تحضر السعودية الاجتماع الذي تشهده فيينا هذا الأسبوع للدول المنتجة للنفط التابعة لمنظمة أوبك في ظل ظروف خاصة بها مرتبطة بالملف الأهم للمملكة وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو طرح شركة أرامكو، والهدف هو رفع أسعار النفط أو على الأقل الحفاظ على مستوياتها الحالية، لكن التحديات كبيرة ومتشعبة، فما أبرز تلك التحديات؟
صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية نشرت تقريراً حول القصة بعنوان: "5 أشياء مرتقبة في اجتماع أوبك الذي سيعقد في الأسبوع الجاري"، تناولت فيه تلك التحديات.
متى يعقد اجتماع أوبك؟
من المقرر أن تجتمع الدول المُنتِجة للنفط التابعة لمنظمة أوبك في فيينا يوم الخميس المقبل 5 ديسمبر/كانون الأول، وسينضم إليها وزراء من روسيا ودولٍ أخرى مُصدِّرة للنفط يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول. وتريد هذه الدول التوصُّل إلى اتفاق حول كيفية إدارة إنتاجها من النفط في العام المقبل 2020. وبالرغم من وجود قلق بشأن ضعف الطلب العالمي على النفط وارتفاع معدل الإنتاج في الولايات المتحدة، فإنَّ بعض الدول تعتبر مستوى سعر خام برنت الحالي الذي يزيد قليلاً على 60 دولاراً للبرميل مريحاً.
اتفاقٌ بشأن تخفيضات في الإنتاج تناسب 2020
من المقرر أن ينتهي الاتفاق الحالي، الذي ينص على تخفيض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، في نهاية مارس/آذار من العام المقبل 2020. وسيُقرر المسؤولون في الاجتماع القادم مدى الحاجة إلى تمديد هذه القيود، أو ربما تشديدها. ويتوقع بعض المحللين تمديد الاتفاق الحالي إلى منتصف العام المقبل، أو حتى بعد ذلك، إلى جانب سعي بعض الدول إلى فرض امتثالٍ أكبر للاتفاق.
فبينما خفََّضت المملكة العربية السعودية والكويت وأنجولا إنتاجها بدرجةٍ أكبر مما ينص عليها الاتفاق، كانت العراق وروسيا من بين البلدان الأقل التزاماً به إلى حدٍّ كبير. وفي هذا الصدد، قال جيوفاني ستونوفو من بنك UBS إنَّ إبقاء الاتفاق الحالي كما هو سيكون النتيجة الأرجح و "المسار الذي سيلقى أقل معارضة"، لكنَّ الدول المنتجة تخشى أن يطلب تجار النفط تشديد التخفيضات لدعم الأسعار.
سياسة حافة الهاوية السعودية والطرح العام الأوَّلي لأرامكو
من المتوقع أن يضغط الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير النفط السعودي الجديد، على الدول التي لم تلتزم بحصتها من تخفيضات الإنتاج من أجل الامتثال للاتفاق الحالي، حسب ما ذكر أشخاص مطلعون على موقف المملكة.
ومن المُرجَّح أن يتخذ عبدالعزيز، الدبلوماسي المحنك في قطاع النفط، موقفاً أكثر تشدداً من سلفه، محذراً من أنه إذا لم تلتزم الدول الأخرى في أوبك بحصتها الكاملة من التخفيضات في ديسمبر/كانون الأول الجاري ويناير/كانون الثاني المقبل، فلن تتحمل المملكة عبء التخفيضات بعد الآن، وقد تزيد من إنتاجها النفطي. إذ قالت أمريتا سين المحللة في شركة Energy Aspects الاستشارية: "المملكة العربية السعودية مستعدةٌ للالتزام بأكثر من حصتها من التخفيضات، ولكن إذا التزمت الأطراف الأخرى بحصتها المنصوص عليها في الاتفاق".
وقد يكون هذا الأسلوب الصارم وسيلةً يؤكد بها وزير النفط سلطته على المنظمة، لكنه ينطوي على مخاطر، إذ تحتاج المملكة إلى ارتفاع أسعار النفط، لا سيما أنَّ الاجتماع المقبل يتزامن مع تسعير أسهم شركة أرامكو السعودية الحكومية للنفط قبل طرحها الذي طال انتظاره في البورصة.
غير أنَّ بعض الأشخاص المُطَّلعين على موقف المملكة ذكروا أنَّها تعتقد أن سوق النفط ستتأزَّم في الأشهر المقبلة على أي حال، لذا فالمسؤولون راضون عن أسعار النفط الخام الحالية، وهذا يعني أنهم يستطيعون تحمل هذه المخاطر في الوقت الحالي.
هل ستنسحب روسيا؟
في ظل تولِّي عبدالعزيز قيادة الوفد السعودي الآن، سيكون التحالف النفطي بين المملكة وروسيا قيد التدقيق، فعلى مرِّ عقودٍ زمنية، كانت أولوية الأمير السعودي هي جمع أقران المملكة ومنافسيها في أوبك في جبهةٍ واحدة، مُدركاً أهمية الوحدة لبقاء المنظمة على المدى الطويل.
وبعد انهيار سعر النفط في عام 2014، لجأت السعودية إلى روسيا، غير التابعة للمنظمة، طلباً للمساعدة. وفي عهد وزير النفط السابق خالد الفالح، كانت هذه العلاقة أولوية. أمَّا الآن، فمن المنتظر أن يُمتَحن استعداد روسيا للامتثال للاتفاق. إذ قال كارستن فريتش من بنك Commerzbank: "روسيا تجاوزت حد الإنتاج المنصوص عليه في الاتفاق في ثمانية أشهر من الأشهر الـ11 الماضية".
فلطالما اعتقدت شركات النفط الروسية أنَّ خفض الإنتاج لن يؤدي إلَّا إلى دعم المنتجين المنافسين. فيما قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط الروسية Lukoil مؤخراً إنَّه لا يوجد سبب في الوقت الحالي لتمديد تخفيضات الإنتاج إلى ما بعد مارس/آذار من العام المقبل 2020. وصحيحٌ أنَّ كل هذا يعني أنَّ روسيا يمكن أن تكون عاملاً غير متوقَّع، لكن تجدر الإشارة إلى أن تحالف البلاد مع المملكة العربية السعودية لا يقتصر على أسعار النفط على المدى القصير، بل يعد بمثابة علاقة استراتيجية يقبلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ضغط الإنتاج من خارج أوبك
قالت الوكالة الدولية للطاقة في الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني إنَّ أوبك تواجه "تحدياً كبيراً" في العام المقبل، لأنَّ تسارع رفع معدلات الإنتاج من المنافسين يقوِّض جهودها لخفض معدلات إنتاج النفط. فإلى جانب تجاوز روسيا الحد المنصوص عليه في الاتفاق، تحاول أوبك التعامل مع مقدار الزيادة في إنتاج النفط المستخرج من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
إذ قال بول هورسنيل من شركة Standard Chartered إن حجم المعروض من النفط الخام الأمريكي هو المتغير الرئيسي في أسواق النفط في العام المقبل، وأوضح: "هناك تفاوت واسع في التوقعات، في ظلِّ توقُّعاتٍ تشير إلى تباطؤ حاد في النمو، وأخرى تتطلَّع إلى التسارع".
ومن المتوقع كذلك دخول براميل إضافية في كميات النفط المعروضة من دول مثل البرازيل والنرويج وغيانا، وذلك يعني أن عدد البراميل المطلوبة من أوبك لسد أي فجوة من المتوقع أن تنخفض في العام المقبل. وهذا أحد الأسباب التي تجعل بعض المحللين يعتقدون أنه بدون وجود تخفيضات أكبر في الإنتاج من جانب أوبك وحلفائها، قد يقع بعض الضغط على أسعار النفط بعد الاجتماع القادم.
مؤشِّرات ضعف في الطلب العالمي
وعلى صعيدٍ آخر، أجبر الخلاف التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين والضعف الاقتصادي العالمي وكالات النفط العالمية على تخفيض توقعاتها بشأن زيادة الطلب على النفط في العام الجاري والعام المقبل. ومع توقع زيادة النفط المعروض بدرجةٍ كبيرة عن معدل الاستهلاك، قالت أوبك نفسها إن هناك "مؤشِّرات ضعف" قد يصيب الطلب العالمي.
فيما قال ديفيد فايف، كبير المحللين الاقتصاديين في وكالة Argus المتخصصة في توقعات الأسعار، إنَّ منتجي النفط يواجهون عملية تتطلَّب توازناً دقيقاً. وأضاف: "سيؤدي خفض الإنتاج بدرجةٍ أكبر من أجل تجنُّب تراكم المعروض العالمي تجنُّباً كاملاً إلى دفع حصة أوبك في سوق النفط إلى مستويات لم نشهدها بصورةٍ مستدامة منذ أوائل التسعينيات".