غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واشنطن، أمس الإثنين 2 ديسمبر/كانون الأول، متوجهاً إلى المملكة المتحدة في زيارة تستغرق يومين لحضور لقاء قادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في الوقت الذي تدخل فيه تحقيقات مجلس النواب الرامية لعزل الرئيس مرحلة جديدة.
وعادةً ما يكون ترامب عنصر المفاجأة خلال اجتماعات الناتو، فقد سبق وانتقد الحلف ودفع الدول الأعضاء لزيادة مساهماتها المالية. وإليكم 5 أشياء علينا الانتباه لها خلال القمة الحالية، كما نشرت صحيفة The Hill الأمريكية:
هل تُخيِّم تحقيقات العزل بظلالها على الرحلة؟
- كانت تحقيقات العزل الشغل الشاغل لترامب، الذي غرَّد عقب مغادرته البيت الأبيض متوجهاً إلى لندن إنَّه "ليس من اللطف" أن يحدد الديمقراطيون موعد جلسة استماع للجنة القضائية التابعة لمجلس النواب في نفس اليوم الذي من المقرر أن يسافر فيه للخارج لحضور الاجتماعات.
- ويرفض البيت الأبيض المشاركة في الجلسة، ويتهم الديمقراطيون بحرمان ترامب من الإجراءات القانونية العادلة. وفي الخطاب الذي أعرب فيه البيت الأبيض عن رفض المشاركة، اتهم مستشار البيت الأبيض بات سيبللوني، رئيس اللجنة القضائية النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك جيرولد نادلر بتحديد موعدها عمداً لتتداخل مع موعد اجتماعات الناتو.
- ومن المقرر أن يعقد ترامب، الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول، اجتماعات مع زعماء ألمانيا وإيطاليا والدنمارك، من بين دول أخرى. لكنه غالباً ما يركز خلال مثل هذه الاجتماعات على عناوين الأخبار في المحطات التلفزيونية، ومن المرجح أن يتعرض لضغوط شديدة لتجنب إجراء مداخلات هاتفية أثناء فترات الراحة في جدول أعماله للقمة.
هل سيمتنع ترامب عن التدخل في الشؤون السياسية البريطانية؟
- يأتي هذا التجمع قبل عشرة أيام من الانتخابات التشريعية المحورية المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول في المملكة المتحدة، ومن المرجح أن يختبر هذا قدرة ترامب على تجنب التدخل في المشكلات الداخلية لبلد أجنبي.
- ومن غير المتوقع أن يعقد ترامب، الذي لا يحظى بشعبية داخل المملكة المتحدة، اجتماعاً ثنائياً مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي يأمل في أن تعطي الانتخابات التشريعية لحزبه المحافظ دفعة في الوقت الذي يسعى فيه لإتمام انفصال دولته عن الاتحاد الأوروبي.
- وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ ترامب "يدرك تماماً أنه يجب عدم التطرق إلى انتخابات البلاد الأخرى". لكن الرئيس لم يخفِ تفضيله لجونسون، حيث تحدث بحرارة عنه خلال مقابلاته، وانتقد أحد منافسيه الرئيسيين، زعيم حزب العمل جيريمي كوربين.
- من جانبها، قالت هيذر كونلي، الخبيرة في شؤون أوروبا في مجموعة الدراسات الاستراتيجية الدولية البحثية: "يمكن أن يسبِّب الرئيس ترامب أثراً مدمراً لا يُصدَّق على الانتخابات العامة في المملكة المتحدة. ففي الواقع، كانت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من هذه المحادثة في الانتخابات، وخاصة في ما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة المحتملة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة".
- لكن لم تستبعد مستشارة البيت الأبيض كيليان كونواي، في تصريحات أمس الإثنين 2 ديسمبر/كانون الأول، عقد لقاء بين ترامب وجونسون على هامش القمة، قائلة إنَّ الجدول الزمني للرئيس لم يتحدد بالكامل. وقالت كيليان كونواي: "على حد علمي، لم ينتهِ إعداد جدول أعمال الرئيس بالكامل بالنسبة للأحداث المماثلة. ففي بعض الأحيان، يكون لديك لقاءات هامشية، وفي بعض الأحيان يكون لديك اجتماعات رسمية".
توترات تشتعل سراً في الناتو
- تجدر الإشارة إلى أنَّ ترامب ليس الزعيم الوحيد الذي يتوجه إلى قمة الناتو وتحيط به موجة من الجدل. إذ وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحالف بأنه يمر بحالة "السكتة الدماغية"، في مقابلة حديثة مع مجلة The Economist البريطانية، وحذَّر من تراجع التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أعضاء الناتو.
- ومن المقرر أن يعقد ترامب لقاءً ثنائياً مع ماكرون، الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون، وكذلك اجتماعاً ثنائياً آخر في اليوم التالي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كان الرئيس قد هاجمها في اجتماعات سابقة لحلف الناتو بشأن مشروع خط أنابيب غاز.
- وقال مسؤول كبير في الإدارة: "هذا جزء من وجود تحالف يضم 29 دولة ديمقراطية، وستصبح قريباً 30 دولة. لكن وراء صخب جميع تلك السياسات الديمقراطية، أعتقد أنَّ أعضاء التحالف متفقون تماماً بلا شك على أهداف التزاماتهم المشتركة في هذا الحلف".
- وكانت الولايات المتحدة قد قلَّصت مساهمتها في التكاليف والاستثمارات الإدارية للحلف، وهو قرار وصفه الخبراء بأنه خطوة رمزية إلى حد كبير تضع التزام الولايات المتحدة نحو الحلف على قدم المساواة مع ألمانيا.
- واشتكى الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً من أنَّ الولايات المتحدة تتحمل عبئاً دفاعياً غير عادل من حلف الناتو، وحث أعضاءه على زيادة مساهماتهم في الإنفاق الدفاعي. وحقق هذا الجهد نجاحاً كبيراً، حتى أنَّ الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرغ أرجع الفضل إلى ترامب في زيادة الدول الأعضاء الأخرى التزاماتها نحو الحلف.
- كما نسب ترامب مؤخراً الفضل لنفسه في زيادة الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي. إذ كتب في تغريدة: "في العقود الثلاثة السابقة لانتخابي، تراجع إنفاق الناتو بمقدار الثلثين، ولم يكن يوفي سوى 3 أعضاء في الحلف بالتزاماتهم المالية. لكن منذ توليت منصبي، ارتفع عدد حلفاء الناتو المُوفِّين بالتزاماتهم لأكثر من الضعف، وزاد إنفاق الناتو بمقدار 130 مليار دولار!".
- وكانت اجتماعات الناتو السابقة بؤرة ساخنة للجدل، إلى جانب أنَّ حالة عدم اليقين إزاء مستقبل الحلف أسهمت في تأجيج الخلافات. من جانبها، قالت أماندا سلوت، زميلة كبيرة في معهد بروكينجز الأمريكي: "هناك شعور عام بأنَّ الاجتماع أُوجِز في محاولة للحد من الخلافات التي شهدناها في القمم السابقة"، مشيرة إلى أنَّ الاجتماع سيتبع جدولاً زمنياً قصيراً مدته يومين، ولا يوصف بأنه قمة كاملة.
ما القضايا العالمية التي تتصدر اجتماع الناتو؟
- سيكون لدى أعضاء الناتو المعارضين للعملية العسكرية التركية في سوريا الفرصة لمواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويُحتمَل أيضاً أن تُطرَح مسألة شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية "إس-400" للنقاش، التي جاءت بعد أسابيع من استقبال ترامب لأردوغان في البيت الأبيض.
- وفي هذا الصدد، علَّق مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني: "أعتقد أنَّ الرئيس أردوغان سيسمع من العديد من أعضاء التحالف تعبيرات عن القلق بشأن تفعيل رادار منظومة إس-400. كنا صريحين للغاية معه أنَّ هذا الرادار لا يتوافق مع الالتزامات المفروضة على تركيا باعتبارها عضواً في حلف الناتو، ولا سيما مشاركتها على المستوى الثنائي في منظومة إف-35. وستُؤكَّد هذه الرسالة عبر التحالف".
- إلى جانب هذا، فعلى الرغم من أنَّ العدوان الروسي موضوع دائم الوجود على طاولة اجتماعات الناتو، لكن قد ينتهي به الأمر إلى التراجع خلف قضايا أخرى، منها سوريا والتهديدات الأمنية المتنامية والإنفاق الدفاعي.
هل سيتمكن ترامب من الالتزام بفحوى خطابه؟
- سيحظى خطاب ترامب خلال الحدث الذي يستمر يومين بمتابعة دقيقة، ويرى بعض المراقبين ومسؤولي الإدارة الأمريكية أنه فرصة ينبغي أن ينتهزها ترامب ليبرهن أنه يعمل بجد بينما يركز الديمقراطيون على عزله.
- وهنا، قالت هيذر كونلي: "أعتقد أنَّ هذه الرحلة فرصة للرئيس ترامب ليبتعد عن تحقيقات العزل، ويركز على ما بِّت أعتقد أنه يعتبره نجاحاً لسياسته الخارجية الخاصة"، في إشارة إلى مساعيه لدفع أعضاء الناتو الآخرين لزيادة إنفاقهم الدفاعي.
- لكن رحلات ترامب الخارجية غالباً ما تتخللها تصريحات مثيرة للجدل. فعلى سبيل المثال، ركز ترامب خلال زيارته الرسمية لليابان على انتقاد جو بايدن، وشملت رحلته إلى مدينة نورماندي الفرنسية الاعتذار عن زيارة مقبرة ضحايا الحرب العالمية الأولى، وشن هجوم على المستشار الخاص السابق روبرت مولر، فيما بدأ رحلته الأخيرة إلى لندن بتغريدة هاجم فيها عمدة لندن صادق خان.
- وإذا حدث واتخذت اجتماعات الناتو منحى خاطئاً، فقد يسارع ترامب لإلقاء اللوم في ذلك على مصادر التشتيت الداخلية، تماماً مثلما فعل في وقت سابق من العام الجاري. إذ قال ترامب إنَّ جلسة استماع للجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب مع محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين هي السبب في انهيار محادثات نزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية في فبراير/شباط. وتزامنت جلسة الاستماع الشائكة في واشنطن مع زيارة ترامب لفيتنام للقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.