السعي نحو تحقيق المكاسب المادية من خلال نشر أخبار زائفة تصور المسلمين على أنهم قتلة ومغتصبو أطفال وأعداء للمدنية ازداد عبر عملاق منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك بصورة مقلقة، ولا يبدو أن الشركة تفعل ما يكفي لمكافحة تلك الظاهرة.
صحيفة الغارديان البريطانية أعدت تحقيقاً استقصائياً حول القصة بعنوان: "من داخل مصنع الكراهية، كيف يعزز فيسبوك مكاسب اليمين المتطرف؟"، ألقى الضوء حول عمق وخطورة الظاهرة ومدى تأثيرها والخلل الكبير في أنظمة فيسبوك لمكافحة نشر الأخبار الكاذبة والرسائل التي تدعو للكراهية وتشجع العنصرية.
كيف بدأ التحقيق؟
وصلت رسالة من إسرائيل في ظهيرة يوم عادي إلى بيو فيليريل، البالغ من العمر 36 عاماً، وجلس فيليريل وحيداً في غرفته بمزرعة عائلته الممتدة على مساحة 42 فداناً خارج مدينة لايف أوك بولاية فلوريدا، باحثاً عن أخبار عن دونالد ترامب ليشاركها على صفحة فيسبوك اليمينية التي يديرها مع أبيه وأمه.
وطلب مرسل الرسالة، الذي استخدم اسم روتشالي، من فيليريل أن يجعلها محررة في صفحة Pissed off Deplorables، التي تصف نفسها "الصفحة الموالية لأمريكا"، والتي تقدم لآلاف من متابعيها جرعة منتظمة من المحتوى المؤيد لترامب، والمناهض للإسلام.
وكتبت في رسالتها: "أنا أفهمك تماماً. أنا من إسرائيل ومن المهم جداً بالنسبة لي أن أشارك الحقيقة. امنحني هذه الفرصة رجاء ولو ليوم واحد".
وعلى بعد 1600 كيلومتر شمالاً في جزيرة ستاتن، نيويورك، كان رون ديفيتو يكتب على حاسوبه لأكثر من 200,000 متابع على صفحته المؤيدة لترامب على موقع فيسبوك، Making America 1st، عندما تلقّى رسالة مماثلة، واستخدم المرسل هذه المرة اسم تيهيلا.
قال ديفيتو لصحيفة الغارديان: "قالت لي إنها محررة جيدة، يمكنها تقديم محتوى جيد يزيد من نسبة التفاعل والمشاهدات على الصفحة. لذا فكرت في أن أمنحها الفرصة لتنشر أفكارها، هل ستكون هنا مشكلة؟".
لم يكن فيليريل وديفيتو الوحيدين. على مدار العامين الماضيين، أرسلت مجموعة من الحسابات الغامضة، المرتبطة بإسرائيل، رسائل مماثلة لمسؤولي 19 صفحة يمينية أخرى على الأقل على موقع فيسبوك في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والنمسا وإسرائيل ونيجيريا.
جزء من مؤامرة للسيطرة؟
وتمكن التحقيق الذي أجرته صحيفة الغارديان من الكشف عن أن تلك الرسائل كانت جزءاً من مؤامرة خفية للسيطرة على بعض أكبر الصفحات اليمينية على فيسبوك، بما في ذلك صفحة مرتبطة بجماعة إرهابية يمينية، وإنشاء شركة تجارية تعتمد على المحتوى المناهض للإسلام من أجل الربح.
وتستخدم هذه المجموعة الآن شبكة من 21 صفحة لبث أكثر من 1,000 منشور إخباري مزيف أسبوعياً لأكثر من مليون متابع، مما يؤدي إلى انتقال الجمهور إلى مجموعة من 10 مواقع كثيفة الإعلانات من أجل تحقيق أرباح.
وتغذّي تلك المنشورات الكراهية العميقة للإسلام في العالم الغربي وتؤثر على السياسات في أستراليا وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة من خلال إبراز الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب "أمة واحدة" الأسترالي، وتشوّه السياسيين المسلمين مثل عمدة لندن، صادق خان، وعضوة مجلس النواب الأمريكي، إلهان عمر.
كيف يتم استهداف الإسلام؟
كما تستهدف الشبكة سياسيين يساريين خلال المراحل الحاسمة للحملات الانتخابية الوطنية. إذ نشرت أخباراً زائفة تزعم أن زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربين، قال إن اليهود "مصدر الإرهاب العالمي" واتهمت الشبكة رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، بالسماح "لداعش بغزو كندا".
وكشفت التحقيقات فشل فيسبوك في إيقاف هؤلاء الفاعلين المستترين من استخدام منصتها في إدارة حملات التضليل والكراهية المنسقة والمنظمة، إذ تعمل الشبكة بحصانة نسبياً بالرغم من اعتذار مارك زوكربيرغ إلى مجلس الشيوخ الأمريكي في أعقاب فضائح كامبريدج أناليتيكا والتدخل الروسي.
وعندما أخطرت صحيفة الغارديان شركة فيسبوك بتحقيقها، أزالت الشركة العديد من الصفحات والحسابات "التي بدا أن لها دوافع مالية"، كما قال المتحدث باسم الشركة في بيان.
وقال المتحدث باسم فيسبوك: "هذه الصفحات والحسابات تنتهك سياستنا ضد الرسائل العشوائية والحسابات المزيفة من خلال نشر محتوى يدفع المستخدمين إلى مواقع خارج المنصة". وأضاف: "لا نسمح للأشخاص بتشويه أنفسهم على فيسبوك كما نعمل على تحديث سياسة السلوك الزائف من أجل تحسين قدرتنا على مواجهة هذه الأساليب".
إجراءات متأخرة وغير كافية
ولكن هذه الإجراءات قد تكون متأخرة جداً بالنسبة لبعض ضحايا هذه الشبكة. تعرضت مهرين الفاروقي، أول امرأة مسلمة تصبح عضوة مجلس شيوخ في أستراليا، إلى هجوم ضارٍ من الشبكة في شهر أغسطس/آب من العام الماضي، عندما دشنت 10 صفحات تابعة للشبكة حملة منشورات منظمة تحرض المتابعين، البالغ عددهم أكثر من 546,000 متابع، للهجوم على النائبة بسبب حديثها في البرلمان ضد العنصرية.
ووصفت الفاروقي هذه المنشورات بـ"الجرعة المرعبة من العنصرية والأخبار المزيفة والكراهية"، وهذا ما ظهر من مجموعة كبيرة من التعليقات مثل: "ارتدي نقابك واخرسي!"، "اطردوا العاهرة الطاهرة"، و"تخلي عن الجنسية وغادري"، وغيرها من التعليقات.
وقالت الفاروقي إن الشبكة تمثّل "مستوى جديداً من التنظيم والتنسيق اليميني المتطرف"، وألقت باللوم صراحةً على شركات الوسائط الاجتماعية.
وقالت الفاروقي: "تعزز شركات الوسائط الاجتماعية العملاقة، مثل فيسبوك، أرباحها من خلال السماح بالمنشورات العنصرية والمضللة وانتشار خطابات الكراهية واللغة المسيئة".
وأضافت: "بإمكان فيسبوك فعل الكثير لإغلاق هذه الصفحات ولكن طالما تحقق له أرباحاً نتيجة التفاعل والمشاركة فلا يبدو أن الشركة تهتم باتخاذ أي إجراء حاسم".
وقال المتحدث باسم فيسبوك لصحيفة الغارديان: "لا يمكن لأحد أن يدافع أو يروّج للكراهية أو العنف على فيسبوك ونحذف أي انتهاكات بمجرد أن نصبح على علم بها".
"جنود المشاة المثاليون"
يبدأ الأمر بمنشور واحد، برعاية المسؤولين في إسرائيل، وعادة ما يكون المنشور له عنوان براق يجذب الانتباه ورابط لمقال يحاكي أسلوب النص الخبري الحقيقي.
ويستخدم المقال خليطاً من الأخبار المشوهة والمزيفة بالكامل لرسم صورة عن المسلمين بأنهم إرهابيون يسعون إلى فرض الشريعة واغتصاب الأطفال، وأن وجودهم يمثل خطراً وتهديداً على ثقافة الرجل الأبيض والحضارة الغربية.
ثم يُنشر المقال بشكل متزامن على صفحات الشبكة على فيسبوك، البالغ عددها 21 صفحة، تجتذب ما يصل إلى مليون متابع حول العالم.
المحتوى يمكن التنبؤ به بشكل كبير، حتى أن ديفيتو اشتكى ذات مرة لنظيرته الإسرائيلية. وقال: "لقد قلت لها إن الأمر أصبح مملاً وإن عليها أن تبحث عن أفكار وحيل أخرى. ولكنها لا تنشر إلا عن الإسلام، والإسلام، والمزيد من الأخبار عن الإسلام".
وأجرت صحيفة الغارديان تحليلاً للتأكد من مدى التنسيق بين صفحات الشبكة، والتحقق من تماثل المحتوى المنشور وأوقات نشره عبر الصفحات المختلفة.
نشرت الشبكة 5,695 منشوراً منسقاً في أكتوبر/تشرين الأول 2019، نالت 846,424 إعجاباً، أو مشاركة أو تعليقاً في هذا الشهر فقط.
وإجمالاً، نشرت الشبكة ما لا يقل عن 165,000 منشور نالت 14.3 مليون إعجاب أو مشاركة أو تعليق. وينتقل المحتوى بدوره إلى المزيد من صفحات فيسبوك اليمينية، من خارج الشبكة، حتى صفحة حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني في بريطانيا (Ukip).
وترتبط المنشورات بواحد من 10 مواقع شبه متطابقة توحي بأنها مواقع إخبارية بأسماء عامة وشائعة مثل "The Politics Online" و"Free Press Front". ولكنها مواقع إلكترونية سيئة التصميم وكثيفة الإعلانات تعرض "أخباراً" عادة ما تكون خليطاً من بعض السطور المنسوخة من مصادر مختلفة مع إضافة رأي شخصي للمحرر وصورة تعبيرية.
وعملت الصحيفة البريطانية مع باحثين من مركز بحوث الوسائط الرقمية بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، الذين أجروا تحليلاً لتسلسل المنشورات المتماثلة التي ظهرت على صفحات فيسبوك الواحدة والعشرين.
وأوضحت التحليلات أن هناك هيئة واحدة تنسق عملية نشر المحتوى بين صفحات فيسبوك، وتستخدم برنامج جدولة زمنية آلياً على الأرجح، وأن هذه الهيئة الواحدة تتحكم بالمواقع التي تجتذب الجمهور من تلك المنشورات.
وقال الأستاذ الجامعي أكسيل برونز بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، أحد كبار الباحثين في شؤون الإنترنت في أستراليا: "يصبح الأمر واضحاً تماماً بمجرد النظر إلى تلك المواقع، هيكلتها، والطريقة التي تتشارك بها التصميم والرموز البرمجية، ومشاركتهم نفس الرمز التعريفي للمواقع على جوجل، هذه المواقع متصلة ببعضها البعض. إنها مواقع رخيصة الإعداد، ورخيصة الإدارة، ليست مواقع متطورة ولا تعد أكثر من قوة غاشمة تعمل على بث هذا المحتوى".
ويعتقد برونز وزملاؤه أن الهدف ربحي بالأساس، وأن الكراهية والانقسام والتأثير السياسي ما هي إلا نتاج ثانوي في سبيل تحقيق الربح.
قال تيموثي غراهام، المحاضر عن تحليلات الشبكات الاجتماعية بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا: "هناك مجموعة من الأشخاص، ليسوا أغبياء، ولكنهم يميلون بدرجة كبيرة إلى النقر على المحتوى الذي يرسخ معتقداتهم بالفعل، خاصة المحتوى الانفعالي أو العاطفي أو الذي يحتوي على مواد تثير الاستقطاب والتطرف".
وأضاف: "هؤلاء الأشخاص هم أفضل وقود لأي عمل تجاري. إذا تمكنت من جلبهم إلى موقعك الإلكتروني، فإنهم لن يلقوا نظرة خاطفة على المحتوى فحسب، بل سيواصلون "نشر" المحتوى. إنهم جنود المشاة المثاليون لهذا النوع من الأعمال".
"أنت من تجني الأرباح"
لم تكن الشبكة دائماً بهذا الحجم. بدأت عملية تقديم المحتوى المنسّق بين الصفحات في عام 2016، من خلال عدد قليل من الصفحات في إسرائيل والولايات المتحدة.
ومنذ 2018، بدأت الشبكة تصل إلى مسؤولي عدد من صفحات فيسبوك الكبيرة الموجودة والقائمة بالفعل في أستراليا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا، واعدةً بمحتوى يساعد على زيادة شعبية الصفحة بين الجمهور.
وفي مارس/آذار 2018، تمكنت الشبكة من الوصول إلى صفحة كندية مؤيدة لإسرائيل، تُعرف باسم Never Again Canada، لديها 232,000 متابع. وأظهر تحقيق سابق أجراه موقع BuzzFeed News عن صفحة Never Again Canada أنها كانت تشارك بانتظام محتوى عن "عصبة الدفاع عن اليهود"، الجماعة اليمينية المصنّفة بالإرهابية لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتنسق المحتوى المنشور مع صفحات أخرى.
ووصلت الشبكة ذروتها في شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام بالتنسيق بين 21 صفحة. في كل مرة يسمح صاحب الصفحة المحلي بانضمام أحد المسؤولين الإسرائيليين، تصبح الصفحة مشاركة، دون رغبة أو علم مالك الصفحة الأصلي بالضرورة، في توزيع محتوى الكراهية المنسّق عالمياً عبر الإنترنت.
بعض أصحاب الصفحات، مثل فيليريل، الذي يدير صفحة Pissed off Deplorables، لم تكن لديه أي فكرة أن زملاءه الإسرائيليين الجدد يجنون المال عن طريق متابعي صفحته.
وقال: "الأمر محبط بعض الشيء. عندما أجلس وأفكر في أنني أفعل ذلك منذ عامين دون أن أجني سنتاً ثم أسمح لشخص ما أن يأتي بقناة خلفية صغيرة ويستخدم صفحتي لجني المال. الأمر أشبه بأنني صاحب المتجر، أنا من أنشأته وجهزته، ولكنك أنت من تجني الأرباح".
وبذل الأشخاص وراء هذه الشبكة جهوداً كبيرة لإخفاء هوياتهم الحقيقية، إذ يخفون معلوماتهم الشخصية من المواقع ويستخدمون حسابات فيسبوك مختلفة للتواصل مع أصحاب الصفحات اليمينية القائمة.
ولكن باتباع بعض الآثار الرقمية، توصلت تحقيقات Guardian إلى لاعب رئيسي ومهم في الشبكة؛ شخص يستخدم اسم المستخدم Ariel1238a.
البحث عن آريل
في ديسمبر/كانون الأول 2017، قدّم المستخدم Ariel1238a طلباً يبدو بريئاً لمساعدته في تحسين ترتيب منتدى مغمور في محركات البحث.
وكتب: "أبحث عن طرق أكثر لجني المال من موقعي الإلكتروني المختص بالأمور السياسية"،
وعلى مدار العامين الماضيين، يظهر نفس اسم المستخدم بانتظام على نفس المنتديات.
كان Ariel1238a يكتب بإنجليزية ركيكة، متحدثاً عن انخفاض معدل زيارات موقعه، وعدم القدرة على استضافة "محتوى عنيف" إلى جانب الإعلانات التي تأتي من Google AdSense، والعائد المنخفض لكل نقرة على موقع الإعلان الأصلي Taboola، وكتب على أحد المنتديات: "لست راضياً عن الأرباح التي يحققها".
كما اشتكى أيضاً من جهود فيسبوك في منع "الأخبار الزائفة". عندما أعلن عملاق الوسائط الاجتماعية في أبريل/نيسان عن تكثيف جهوده لمحاربة المعلومات المضللة على المنصة، كتب آريل: "اتخذ فيسبوك خطوة أخرى في الطريق إلى النهاية، إنها مسألة وقت".
لا يعد Ariel1238a خبيراً بالإنترنت؛ فقد كان يطرح أسئلة بدائية جداً عن كيفية إعداد حساب بريد إلكتروني لشركة وزيادة معدل زيارات موقعه الإلكتروني، ولكنه يقول على المنتديات إن مواقعه الإلكترونية تخدم "الدول الرائدة" بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا، ويفتخر بـ"حوالي مليون مشاهدة للصفحات في شهر".
لا تقدم منشورات Ariel1238a ما يوحي بأنه سيصبح القوة الدافعة وراء موجة الكراهية للإسلام المنتشرة على منصة فيسبوك.
في الحقيقة، الحسابات الإلكترونية المرتبطة بالمستخدم Ariel1238a لا تُظهر أي موقف سياسي أو وأيديولوجي على الإطلاق، بل تظهر البصمات الرقمية أنه قبل أن يتحول إلى استغلال الهوس اليميني المتطرف ضد الإسلام لتحقيق الربح، شارك على مدار أربع سنوات في عدد من المشروعات غير المتطورة لجني المال عبر الإنترنت.
هناك حساب مهجور على خدمة مدونة نشر تربط Ariel1238a بموقع "مواعدة جنسية مجانية"، وموقع "مواعدة دينية" وصفحة لمعجبي الموسم الرابع من المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي Big Brother. لقد شارك في العديد من المحاولات على الإنترنت لجني المال من الصالات الرياضية في تل أبيب إلى حقن البوتوكس، ومتجر لبطاقات الهواتف عبر الإنترنت وموقع وصفه ببساطة "جنس عبر الإنترنت | كاميرا جنسية".
وتمكنت صحيفة الغارديان باستخدام خدمات أرشفة الإنترنت ومعلومات سجلات النطاق، من التأكد من أن اسم المستخدم Ariel1238a يعود إلى آريل الكاراس، بائع مجوهرات في الثلاثينات من العمر يعمل عبر الإنترنت ويعيش في ريف تل أبيب.
وبعد وقت قصير من تواصل الغارديان مع الكاراس من أجل التعليق، أُغلقت العديد من المواقع الإلكترونية الخاصة بالشبكة أو أُزيل كم ضخم من محتواها. كما حُذفت المنشورات العامة الموجودة على ملفه الشخصي على فيسبوك.
ولم يرد الكاراس على العديد من الطلبات التي أرسلتها الصحيفة للتعليق، سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف، ولكن الصحيفة تمكنت من تتبعه والوصول إليه.
عندما وصلوا إلى شقته في بلدة بالقرب من تل أبيب، فتحت امرأة مسنّة الباب، ونادت على الكاراس، الذي ظهر مرتدياً قميصاً خفيفاً وسروالاً رياضياً.
ومن خلال مترجم، أنكر الكاراس معرفته أو تورطه في الشبكة ولكنه قال إنه "كان ضمن مجموعة، شيء ما عن إسرائيل". ورفض الإجابة على الأسئلة الخاصة بوظيفته، بخلاف تأكيده أنه يعمل عبر أجهزة الكمبيوتر. وقال: "نعم، ولكن هذا ليس من شأنكم. لا علاقة لي بهذه الشبكة".
وعندما سأل مراسلو الصحيفة عن اسم المستخدم Ariel1238a، قال: "لا أعرف". وأغلق الباب، ولكنه اتبع المراسل في الشارع ليسأله كيف عثرت الصحيفة عليه.
الكاراس كان الشخص الوحيد الحقيقي الذي تمكنت الغارديان من ربطه بهذه الشبكة. ولا يمكن التأكد من أن روتشال أو تيهيلا أو أي من الأسماء الأخرى التي استخدمت عبر ملفات فيسبوك شخصية للتواصل مع أصحاب الصفحات اليمينية تحمل أسماء أشخاص حقيقيين.
الرسائل التي حصلت عليها الصحيفة تُظهر روتشال تقول لمالك الصفحة الأصلي إنها لا تعلم كيف تجني المال عبر الإنترنت ولا تعلم من يدير المواقع التي تنشر منها المحتوى.
وكتبت: "أشارك فقط المنشورات على صفحتك لأنني أجد هذه المواضيع مهمة جداً بالنسبة لي".
بينما ديفيتو، بعد أن وصف تيهيلا في البداية بـ"شبيهة باميلا غيلر"، عاد واعترف انه لم يرها أو يتحدث إليها فعلياً. وبسؤاله كيف عرف أنها شخص حقيقي، قال: "لا أعرف، الحقيقة المرة أنني لا أعرف".
من بين أصحاب الصفحات الذين استجابوا إلى طلبات التعليق المرسلة من صحيفة Guardian، زعم واحد فقط أنه رأى تيهيلا فعلياً عبر محادثة سكايبي، ولكنه رفض تقديم دليل على ذلك. وبسؤاله إن كان واثقاً من أنه كان يتحدث إلى امرأة، أجاب صاحب الصفحة، الذي رفض الكشف عن هويته: "بالتأكيد كانت تبدو امرأة".
ولم يكن يدرك أي من أصحاب الصفحات الذين تحدثت إليهم الصحيفة بأن هناك مجموعة إسرائيلية تجني المال من خلالهم، أو أن صفحاتهم كانت جزءاً من شبكة أكبر.
قال مشرف إحدى الصفحات المؤيدة لترامب في نيجيريا للصحيفة: "لم يصرّحوا بأي شيء عن ذلك، حسبما رأيت، لم يكن هناك أي كلام عن المال".
التأثير السياسي وإخفاقات فيسبوك
في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، جلس زوكربيرغ أمام جيش من الكاميرات واعترف بخطئه أمام العالم.
قال زوكربيرغ إن فيسبوك، الذي لا يزال يترنح منذ فضيحة كامبريدج أناليتيكا، خذل مستخدميه. كافحت الشركة من أجل إيقاف استخدام منصتها في خلق تدخلات سياسية منظمة ونشر المعلومات المضللة والكراهية.
وقال زوكربيرغ: "من الواضح الآن أننا لم نفعل ما يكفي لمنع استخدام أدواتنا التي وفرناها لدعم التواصل لإلحاق الضرر بالمستخدمين، ولم تكن لنا رؤية واسعة بما يكفي عن مسئوليتنا، وكان ذلك خطأً كبيراً. كان خطئي".
وبعد شهرين، تمكنت الشبكة الإسرائيلية من الوصول إلى صفحتها اليمينية الثالثة عشرة على فيسبوك، لتتسع قاعدة جمهورها الكبير الفعل الذي يستقبل كل أخبارها ومعلوماتها المضللة والمغلوطة، فقد عملت الشبكة بحصانة كاملة نسبياً على مدار عامين.
يقول ديفيتو عن مشرف/مشرفة الصفحة الإسرائيلي: "صدقوا أو لا تصدقوا، لم تفعل أي شيء يورّط الصفحة في مشكلات. لم يصلني أي شيء على فيسبوك على شاكلة 'لقد نشرت محتوى غير مناسب ينتهك معايير مجتمعنا' أو أي شيء من هذا القبيل. لقد كنت محظوظاً جداً بهذا الأمر".
ومع زيادة حجم الشبكة، زادت قدرتها على التأثير في تفكير الناخبين. ومع اقتراب موعد الانتخابات الأسترالية في مايو/أيار، كانت الصفحات تعمل بمثابة منصات يمينية هائلة للمرشحين اليمينيين، مثل حزب "أمة واحدة" وفريزر أننغ، عضو مجلس الشيوخ الذي نال انتقادات على نطاق واسع بسبب دعوته إلى "حل نهائي" للهجرة.
ودعمت الشبكة أننغ وحزب "أمة واحدة" بـ401 منشور نالت 82,025 إعجاباً، و18,748 تعليقاً، و33,730 مشاركة.
وقال جيس آشبي، المتحدث باسم حزب "أمة واحدة" إن الشبكة لم تخدم الحزب، وإن معدل التفاعل على صفحة بولين هانسون الشخصية، مؤسسة وزعيمة الحزب، أعلى بكثير. وقال: "أعتقد أن 401 منشور المُشار إليها اجتذبت أعداداً هامشية جداً من الإعجاب والمشاركة والتعليقات بالمقارنة".
وقال المتحدث باسم أننغ إنه لم يكن على علم مسبق بالشبكة ولا يعتقد أنها ساعدت أننغ في حملته الانتخابية.
وتكرر نفس الأمر في كندا. في السباق الانتخابي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، نشرت الشبكة 80 منشوراً منسقاً تنتقد من خلالها رئيس الوزراء ترودو، نالت 30,000 إعجاب أو تعليق أو مشاركة.
وفي بريطانيا، هاجمت الشبكة كوربين بضراوة. منذ منتصف عام 2016، نشرت الشبكة أكثر من 510 منشورات منسقة تهاجم فيها زعيم حزب العمال، نالت 15.384 إعجاباً، و17,148 تعليقاً، و16,406 مشاركات.
ويعد نشاط الشبكة الذي كشفت عنه الغارديان مثالاً صريحاً لتعريف فيسبوك الخاص بـ"النشاط الزائف المُنسّق".
وأوضح ناثانيل غليتشر، مسؤول سياسة الحماية في فيسبوك، العام الماضي: "السلوك الزائف المُنسّق هو عندما تعمل مجموعة من الصفحات أو الأشخاص معاً لتضليل الآخرين بشأن هويتهم أو ما يفعلونه". وأضاف: "يمكننا أن نحظر هذه الشبكة لأنها جعلت نفسها تبدو وأنها تعمل من جزء معين في العالم، بينما في الحقيقة تعمل من جزء آخر تماماً".
وأضاف: "قد يكون ذلك لأغراض أيديولوجية أو قد يكون الدافع ماديّاً. على سبيل المثال، يسعى العديد من مرسلي الرسائل المزعجة إلى إقناع الأشخاص بالنقر على رابط لزيارة صفحتهم أو قراءة منشوراتهم".
ولكن فيليريل قال إنه لم يتلق أي شيء من فيسبوك منذ بدأت المشرفة الإسرائيلية نشر المحتوى على صفحته.
وقال: "لم أتلق أي إشعارات من فيسبوك أو أي شيء مشابه بخصوص المحتوى الذي يُنشر على الصفحة؛ لا حسابات مزيفة ولا أي انتهاكات مجتمعية ولا أي شيء من هذا القبيل".
أخبار مزيفة وعواقب حقيقية
في شهر مارس/آذار من هذا العام، اتصل باتريك كارلينيو، 55 عاماً، المؤيد لترامب بمكتب إلهان عمر، عضوة مجلس نواب مينيسوتا عن الحزب الديمقراطي.
وبعدما وصل إلى أحد الموظفين في مكتبها، اتهم النائبة بأنها إرهابية قبل أن يقول للموظف: "لماذا تعمل من أجلها؟ إنها إرهابية لعينة. يجب أن يطلق عليها أحد النار. كان أجدادنا يطلقون على أمثالها النار".
وأدين كارلينيو بسبب هذه المكالمة الشهر الماضي، واكتشفت Guardian أنه كان ينشر محتوى عنيفاً وعنصرياً على فيسبوك منذ سنوات بلا أي مشكلة. في شهر أبريل/نيسان، كشفت الصحيفة كيف استخدم منصة فيسبوك مراراً وتكراراً للسخرية من المسلمين، والهجوم عليهم بإهانات عنصرية، حتى قال إنه يتمنى مواجهة مجموعة من السياسيين المسلمين بـ"دلو من دماء الخنزير".
لم تكن هذه المكالمة حادثاً فردياً. إلهان عمر، الأمريكية الصومالية، 37 عاماً، واحدة من أولى النساء المسلمات في مجلس النواب وأول من ترتدي الحجاب في المجالس التشريعية. ومنذ انتخابها، أصبحت تجتذب موجات عنيفة من هجمات اليمينيين.
ودفع المعارضون السياسيون بنظريات المؤامرة وشاركوا محتوى مسيئاً وعنيفاً عن النائبة على الوسائط الاجتماعية. وفي شهر أبريل/نيسان، قالت النائبة إنها تلقت عدداً متزايداً من تهديدات القتل بعدما اتهمها دونالد ترامب بالاستهانة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول.
كما تعتبر إلهان عمر الهدف المتكرر لهجوم "الشبكة". خلال العامين السابقين، نشرت المجموعة الإسرائيلية أكثر من 1,400 منشور تستهدف إلهان عمر على صفحاتها الـ21، و"شوركت" هذه المنشورات أكثر من 30,000 مرة.
وقالت عمر لصحيفة Guardian: "قلت من قبل وسأقول مجدداً: تعجرف فيسبوك يهدد ديمقراطيتنا. أصبح من الواضح أن المنصة الرقمية لا تتخذ أي إجراءات جادة تجاه خطابات الكراهية التي يبثها القوميون البيض والمعلومات المضللة الخطيرة التي ينشرونها في هذه البلاد وحول العالم. والسبب واضح؛ إنهم يتربحون من ذلك. أعتقد أن هذا التقاعس يمثل تهديداً خطيراً لحياة الناس وديمقراطيتنا والديمقراطية في جميع أنحاء العالم".
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وجدت دراسة كبرى عن الإسلاموفوبيا (رهاب وكراهية الإسلام)، أجرتها جامعة تشارلز ستورت في أستراليا، زيادة هائلة في الهجمات العنيفة التي يتعرض لها أشخاص مسلمون، خاصة النساء اللاتي يرتدين الحجاب.
وقالت مهرين الفاروقي، الهدف المتكرر للإساءات سواء عبر الإنترنت أو وجهاً لوجه، إن اليمين المتطرف يعتمد على الوسائط الاجتماعية "لإضفاء الشرعية على الكراهية والاستقطاب".
وقالت: "تتعرض العديد من النساء المسلمات في المجال السياسي للعنصرية والكراهية، لذا انتهى بي الأمر هدفاً للكثير من محتوى الكراهية والعنصرية".
وأضافت: "لقد تعرضت إلى زيادة ضخمة في المحتوى العنصري والإساءات عبر التعليقات في الوسائط الاجتماعية، والرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية وحتى خطابات مكتوبة بخط اليد منذ أن أصبحت شخصية عامة. لا شك لديّ في أن العديد من الأشخاص وراء هذه الرسائل يُحرضون ويُشجعون على ذلك بواسطة أشخاص آخرين على الوسائط الاجتماعية وصفحات فيسبوك".