الإجابة ولكن هناك من لفت إلى عدم نجاح تجارب متعددة للاعتماد على الغاز في دول أخرى.
التجربة الأمريكية أخفقت
يقول أشرف عفيف صاحب شركة لقطع غيار النقل الثقيل بمنطقة الخلفاوي بحي شبرا لـ"عربي بوست" إن مبادرة توفير الطاقة بالتحول إلى سيارات تعمل بالغاز فكرة جيدة لكن تعميمها يجب أن يكون بضوابط، مع مراعاة توفير مراكز صيانة متخصصة لمعالجة الأخطاء الناتجة عن التحويل، وقبل كل ذلك إصدار قرار حكومي يلزم المستوردين باستيراد المركبات المحولة للغاز الطبيعي.
ويستشهد المهندس بالمثل القائل "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة".
ويقول "ليس هناك سبب لتطبيق المنظومة قبل دراسة المخاطر باستفاضة، مشيراً إلى تجربة أمريكا بعدما اتجهت في عام 2008 إلى تطبيق فكرة اعتبرت ثورية في وقتها، استهدفت تحويل الملايين من الشاحنات والحافلات وغيرها من المركبات التجارية إلى الغاز الطبيعي بدلاً من البنزين والديزل.
لكن مع مرور السنوات شهدت سيارات الغاز الطبيعي انكماشاً في حصتها بسوق السيارات، وألغت شركة "تشيزابيك إنرجي"، إحدى أكبر منتجي الغاز في الولايات المتحدة، الفريق العامل على مركبات الغاز الطبيعي عام 2013، وأوقفت "هوندا موتور" موديلاً قوياً من الغاز الطبيعي لسيارتها "سيفيك" الواسعة الانتشار عام 2015، وأعلنت "فولفو أيه بي" إن جميع سياراتها الجديدة اعتباراً من عام 2019، ستكون هجينة أو كهربائية بالكامل، كما تقوم شركة "بي إم دبليو" بتطوير سيارة كهربائية ذاتية القيادة لتحل محل الفئة السابعة باعتبارها السيارة الرائدة في عام 2021.
صديق للبيئة
يرى خبراء أن التوسع في استخدام الغاز سيحد من التلوث في القاهرة التي تعد من أكثر عواصم العالم تلوثاً.
فالغاز الطبيعي صديق للبيئة مقارنة بالبنزين والسولار.
ويشير المهندس حسين مصطفى المدير السابق لرابطة صناعة السيارات أن مشروع تحويل السيارات والمركبات العامة لاستخدام الغاز الطبيعي يقضي بنسبة كبيرة على التلوث البيئي ويقلل تكلفة الوقود.
وتابع أنّ الدولة تستهدف حالياً تحويل 50 ألف سيارة للغاز الطبيعي خلال العام المالي الحالي، بزيادة عن العام المالي الماضي الذي شهد تحويل 33 ألف سيارة.
لا يتحمس ياسر حمدان (مهندس بيئة) بمحافظة الشرقية بالترويج المنافع البيئية للغاز.
ويرى أن للغاز أضراره البيئية، لذلك فإن إيجاد آليات بيئية لتقليل نسبة التلوث هو الأفضل من التفكير للتحول إلى الغاز.
ويتوقع عدم نجاح المشروع مثلما حدث مع الأفران التي تعمل بالغاز كبديل للمكامير، قائلاً: "الناس غلابة ولا يملكون آلاف الجنيهات لإحلال مركباتهم بأخرى تعمل بالغاز".
هل الغاز اختياري أم إجباري؟
تضاربت التصريحات حول قرار تحويل المركبات للعمل بالغاز وأكد تامر الشافعي، رئيس شعبة الصناعات المغذية باتحاد الصناعات، منذ أيام خلال كلمته في جلسة "توطين الصناعة وعمليات الإحلال والتجديد"، عدم صدور أي قرار حتى الآن بشأن إحلال مركبات النقل الجماعي التي تعمل بالبنزين واستبدالها بأخرى تعمل بالغاز الطبيعي، وإنما هي مبادرة من رئيس الجمهورية.
وبالرغم من ذلك باتت تجربة تحويل السيارات إلى الغاز الطبيعي أكثر إلزاماً لدى بعض المناطق في مصر، حيث أقرت محافظة البحيرة في دلتا
مصر نظاماً يقضي بوجوب تحويل سيارات الأجرة إلى الغاز الطبيعي مع تجديد الترخيص.
وأوضح جمال أبو الفضل، المتحدث باسم محافظة البحيرة، أن تعميم التجربة بدأ منذ عامين إيماناً بمسؤولية المحافظة في المساهمة في برنامج الإصلاحات الاقتصادية، حيث بدا الأمر غريباً للسائقين لكن مع الوقت بدأت السيارات الخاصة أيضاً في التحويل، بسبب المزايا التوفيرية الهائلة التي يتحصلون عليها جراء التحويل.