العسكر يبتلعون كل شيء.. لماذا مصر بحاجةٍ إلى تحرير قطاع البناء من قبضة الجيش بأسرع وقت ممكن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/29 الساعة 14:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/30 الساعة 09:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي/ رويترز

لا شكّ أنَّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أدرك بوضوحٍ أهمية المقالات التي تدور حول الفساد في الجيش المصري، والتي فجرها المقاول العسكري السابق والممثل محمد علي. وربما اختفت التظاهرات المُناهضة للنظام، التي اندلعت في القاهرة والإسكندرية خلال شهر سبتمبر/أيلول رداً على المقالات. وسعى السيسي منذ ذلك الحين إلى تسريع تمرير قانون الإشراف على البناء، وأصدر إعلاناً هو الأول من نوعه بأنَّ الشركات المدنية التي يُسيطر عليها الجيش يجب أن تُخصخص، من أجل توسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري.

الجيش لن يسمح بذلك بسهولة

لكن لا تحبس أنفاسك في انتظار الخصخصة. إذ تُوجد مثل هذه الخطط منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي رفع شعار الخصخصة دون أن يُحرِزَ نجاحاً ملحوظاً. وحين يتعلّق الأمر بخصخصة شركات الجيش، فمن المتوقع أن يُكافح الجيش تلك الجهود بضراوة. نظراً لأنّ تلك الشركات تُمثِّل أهم مصادر تمويل الجيش، بخلاف الميزانية التي تُخصِّصها له الحكومة. علاوةً على أنَّ تلك الشركات -التي تشمل شركات مقاولات، وشركات سياحة، وشركات استيراد أغذية الأطفال، وشركات بناء الطرق- تمنح الجيش نفوذاً اقتصادياً وسياسياً على الحكومة المصرية.

تقول صحيفة هآرتس، إن السيسي يدرك ذلك جيداً منذ وقت عمله رئيساً للأركان العامة بالجيش، إذ اعترض بنفسه حينها على خصخصة شركات الجيش. لكن الظروف تغيّرت الآن.

وطالب صندوق النقد الدولي، الذي أقرض مصر 12 مليار دولار، بأن تخفض البلاد تدخُّل الجيش في السوق المدني من أجل فتح الأبواب أمام القطاع الخاص، الذي لا تتجاوز نسبته الـ15% من سوق بالبناء مثلاً. وتُعَدُّ صناعة البناء حيويةً بالنسبة للاقتصاد المصري، إذ تُساهم بنسبة 16% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وُتوظِّف 5% من القوى العاملة المصرية.

الجيش اجتاح جميع المجالات

ومنذ عام 2014، "اجتاح" الجيش قطاع البناء. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى قدرات الجيش المصري الهندسية، وامتلاكه الموظفين المُتاحين للعمل، وسرعة إنجازه للأعمال؛ مما حوّله إلى أكبر مقاول بناءٍ في البلاد. وعلى الجانب الآخر، تُواجه الشركات الخاصة التي أضعفها الجيش البطء، وعمالاً نقابيين يملون ظروف العمل، والأهم من ذلك هو تكلفة الأرض التي سيُبنى عليها.

ويحصل الجيش على الأرض مجاناً من الحكومة، في حين يدفع المقاولون المدنيون بسعر السوق الذي يُواصل الارتفاع يوماً بعد يوم. ويتوقَّع الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء أن ترتفع أسعار الأراضي بنسبة 15% العام المُقبل.

ولا تُستغَل سوى 6% من الأراضي في مصر، بحسب تقرير بنك HSBC للخدمات المالية العالمية. ويجب على مصر أن تُضاعف مساحة الأراضي المُخصّصة للبناء على الأقل، في حال كانت البلاد تتوقّع التغلُّب على النقص الهائل في الإسكان بالبلاد.

المنازل في متناول الطبقات العليا فقط

وتمتلك وزارة الإسكان المصرية خططاً تمتد لعام 2050، والتي تُخطِّط مصر وفقاً لها لبناء 20 مدينةً كُبرى تستوعب 30 مليون شخص. وبحلول عام 2050، وبحسب مُعدّل النمو السكاني الحالي الذي يُقدّر بـ2.45%؛ سيصل تعداد النمو السكاني في مصر إلى 180 مليون نسمة. وتمتلك البلاد بالفعل نقصاً يصل إلى أكثر من نصف مليون شقة، لكن يجب عليها إضافة عددٍ مُماثل من الإسكان سنوياً أيضاً لتلبية الطلب المُتواصل.

لذا فإنّ القلق هنا يدور حول المصدر الذي ستأتي منه تلك المنازل، ومن سيكون قادراً على شرائها في حال استمر ارتفاع الأسعار بالمُعدّل الحالي. إذ خفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة على القروض للمرة الثالثة منذ شهر يوليو/تموز، لكن النسبة لا تزال 15.5%، مما يجعل أسعار المنازل في مُتناول الطبقة المُتوسطة العُليا والطبقة العليا فقط.

وبعكس المُواطنين العاديين، يتمتَّع الأفراد العسكريون بصندوقٍ خاص أُنشئ عام 1988، ويُوفِّر شرط اقتراضٍ مُيسّرة للمنازل والأراضي، دون مقابلٍ تقريباً، من ممتلكات الجيش في الأراضي.

وأشارت تقارير المؤسسات المالية العالمية والبنك المركزي المصري إلى أنّ صناعة البناء ستكون أكثر قطاعات البلاد نشاطاً في السنوات المُقبلة. وشهد العام الجاري زيادةً في أعداد المنازل المعروضة في السوق بنسبة 40%. لكن هذه الإحصائية تشمل البناء الذي بدأ منذ سنوات وانتهى للتو، لذا فإنَّ هذا الحجم الهائل لن يحُل مشكلة نقص الإسكان إلّا بعد تسريع وتيرة الإسكان نفسها.

تراجع الاستثمارات الأجنبية

توصي الجهات الدولية الداعمة مصر بتشجيع المستثمرين الأجانب على دخول قطاعات البناء والصناعة في البلاد، بدلاً من الاكتفاء بسوق الأوراق المالية والاستثمارات المحلية التي تُوفِّر الكثير من الوظائف -مثل قطاعي النفط والغاز الطبيعي. لكن ليست الأرقام مُشجّعةً في هذا الصدد. إذ انخفضت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 23%، لتصل إلى ستة مليارات دولار في العام.

ويبدو أنّ إعلان السيسي حول الحاجة لخصخصة شركات الجيش المدنية يهدف إلى فتح نافذة الفرص أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وخاصةً أولئك الذين تجنّبوا صناعة البناء المصرية بسبب سيطرة الجيش على القطاع. لكن هذا النوع من التصريحات، حتى وإن شجّع المُستثمرين على دخول السوق، سيتطلّب تنظيم بيروقراطية وتشريعات هذا القطاع.

ويهدف التشريع الذي يُنظر فيه داخل البرلمان الآن إلى ضمان قدرٍ أكبر من الشفافية، والرقابة الحكومية الأكثر صرامة على شركات البناء، ووضع ترتيبات تعويضٍ عن انتهاكات العقود، وفرض عقوبات على عدم الالتزام بجداول البناء، وتأسيس منظمةٍ للمقاولين تكون مسؤولةً عن الإشراف على شركات البناء. ومن شأن البنود الأخرى أن تضمن مُنافسةً عادلة وتحمي حقوق المُشترين.

ولكن حتى في حال تمرير القانون، فلن يُؤثِّر على ممارسات شركات البناء العسكرية، لأنَّها مُعفاةٌ من الرقابة البرلمانية والإبلاغ أمام البرلمان -ولا تخضع لإشراف الحكومة أيضاً.

تحميل المزيد