يعد الإنتاج الفني لشركة العدل جروب من أكثر الأعمال التلفزيونية شعبية في الشرق الأوسط. وتتناول مسلسلاتها موضوعات مثل إدمان المخدرات بين أبناء الطبقة المتوسطة والانتهاكات الجنسية والحياة في سجن النساء وغيرها من القضايا والمشاكل المجتمعية، وقد حققت نجاحاً كبيراً بين المشاهدين في مصر ومختلف أنحاء العالم العربي.
ظل هذا هو الحال حتى أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي موجة جديدة من الرقابة. ففي السنوات الثلاث الأخيرة أحكم السيسي قائد الجيش السابق الرقابة على صناعتي الترفيه والأخبار. وأنشأ مجلساً تنظيمياً جديداً للإشراف على الإنتاج وأصبح المحتوى الإعلامي يخضع لرقابته.
رؤية الجنرال الخاصة
لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تؤكد على "ألا تتضمن المسلسلات التلفزيونية مشاهد جنسية أو ما ينطوي على الإلحاد وألا تتناول السياسة ضمن موضوعاتها". كما "يجب تقديم رجال الشرطة وأي شخصيات أخرى تمثل السلطات في صورة إيجابية".
ويقول جمال العدل أحد مؤسسي الشركة لرويترز إنه كان يظن أن بوسعه تسيير الأمور بالابتعاد عن أكبر القضايا الممنوع تناولها. لكنه عدل رأيه عندما سمع أن الشرطة داهمت موقع تصوير فيلم ينتجه أحد منافسيه العام الماضي وذلك لعدم الحصول على تصريح ضروري.
أوقف العدل على الفور العمل في مسلسلين تلفزيونيين كان يصورهما خوفاً من أي مشاكل قد يواجهها لعدم حصوله على تصريح. وقال "أنا حسيت إن ده مناخ ما أقدرش أشتغل فيه، أنا مش باعمل حاجة غلط". وأضاف أن الإنتاج الفني أصبح يمثل وجهة نظر واحدة، "عين واحدة، رؤية واحدة".
تلك الرؤية هي رؤية الرئيس السيسي وهي قائمة على "فضائل البطولة والوطنية". وتستخدم السلطات أساليب مبتكرة في العمل على تحقيقها.
رقابة محكمة
وفي مقابلات وصف عدد من القائمين على إنتاج أعمال تلفزيونية ومسؤولون تنفيذيون في القطاعات الإخبارية كيف أحكمت حكومة السيسي رقابتها التي يصفونها بأنها أشد صرامة من وسائل الرقابة في عهد حسني مبارك الذي حكم مصر بقبضة قوية إلى أن أطاحت به انتفاضة شعبية عام 2011.
وهذه هي المرة الأولى التي تُنشر فيها تفاصيل كثيرة عن هذه الوسائل الجديدة. من هذه الوسائل حجب تصاريح التصوير وإعداد قائمة بالموضوعات المحظور تناولها في المسلسلات يتعين على القائمين على العمل الموافقة عليها. كما أنشأت الحكومة مجموعتين على تطبيق واتساب لتوجيه تعليمات بما تنشره وسائل الإعلام الإخبارية وعينت رقباء في القنوات التلفزيونية للإشراف على ما يذاع.
التغلغل في السوق والسيطرة عليه
وازداد تغلغل الحكومة أيضاً في صناعة الترفيه نفسها. فمنذ 2017 اشترت شركة جديدة اسمها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية منافذ إخبارية وشركات للإنتاج التلفزيوني وقنوات تلفزيونية، لا يقل عددها حتى الآن عن 14، الأمر الذي أتاح لها سيطرة لا مثيل لها على توقيتات بث الأعمال التلفزيونية. وعملت الشركة المتحدة بكل همة ونشاط على تنفيذ قواعد الرقابة الحكومية.
وقالت أكثر من عشرة مصادر في صناعة التلفزيون وفي الحكومة لرويترز إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أسستها الدولة. وتوصلت رويترز إلى أن لإثنين من أعضاء مجلس إدارتها الأربعة صلات بجهاز المخابرات العامة المصري كما كان مدير المخابرات يرأس في السابق إحدى الوحدات التابعة للشركة.
العزل أو التهميش
ويقول ممثلون ممن ينتقدون الحكومة المصرية إنهم يخشون القبض عليهم. ويقول العاملون في إنتاج المسلسلات إن أعمالهم الفنية أصبحت باهتة مثل المسلسلات المبتذلة التافهة. وأصبح العزل أو التهميش مصير مضيفي البرامج الحوارية التلفزيونية الذين لا يتبعون النهج الحكومي. وقال أحد المنتجين إن السلطات منعته من العمل في التلفزيون أو في السينما دون أن تذكر له السبب.
وقال المخرج السينمائي خالد يوسف عضو مجلس النواب المصري إن الحكومة "بدأت تتدخل في المحتوى الدرامي نفسه" ودفعت شركات الإنتاج الخاصة إلى التوقف عن العمل لفرض سيطرتها. وقال يوسف وهو من منتقدي السيسي ويعيش في باريس حالياً في منفى اختياري "هما مش عايزين حد يفكر".
الدولة الشمولية
وتعد سيطرة الرئيس على الإعلام سمة أساسية لدى العديد من الحكومات الشمولية من الصين إلى روسيا. ومع ذلك فإن للتضييق الإعلامي في القاهرة أهميته بفعل تداعياته خارج البلاد. فمصر بسكانها 100 مليون ليست أكثر دول العالم العربي سكاناً فحسب، بل إنها موطن أكبر صناعة للسينما في المنطقة بفارق كبير.
ويقول معدو المسلسلات والبرامج إن الرقابة أشد إزعاجاً مما كانت في عهد حكم حسني مبارك الشمولي. ففي السنوات العشر الأخيرة من حكمه أذيعت أعمال تناولت انتهاكات الشرطة والانتهاكات المجتمعية.
ويقول منتجون إن الرقباء في عهد مبارك كانوا يصدرون موافقتهم على المسلسل بعد استعراض بضع حلقات فحسب، إلا أنهم يصرون في ظل حكم السيسي على مشاهدة المسلسل بالكامل سواء كان من 30 حلقة أو أكثر.
وقال رئيس تحرير إحدى الصحف الكبرى لرويترز إن الناشرين في عهد مبارك لم يواجهوا ترهيباً إلا إذا تناولت المقالات ضباط المخابرات أو الجيش. وأضاف أن لمدير المخابرات العامة عباس كامل وضباطه سيطرة محكمة ومباشرة على ما تنشره وسائل الإعلام. وقال إن الأمر وصل إلى حد إطلاق الصحفيين عليهم وصف "رئيس تحرير مصر".
ولم تتلق رويترز رداً من الحكومة المصرية وجهاز المخابرات والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على أسئلة تفصيلية تتعلق بهذا التقرير. كما أنها لم تتلق رداً على مكالماتها للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
تدهور العلاقات مع الإعلام
بدأت رئاسة السيسي في 2014، بعد أن قاد الجيش حملة للإطاحة بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي الذي تولى الرئاسة في انتخابات ديمقراطية في عام 2012. وحث السيسي وسائل الإعلام على دعم حكومته. وأعلن عن خطط لحفر قناة جديدة بقناة السويس في "مشروع قومي ضخم"، وقال مخاطباً وسائل الإعلام "مهم أوي تساعدونا في معركتنا" لتوحيد مصر، وقال "إحنا في معركة كبيرة جداً".
وفي كلمة لتكريم رجال الشرطة قال السيسي موجهاً حديثه للعاملين في إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية "عايزين ندي الناس أمل في بكرة ونحسّن في قيمنا وأخلاقنا".
وبحلول العام 2016، كانت علاقة السيسي بوسائل الإعلام تتدهور. وفي أبريل/نيسان من ذلك العام سلم الرئيس جزيرتين في موقع استراتيجي بالبحر الأحمر للسعودية الأمر الذي أدى إلى احتجاجات.
وعندما شاركت بعض الصحف في موجة الاحتجاج داهمت قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة. وتم اعتقال اثنين من الصحفيين المنتقدين للحكومة ووجهت لهما تهمة نشر أخبار كاذبة.
حملة تضييق على أوسع نطاق
أسس السيسي في العام 2017 المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للإشراف على كل المنافذ الإخبارية والترفيهية. وتم تكليف لجنة الدراما بالمجلس بمراقبة جميع المسلسلات المعروضة في التلفزيون المصري. واختار السيسي بنفسه رئيس المجلس. وأبدت اللجنة اهتماماً كبيراً "بالقضايا الأخلاقية".
وفي تقرير صدر هذا العام انتقدت اللجنة بعض المسلسلات التلفزيونية لتصويرها شخصيات تدخن أو تنطق بألفاظ نابية وفيها "إساءة للغة العربية" لاستخدام كلمات إنجليزية.
وخلال أسبوع واحد في شهر رمضان الماضي، الذي تتجمع فيه الأسر المصرية حول أجهزة التلفزيون في المساء لمشاهدة مسلسلاتها المفضلة، سجلت اللجنة 948 مخالفة لميثاقها. وكان من نصيب مسلسل واحد هو (مملكة الغجر) 105 مخالفات بسبب استخدام ألفاظ نابية والعنف والتلميحات الجنسية والإساءة للغة العربية. ولم تستطع رويترز التحقق مما إذا كان المسلسل أو القائمون عليه قد نالهم أي عقوبات.
"تغطية محدودة"
تتعرض وسائل الإعلام الإخبارية لتدقيق أكبر، وقد تم حجب مئات من المواقع الإخبارية والمدونات في السنوات الأخيرة كما يتيح قانون جديد لصناعة الإعلام صدر عام 2018 لسلطات الدولة حجب حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ومعاقبة الصحفيين على نشر ما تراه السلطات أخباراً كاذبة.
وأنشأت الأجهزة الأمنية مجموعتين على تطبيق واتساب لنقل التعليمات إلى المؤسسات الإخبارية عن كيفية تغطية الأحداث. وراجعت رويترز رسائل على المجموعتين. وتسمى إحداهما "رؤساء التحرير" ويديرها جهاز المخابرات العامة. أما المجموعة الثانية فتديرها وزارة الداخلية.
ولم ترد وزارة الداخلية أو جهاز المخابرات على طلب من رويترز للتعليق على مجموعتي الواتساب. وعندما سقط 20 قتيلاً في تفجير خارج مستشفى للأورام بالقاهرة في أبريل/نيسان الماضي، كتب مسؤول بالمخابرات يقول "مش عاوز توسيع تغطية حادث مركز السرطان.. تغطية محدودة". والتزمت وسائل الإعلام المصرية بذلك فجاءت تغطيتها محدودة، كما تقول رويترز.
وفي مايو/أيار أدى انفجار قرب المتحف المصري الجديد بالقاهرة الكبرى إلى إصابة ما لا يقل عن 12 سائحاً من جنوب إفريقيا. وكانت التعليمات على واتساب: "رجاء انتظار بيان وزارة الداخلية، لا تضيفوا إليه أي شيء". وراجعت رويترز ما نشرته أربعة منافذ إعلامية فكانت تقاريرها متطابقة تقريباً.
وتدفقت الأوامر على واتساب أيضاً في سبتمبر/أيلول، عندما دعا ممثل سابق في سلسلة من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب إلى خروج الناس للشوارع للاحتجاج على حكم السيسي. فقد اتهم الممثل السابق محمد علي، الذي يعيش في إسبانيا، السيسي والجيش المصري بالفساد. ونفى السيسي صحة اتهاماته ووصفها بأنها "كذب وافتراء".
وجاء في رسالة على واتساب "رجاء عدم نشر أي تقارير إخبارية عن محمد علي". وطاعة للأمر، لم تنشر وسائل الإعلام التي راجعتها رويترز أي تغطية لمقاطع محمد علي المصورة التي انتشرت بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن ذكرها السيسي بنفسه في خطاب بعد ذلك بأسبوعين. وعندما اتصلت رويترز بعلي امتنع عن التعليق.
"يديرها ضباط المخابرات"
ويرى العاملون بقناة دي.إم.سي التلفزيونية التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أن الدولة تتدخل في كل شيء. فقد قال أحد العاملين الحاليين وأحد العاملين السابقين فيها لرويترز إن رؤساء التحرير يحتاجون ضوءاً أخضر من ضباط مخابرات يرتدون ملابس مدنية موجودين على الدوام في استوديوهات القناة وذلك قبل إذاعة أي برامج إخبارية أو رياضية أو ترفيهية.
وقال الموظف السابق بالقناة إن الشبكة "يديرها ضباط المخابرات" فعلياً، إذ يحضرون كل الاجتماعات التنفيذية. وتمت بعض التعيينات في مناصب كبرى بالقناة بقرارات من عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة وهو أيضاً الذي حدد مرتبات من شغلوا تلك المناصب.
وقال منتج مازال يعمل في قناة دي.إم.سي إن ضابط المخابرات يجلس في بعض الأحيان في غرفة التحكم لمعرفة ما يدور في القناة. ولم تستطع رويترز الاتصال بإدارة الشركة للتعليق ولم تتلق رويترز رداً من كامل على الطلبات التي وجهتها للسلطات المصرية.
وقال الناشط المؤيد للديمقراطية هشام قاسم المالك السابق لإحدى الصحف: "الضرر الذي لحق بالإعلام المصري لا يُصدق. هي ببساطة أسوأ كارثة إعلامية في تاريخ مصر. فلا يهمهم الجودة. وإذا اختلفت معهم في الرأي فإنهم يطردونك".
ومن الأدوات الرئيسية في إحكام قبضة الدولة على صناعة الترفيه في مصر المجموعة المسماة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية". تأسست تلك الشركة في 2017، واشترت ما لا يقل عن ست صحف ومواقع إخبارية على الإنترنت وأربع شبكات تلفزيونية تدير 14 قناة وأربع محطات إذاعية وعدداً من المسارح ودور السينما.
وقال ثمانية أشخاص يعملون بصناعة الإعلام كانت لهم تعاملات مع الشركة المتحدة إن الدولة هي التي أنشأتها. ومع توسع الشركة أصبحت تهيمن على مواعيد إذاعة البرامج التلفزيونية وتحدد الأعمال التي تخرج منها للنور. وتطبق الشركة قواعد الرقابة الحكومية بحذافيرها.
وقد راجعت رويترز وثائق موجهة من الشركة المتحدة إلى السلطات منذ تسجيلها. ولم تكشف تلك الوثائق عن مالكي الشركة لكن أسماء أعضاء مجلس إدارتها الأربعة وردت فيها.
وقال مصدران بالمخابرات لرويترز إن اثنين من أعضاء مجلس الإدارة لهما صلات بجهاز المخابرات. وكان أحدهما واسمه ياسر أحمد صابر أحمد سليم يعمل من قبل ضابطاً بالمخابرات. وأظهرت وثيقة أخرى أن كامل مدير جهاز المخابرات نفسه كان من أعضاء مجلس إدارة شركة تلفزيونية اسمها دي-ميديا أصبحت الآن جزءاً من الشركة المتحدة. ولم يرد سليم وكامل على طلب التعليق الذي وجهته رويترز إلى السلطات المصرية.
مداهمات لمواقع التصوير
وبالنسبة لصناع المسلسلات من أمثال جمال العدل زادت صعوبة إنتاج الأعمال الدرامية وبيعها بفعل هيمنة الشركة المتحدة كمشتر للأعمال وبسبب ظهور هيئة تنظيمية جديدة متشددة.
وفي العام الماضي انتظر العدل دون جدوى صدور تصاريح التصوير المعتادة. ويقول إنه قرر لضيق الوقت البدء في العمل على مسلسلين، مفترضاً أن التصاريح ستصل قريباً وأنه لن يواجه أي مشاكل إذا تجنب السيناريو في العملين موضوعات الجنس والسياسة المحرمة.
وقال: "كنت هابيع هنا أو بره. وحتى لو هما ما اشتروش مني كنت هابيع بره". إلا أنه بعد تصوير ثلاث حلقات داهمت الشرطة موقع التصوير التابع لشركة إنتاج منافسه.
وقال ثلاثة من أفراد طاقم العمل في المسلسل الذي تمت مداهمة موقع التصوير ومصدر أمني إن اثنتين من سيارات الشرطة توقفتا في الموقع وطلب الضباط من طاقم العمل التوقف عن التصوير لأنه ليس لديه ترخيص بذلك. وامتثل طاقم العمل للأمر. وقرر العدل أيضاً التوقف عن التصوير تحاشياً للمشاكل.
يقول العدل وبعض القائمين على أعمال أخرى إنهم أيدوا تدخل الدولة في البداية في سوق التلفزيون لأسباب اقتصادية. فقد كان العديد من القنوات التلفزيونية المصرية لا يحقق ربحاً لأسباب منها أنها كانت تحاول التفوق على بعضها البعض برفع أسعار الأعمال الدرامية. وكانت تكلفة الأعمال التي ينتجها جمال العدل وغيره من المنتجين تتزايد كما كانت أجور الممثلين تتضخم.
وقال العدل إنه كان من بين المطالبين بتنظيم الأسعار. وفرض تدخل الدولة قيداً على الأجور لكن التدخل تجاوز مسألة الأسعار بمراحل. وقال العدل إن السلطات الآن هي التي تحدد من يعمل في الإنتاج الفني ومن لا يعمل.
"السيطرة على الخطاب العام"
ويأمل العدل أن يكون عام 2020 أفضل من سابقه. وقد حصل على موافقة على تصوير المسلسلين بشرط الالتزام بالعمل دون تجاوز القيود الجديدة على الميزانية وفي إطار النظام الجديد. وقال العدل: "اللي اتغير إننا اكتشفنا انهم كانوا بيعملوا إطار أو سياسة أو فريم للناس تخش جواه".
وقال مخرج آخر للأعمال السينمائية والتلفزيونية طلب عدم نشر اسمه إنه يعتقد أيضاً أن السيسي يحاول "السيطرة على الخطاب العام". وأضاف المخرج أنه اضطر لتوقيع وثيقة يتعهد فيها بعدم إدراج أي مشاهد في أعماله تنطوي على إساءة للشرطة. وقيل له إنه إذا كان يصور مشهداً فيه تبادل لإطلاق النار فيجب ألا يموت ضباط الشرطة فيه لأن ذلك سيؤثر سلباً على معنويات رجال الشرطة. وامتثل المخرج للأمر.
ويقول هذا المخرج إن مساعي الرئيس قد تأتي بنتائج عكسية. إذ يتجه المشاهدون على نحو متزايد إلى قنوات يديرها مصريون خارج البلاد تعرض وجهات نظر أخرى بقدر أقل من الرقابة مثل قناة مكملين التي تبث إرسالها من تركيا وقناة الشرق التي تتخذ من تركيا مقرا لها. ولم تتلق رويترز رداً عندما اتصلت بالقناتين طلباً للتعليق.
ممنوعات
في شهر رمضان من كل عام تتجمع ملايين الأسر المصرية في المساء أمام أجهزة التلفزيون لمشاهدة المسلسلات التي تفضلها. إلا أن الأمر اختلف في العام الحالي.
فقد عقد مسؤولون من الحكومة اجتماعاً مع مجموعة من الكتاب والمخرجين الموثوق بهم وذلك حسب ما قاله مصدران تم إطلاعهما على ما دار في الاجتماع من حوار. وحدد المسؤولون الحكوميون الموضوعات والأفكار التي يريدون عرضها في المسلسلات التلفزيونية والموضوعات التي لا يريدون تناولها.
وقال المسؤولون للكتاب والمخرجين إن الأعمال الدرامية يجب ألا يظهر فيها ضباط الشرطة وأفرادها بمظهر سيئ كأن يكون أحدهم خائناً لزوجته على سبيل المثال.
ويشكو مصريون كثيرون من أن السيسي يحرمهم حتى من حقهم في الاستمتاع. فقبل تولي السيسي السلطة كان بإمكان المشاهدين في رمضان الاختيار من بين 40 مسلسلاً أو أكثر تتناول القضايا الاجتماعية والعلاقات الأسرية والألغاز وعالم الجريمة. وكانت تلك المسلسلات جزءاً من تقاليد شهر الصوم بالنسبة لهم.
غير أن شهر رمضان الذي حل هذا العام في شهر مايو/أيار شهد عرض 25 مسلسلاً فقط، 15 منها أنتجتها شركة سينرجي التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وفي العديد من هذه المسلسلات ظهر ضباط الشرطة في صورة أبطال يحاربون "قوى الشر" وهو مصطلح يستخدمه السيسي لوصف الشخصيات المعارضة والإسلاميين. ويروي أحد هذه المسلسلات، وهو مسلسل (كلبش)، قصة ضابط شرطة بالقوات الخاصة يحارب الإرهاب والفساد.
ويقول الممثل المصري عمرو واكد الذي سبق أن حصل على جوائز إن أعمالاً كهذه تؤكد مدى اضمحلال صناعة الترفيه في مصر. ووصل واكد إلى العالمية عندما ظهر عام 2005 في فيلم (سيريانا) مع الممثل العالمي جورج كلوني وهو من أفلام الإثارة والتشويق.
وقال واكد: "كأن المسلسلات كتبها ضابط شرطة". وكان آخر مسلسل مصري يؤدي فيه واكد دوراً في عام 2017، وهو يعيش الآن في منفى اختياري في إسبانيا. وفي العام 2018 حكمت عليه محكمة عسكرية غيابياً بالسجن ثماني سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة والإساءة لمؤسسات الدولة.
ونادراً ما تنشر المحاكم العسكرية تفاصيل القضايا التي تنظرها. ويعتقد واكد أنه أصبح مستهدفاً بسبب تغريداته المؤيدة للديمقراطية. ولم ترد الحكومة المصرية على طلب للتعليق على قضية واكد. يقول واكد: "في حياتي كلها ما شفتش مصر أسوأ من كده".