السنوات العشر الماضية شهدت تبدلات كثيرة في التحالفات العسكرية حول العالم، كما شهدت حروباً كثيرة ومتنوعة أفرزت جبهات كان من الصعب تخيلها، فما أبرز تلك الحروب، ومن الطرف الأكثر ربحاً فيها، ومن الأكثر خسارة؟
موقع بيزنيس إنسايدر الأمريكي أعد تقريراً حول القصة بعنوان: "7 حروب حددت معالم هذا العقد وغيرت طريقة القتال في العالم".
تحالفات جديدة وتحديات مقلقة
شكَّل العقد الماضي اختباراً للتحالفات العسكرية وجلب تحديات لم يكن ليتخيلها كثيرون، رغم أن مبادئ الصراع لا تتغير أبداً من عدة نواحٍ؛ إذ هناك دائماً عدو ينبغي القضاء عليه، وعواقب ذلك تكون وخيمة دائماً. غير أنه في العقد الماضي، أعادت التكنولوجيا تحديد معالم خوض معظم صراعاتنا.
وسواء كان ذلك من خلال الذكاء الاصطناعي أو نشر المعلومات الخاطئة أو الصواريخ التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، كانت التطورات التكنولوجية السريعة هي ما حدد معالم الصراعات في هذا القرن، إلى جانب التلاعب بالتكنولوجيا المُصمم للاستخدامات المدنية.
وبداية بالتهديدات النووية من جانب كوريا الشمالية، ووصولاً إلى ساحة المعركة الفوضوية في سوريا، نعرض فيما يلي الصراعات التي حددت معالم هذا العقد.
أوكرانيا تصير مختبراً للأعمال الحربية الروسية المتقدمة
قال جورج كينت -مسؤول وزارة الخارجية الأمريكية الذي أدلى بشهادته خلال التحقيقات المتعلقة بعزل الرئيس ترامب فيما يتعلق بممارسة الأخير ضغوطاً على أوكرانيا لارتكاب دناءات سياسية- في حديثه إلى موقع Military Times في يوليو/تموز الماضي، إن روسيا تختبر قدراً كبيراً من معداتها الحربية وأساليبها على جارتها أوكرانيا.
وأوضح قائلاً: "أوكرانيا مختبر لتجربة التقنيات والإجراءات"، ووصف كينت أيضاً، الذي يشغل منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، ما يحدث على جبهة الصراع الأوكراني الروسي بأنها مدرسة "قنص"، وقال عنها: "إنهم موجودون على الخطوط الأمامية مع أوكرانيا. ومعظم المعدات التي يطورونها ونراها في أي مكان، بما ذلك سوريا، تتم تجربتها في أوكرانيا أولاً".
وقد دوّنت البرقيات التي وصلت من كنت توغلات روسيا في أوكرانيا بدايةً من عام 2014، وفي ذلك الوقت، كانت ثورة شعبية قد أطاحت بالحكومة الأوكرانية الموالية لروسيا في كييف، ما أقلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ضمت روسيا إليها شبه جزيرة القرم في 2014، ودعمت -ولا تزال تدعم- الميليشيات الانفصالية في منطقة دونباس، الواقعة على الحدود الأوكرانية الروسية، بل إن بعضاً من مقاتليها اختلطوا في صفوف تلك القوات، بحسب صحيفة The Washington Post.
وأوفدت روسيا مرتزقة تابعين لمجموعة فاغنر للقتال في أوكرانيا، وهو أسلوب تستغله وتنشره بشكل استراتيجي لتعزيز نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط، ويُقال إن مجموعة فاغ١نر الآن تنفذ عملياتٍ في سوريا وليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.
استخدمت روسيا أيضاً أساليب الحرب الهجينة، مثل نشر المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على عدم الثقة في الحكومة وحشد دعم سيطرة روسيا على المناطق المُتنازع عليها، وهو ما تنبأت به حملة التدخل الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، بحسب ما أفادت به صحيفة The Washington Post العام الماضي.
مستنقع الحرب الأهلية الممتد في سوريا
امتد الصراع السوري ثمانية أعوام، مجتذباً أطرافاً متباينة على غرار روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، وذلك إلى جانب خلق الوضع المثالي لظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وصارت أيضاً حقلاً آخر لاختبار التكتيكات الحربية والتكنولوجيا، ففي ظل كسب روسيا، التي تدعم نظام الأسد، نفوذاً أكبر فيها، صارت سوريا مكاناً لاختبار التكنولوجيا الروسية الجديدة.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب عام ألقاه العام الماضي: "سوريا ليست ميدان رماية لاختبار الأسلحة الروسية، لكننا لا نزال نستخدم أسلحتنا الجديدة هناك أيضاً".
وأضاف: "عندما بدأنا استخدام الأسلحة الحديثة، بما في ذلك الصواريخ، ذهبت فرق كاملة من شركاتنا المتخصصة في الصناعات الدفاعية إلى سوريا، وهناك في الميدان عملوا على استكمالها -وهو أمر في غاية الأهمية لنا- ومعرفة ما يمكننا الاعتماد عليه عند استخدام هذه الأسلحة في ظروف القتال".
ومن جانبها، أفادت وكالة الأنباء الحكومية الروسية TASS في 2018 بأن روسيا اختبرت 210 أسلحة في سوريا في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وقال يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء الروسي، للإعلام هناك، إن الجيش الروسي بدأ في استخدام قنابل توبوليف تي يو-160 فوق الصوتية، ونظام الصواريخ الباليستي إسكندر-إم، ونظام الدفاع الجوي أرض-جو بانتسير-إس1 في سوريا.
لكن الابتكارات سلكت الطريق الآخر أيضاً؛ إذ بدأ الجيش الروسي يُطوّر طائرات مسيرة صغيرة مزودة بالمتفجرات، بعد أن رأى داعش تستخدمها في سوريا.
وفي الصراع الذي تحوّل من كونه انتفاضة شعبية ضد الأسرة الديكتاتورية الحاكمة، اندلعت في خضم الوهج الأول للربيع العربي، لتصير مرادفاً لليأس والإحباط والتشرد والقسوة، لا يزال بشار الأسد- الذي يتوغل نظامه باستمرار في أعماق اللاإنسانية- في السلطة، وما يبعث على الذهول، أنه نتيجة الفشل الأخير للسياسة الأمريكية، يوشك الأسد على استعادة السيطرة على معظم المناطق التي خسرها أمام الثوار أولاً، ثم أمام داعش، ثم القوات التي قادها الأكراد بدعم من القوات الأمريكية.
داعش غيّر قواعد اللعبة
بينما يصمم تنظيم داعش على إعادة أتباعه إلى العصور الوسطى، استخدم التنظيم نهجاً حديثاً تماماً في تجنيد أتباعه، معتمداً بشكل كبير على وسائل التواصل الإجتماعي للوصول إليهم، وخاصة من يعيشون في الغرب.
وقد اتخذت شركات التواصل الاجتماعي الأكبر حجماً، مثل تويتر، إجراءات صارمة ضد الحسابات التابعة للتنظيم منذ بداية ازدهاره في 2014، غير أنه انتقل إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي المشفرة مثل تليغرام؛ وهي منصة محادثات مشفرة. وقد أفادت شبكة CBS في عام 2019 بأن هجمات باريس الإرهابية التي وقعت عام 2015، خُطط لها عبر ذلك التطبيق.
يُعد التطبيق رائجاً، لأنه يدّعي أنه آمِن، وفقاً لدانيال بايمان، الزميل البارز في مؤسسة بروكينغز التابعة لمركز سياسة الشرق الأوسط ومؤلف كتاب Road Warriors: Foreign Fighters in the Armies of Jihad، إذ يقول: "من غير المتوقع أن ينفذ تليغرام إجراءات صارمة" سواء ضد داعش أو أعضائه كشركات التواصل الأخرى.
وقد كانت هناك جهود مُنسقة لحذف قنوات داعش من تطبيق تليغرام، غير أنها لم تحظ بنجاح كبير، وفقاً لمقال نُشر في مجلة Wired، ويصف الباحثان تشارلي وينتر وأمارناث أماراسينغام شبكات داعش الوهمية التي ظهرت بعد أن نجحت وحدة الإحالة عبر الإنترنت في الاتحاد الأوروبي في إحباط الدعاية الرئيسية لداعش وحسابات أتباعه على مدار الأسبوع، وظهرت أيضاً على الأقل بعض الحسابات المنتمية إلى داعش في شبكة TamTam.
وقد وصفت روكميني كاليماشي، الصحفية في "نيويورك تايمز"، في حديثها إلى مجلة Wired عام 2016، كيف أنها تتبع القصص المتعلقة بداعش وأعضائه على الإنترنت، قائلة إن التنظيم أخرج معلومات على عدة قنوات بالتزامن ليصل إلى الجهاديين المحتملين، أو استخدام هذه القنوات لنشر مقاطع فيديو دعائية مروعة. وقالت: "لقد صاروا بارعين للغاية في ذلك، لدرجة لاتُصدق".
حرب دوتيرتي على المخدرات
دفع الرئيس رودريغو دوتيرتي بنفسه إلى الرئاسة في عام 2016 من خلال وعده بالقضاء على مشكلة المخدرات في الفلبين، لكن طريقته في تنفيذ ذلك -إذ قتل الآلاف خارج إطار القانون- أثارت رد فعل من جانب الأمم المتحدة، التي دعت إلى إجراء تحقيق في الطرق الوحشية التي تنتهجها حكومته.
تقتل الفلبين -حليفة الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي- مواطنيها دون محاكمات عادلة، وتعترف الحكومة نفسها بقتل حوالي 5 آلاف شخص في إطار هذا المسعى، لكن مجموعات حقوق الإنسان تقول إن العدد الحقيقي يفوق ذلك بأضعاف.
وقد ألقت السلطات أيضاً القبض على الناقدين لها، إذ أُلقي القبض على ماريا ريسا، التي تعمل في منظمة Rappler الإخبارية، عدة مرات أثناء خروجها ودخولها الفلبين عقب تقرير ناقد كتبته عن حكومة دوتيرتي وحربها على المخدرات.
وكشفت ماريا بنفسها عن حملات تنشر معلومات كاذبة عنها على موقع فيسبوك، وكانت تلك لها صلة بحكومة دوتيرتي، بحسب تقرير The Washington Post المنشور في مطلع هذا العام.
ففي الفلبين، حيث يستخدم 95% من المتصلين بالإنترنت موقع فيسبوك، تزيد القدرة على نشر معلومات مضللة واستهداف أفراد بعينهم مثل ماريا وصحفيين آخرين.
صار فيسبوك سلاحاً يزداد قوة لصالح حرب دوتيرتي على المخدرات، وحربه على الحقيقة، وبحسب ما أفاد به موقع BuzzFeed في العام الماضي، فإن الكثيرين من الفلبينيين يستخدمون فيسبوك في معرفة الأخبار لمجانيته، وقد استغل دوتيرتي وحكومته ذلك لصالحهم لحشد الدعم لسياساته الوحشية وتدمير خصومه.
الصين تقطع شوطاً في سبيل التفوق على الجيش الأمريكي
برزت الصين بوصفها منافساً مهماً للولايات المتحدة في ميدان المعارك، وفي حين لا يملك جيش التحرير الشعبي الصيني نفس القدر من الأسلحة مثل الجيش الأمريكي -إذ يحتل المركز الثالث في قائمة موقع Global Firepower لأقوى الجيوش في العالم، بينما يحتل الجيش الأمريكي المركز الأول- يحذر الخبراء من أن الصين تقترب من جيش الولايات المتحدة بسرعة وعلى وشك التفوق عليه من الناحية التكنولوجية.
وفي فعالية تابعة لمجلس العلاقات الخارجية قال الأميرال المتقاعد، ويليام مكرافن، الذي أشرف على هجوم قوات الصاعقة على مقر أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان، إن الولايات المتحدة تواجه "لحظات سيئة" بسبب التوسع السريع والشامل للتكنولوجيا في الصين. وتهيمن الصين الآن على مجال شبكات اتصال الجيل الخامس 5G والذكاء الاصطناعي، وتتقدم في تطويرها للأسلحة فوق الصوتية.
يتصادف تفوق الصين في ميدان المعركة مع هيمنتها الاقتصادية واستراتيجيتها العنيفة التي تشمل تمويل الحكومة للأبحاث والتطوير. لكن الصين أيضاً اتُهمت بسرقة معلومات سرية خاصة بالأمن القومي من الولايات المتحدة.
ويقول مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي، عن استراتيجية الصين فيما يُدعى بسرقة أو نسخ خطط الأسلحة مثل المقاتلة الشبح F-35 إنها "أكبر سرقة ملكية فكرية في تاريخ البشرية".
كوريا الشمالية تقترب من حافة الحرب مع الولايات المتحدة
منذ صعد كيم جونغ أون إلى السلطة في عام 2011، ليخلف أباه كيم جونغ إل، أرسل زعيم كوريا الشمالية إشارات تهديد متزايدة إلى الولايات المتحدة، وذلك بتطويره الأسلحة النووية واختبارها.
أشرف كيم على أربعة اختبارات لأسلحة نووية خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى التطورات المهمة والسريعة المُبلغ عنها في إطار برنامجها النووي، بما في ذلك القُدرة على تصغير حجم الرؤوس الحربية -حسبما يُقال- وتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات يمكنها -على حد زعم كوريا الشمالية- أن تضرب الولايات المتحدة.
ونظراً لتعطل المحادثات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة تحت حكم ترامب، بعثت الأولى برسائل تهديد إلى الأخيرة، مشيرة إلى أن الوقت يداهم الولايات المتحدة فيما يتعلق بتقديم الشيء الذي تريده كوريا الشمالية، مثل تخفيف العقوبات أو الوعد بتقليل الوجود العسكري في شبه جزيرة كوريا، قبل أن تعود الدولة المنعزلة إلى مزيد من الاختبارات الخطيرة.
استراتيجية إيران في استخدام الميليشيات
كان حزب الله، الميليشيا المعروفة التي تعمل بالوكالة لصالح إيران، موجوداً في لبنان ينفذ العمليات منذ الثمانينيات، وتمتع هناك بنفوذ لا جدال فيه داخل الحكومة وفي الصراع مع إسرائيل.
غير أنه في العقد الماضي، كانت إيران تتدخل بنفسها في صراعات إقليمية مدمرة لتوطيد نفوذها والدخول في صراعات بالوكالة مع خصميها الإقليميين: إسرائيل، والسعودية.
بدأت عناصر حزب الله تتدفق إلى سوريا في عامي 2013 و2014 بالأساس لدعم نظام الأسد، الذي يُشكل "قناة حيوية بين إيران وحزب الله"، ما سمح بوصول المال والمعدات الإيرانية إلى حزب الله، لكن ذلك وفر أيضاً موقعاً آمناً للتدريب وتخزين الأسلحة، وفقاً لتقرير أصدره معهد دراسة الحرب في 2014.
وفي اليمن، تدعم إيران المتمردين الحوثيين ضد الحكومة المُعترف بها دولياً التي تدعمها السعودية، وذلك على مدار خمسة أعوام من الحرب الأهلية التي تحولت إلى كارثة إنسانية، وصلت خسائر الأرواح فيها إلى حوالي 100 ألف، إلى جانب تفشي الأمراض والجوع والفقر بين المواطنين.
وفي العراق، تحارب الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران تحت راية قوات الحشد الشعبي، وقد كانت هناك بعض المحاولات لدمجها في القوات العراقية النظامية، غير أنها لم تكن ناجحة إلى الآن، أو حققت نجاحاً هامشياً فقط.
تمتلك قوات الحشد الشعبي -ومن ثم إيران- نفوذاً متضخماً داخل السياسات العراقية، وهو ما يثير قلق العديد من المواطنين العراقيين، وأدى أيضاً إلى خروج المظاهرات في أنحاء البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.