بينما يقف العالم يراقب في صمت معاناة 2 مليون فلسطيني، محتجزين في شريط رفيع يمتد على ساحل البحر المتوسط، يستمر عذاب أهالي قطاع غزة تحت وطأة الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 10 سنوات.
ومن أمام مبنى تعرض للقصف، في منطقة مخيم الشاطئ بمدينة غزة، جلس الآباء والأبناء على حافة قوارب الصيد يُحضِّرون شباكهم، ويتشاركون قصص نضالهم ومقاومتهم. وحَمَل المبنى في الخلفية تذكاراً صارخاً على صعوبة الحياة في غزة، حيث لا يمكنك التخطيط لحياتك وأنت في خضم نزاع، بل كل ما يمكنك فعله هو عيش كل يوم بيومه.
صمود كبير.. بالتعلّم
تقول صحيفة The Independent البريطانية: لا يكتفي المبنى بدفعك للحظة من التأمل العميق في شجاعة رجال هذه المدينة وصمودهم فحسب، بل نسائها أيضاً، ومنهم أطهار البالغة من العمر 21 عاماً. ففي يوم واحد من عام 2014، تغيرت حياتها للأبد، عقب حرب إسرائيل وغزة، المعروفة عالمياً باسم عملية الجرف الصامد، التي شهدت استشهاد 2300 فلسطيني وإصابة 10 آلاف آخرين. وكان والدها من بين الذين فقدوا أرواحهم.
ويتطلب الصمود القدرة على التمسك بالتفاؤل في وجه الصعاب، وبالنسبة للشباب الفلسطيني، الذي ينشأ وسط مخاطر يومية باندلاع نزاع، فقراره بعدم الاستسلام ومواصلة مسيرة الصمود لا يمكن ترجمته لأفضل من الرغبة في التعلم والإقبال عليه بنهم.
تخرجت أطهار في الجامعة الإسلامية بغزة حيث درست الأدب الإنجليزي بمنحة من برنامج الفاخورة لمؤسسة "التعليم فوق الجميع" التي تعمل على تمكين أكثر الفئات تهميشاً للحصول على التعليم العالي بالرغم من الظروف المحيطة. وتقول أطهار: "بالنسبة لي، التعليم مثل الطعام أو الوقود، فهو الطاقة التي تمنحني القوة للاستمرار. فالتعليم يحافظ على الثقة اللازمة للاستمرار والتفوق، وهو ملاذي وخلاصي بعد كل نزاع في غزة".
وتجعل هذه المؤسسة المنتفعين محور برامجها، من خلال تصميم كل مبادرة على النحو الذي يعالج العقبات والتحديات التي يواجهها المنتفعون سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي في محيطهم. ومن ثم، يساهمون في تمكين الشباب من المشاركة والإنتاج والتحول لمواطنين عالميين مُلهمين يستطيعون التكيف والنجاح في بيئاتهم الصعبة.
ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تستمر معدلات البطالة بالارتفاع في غزة؛ إذ بلغت نسبتها 52% في 2018، بارتفاع 8% مقارنة بعام 2017، وأكثر من 20% منذ فرضت إسرائيل الحصار على القطاع في 2007. وبلغت نسبة البطالة بين النساء في غزة 74.5% في 2018، محققة ارتفاعاً بأكثر من 5% عن الربع الأخير من 2017. واستقرت نسبة نساء غزة المشاركات في سوق العمل عند 25.5% في 2018.
النساء أفضل أداءً أكاديمياً في غزة
وفي هذا السياق، قال هاني شهادة، رئيس مكتب برنامج الفاخورة في غزة، "تمكين المرأة هو جزء أساسي من برنامجنا. ومعظم النساء هنا أفقر من الرجال، لكن في تحصيلهن الأكاديمي، فإنهن أفضل أداءً. ونتيجة لتدهور مستوى المعيشة في غزة، تميل العائلات ذات الموارد المحدودة لتعليم الصبيان وليس الفتيات. ويرجع هذا إلى معتقد "ثقافي" بأنَّ الأولاد أكثر عرضة لتحمل المسؤولية المالية لعائلاتهم من الفتيات".
واستطرد: "أثبتت لنا التجربة أنَّ تمكين المرأة من خلال التعليم العالي له تأثير على الظروف الاقتصادية لعائلاتهن أكبر مما يتوقعه المرء. لذا نؤمن بأنَّ تمكين المرأة هو تمكين للمجتمع".
ومُنِحَت أطهار مؤخراً تصريحاً نادراً بمغادرة القطاع لحضور مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم، حيث ستتاح لها فرصة الحديث ضمن حلقة نقاشية مع غيرها من خريجي الفاخورة. لكن السؤال الأهم هنا هو: ماذا لو أُعطيَت جميع نساء غزة الفرصة ذاتها للوصول لمنصة عالمية، وحقوقاً متساوية في الفرص والعمل؟ تخيلوا، إلى أين سيصل نجاحهم؟ وماذا الذي ستبدو عليه قدراتهن في المستقبل؟
"التعليم فوق الجميع"
لم تتمكن أطهار من تخيل العالم من دون والدها، لكن حين ينطفئ بريق أمل في تلك المدينة، يضيء آخر أقوى وأسطع. وبينما يراقب العالم ما يحدث في صمت، تعمل مؤسسة "التعليم فوق الجميع" وبرنامج الفاخورة على تمكين الجيل القادم من أبناء غزة.
وما يظل واضحاً، هو أنه بالرغم من أنهم يعيشون في واحدة من أكثر البقاع المُهمَّشة في العالم، لا يمكن تحطيم قوة نساء غزة ولا صمودهن ولا معنوياتهن العالية، ولن يحدث هذا أبداً.