تكفي "غزوة الرينغ" وساحة الشهداء اللتين قاما بهما أنصار حزب الله لإثبات التأزم الذي يعيشه الحزب ومحوره السياسي المحلي والإقليمي في مواجهة الحراك اللبناني، ومع إصرار المتظاهرين على مطالبهم ورد فعل الحزب المشوب العنف بات السؤال الملح، هل قرر حزب الله اللجوء للقوة لفض تظاهرات الحراك اللبناني؟
وكانت عناصر تردد شعارات حزب الله وحركة أمل قد اشتبكت مع مجموعة من المتظاهرين حاولوا إغلاق جسر الرينغ فيما أسمته وسائل الإعلام اللبنانية "غزوة الرينغ" ثم قامت ذات العناصر بالتوجه لمقر التظاهر الرئيسي في ساحة الشهداء حيث حطمت عدداً من الخيام التي كانت تقام نقاشات عامة بها.
ودفع الحزب بجمهور مؤيد له للاعتداء على المتظاهرين وفتح الطرقات بالقوة بعد أن بات اليوم أمام مفترق طرق في ظل أزمة تعصف بالبلاد أطاحت بحكومة، كان حزب الله يعول عليها لاكتساب الشرعية وتأمين المشاريع بعد حصار أمريكي خانق طال الراعية الأم للحزب، أي إيران.
واستكمل هذا الحصار طريقه باتجاه تجميد أرصدة الحزب وإقفال المصارف التي تؤمن تحويلاته المالية التي تعتبر رئة الحزب الشهرية، والسؤال الأبرز اليوم ما الأمر الذي جعل الحزب يتعامل مع التظاهرات بأنها موجة لاستهدافه رغم أنها بدأت ضد النظام الطائفي برمته؟.
غزوة الرينغ هل هي 7 أيار الجديدة؟
تعود حزب الله عند كل الأزمات والمنعطفات السياسية بالإيحاء المستمر بقوته الميدانية والشعبية وقدرته على تخويف اللبنانيين.
وكان أشهر موقف لن ينساه اللبنانيون خاصة أهل بيروت واقعة 7 أيار 2008 الشهيرة، حين اجتاح الحزب وحلفاؤه العاصمة بيروت عسكرياً في حرب أهلية مصغرة سقط فيها نحو 80 قتيلاً، بعد أن أصدرت حكومة فؤاد السنيورة التي كان يعتبرها الحزب غير شرعية قراراً بتفكيك شبكة الاتصالات التابعة للحزب وعزل مدير أمن مطار بيروت المحسوب على الحزب.
وما جرى في 7 مايو/أيار 2008، دليل واقعي على أن الحزب في حال ممارسة سياسة الحشر في الزاوية يلجأ إلى استخدام قوته الأمنية والعسكرية، أو التلويح بهما عندما يحتاج الأمر كحادثة القمصان السود في 2010 (تظاهرة شبه عسكرية)، والتي أجبرت يومها وليد جنبلاط على القبول بتكليف نجيب ميقاتي بدلاً من الحريري، وبقي هذا المسار مستمراً ويمارسه الحزب دون التفكير بتبعاته على لبنان في لحظة مكاشفة قد تأتي.
مؤامرة أمريكية ينوي مواجهتها بالشارع
أصر حزب الله منذ اللحظات الأولى للثورة الشعبية المنتفضة على الطبقة السياسية والتي يمثل الحزب أحد أبرز أركانها، على شيطنة هذا الحراك ومحاولة تصويره على أنه جزء من المؤامرة الأمريكية لضرب المقاومة، متهماً الحراك بالعمالة للسفارات والدول حيناً وحيناً آخر بتدخلات حزبية وتأثيرات خصوم الحزب عليه، وما خطاب نصرالله الأول عقب انطلاق عجلة الثورة إلا تأكيد على هذا النهج في التعاطي مع الحدث.
فنصرالله، ومنذ اللحظات الأولى شدد على أن الشارع قد يجر شارعاً آخر يرفض مطالب إسقاط عهد سعى الحزب بشكل كبير لصعوده، على الرغم من ملاحظات حول الأداء العام لحليف حزب الله الأول أي وزير الخارجية جبران باسيل والذي خلق عامل استفزاز مستمر لكل الساحات والتوجهات السياسية والمدنية.
يريد الحزب أن يحاسب الشارع الرافض للطائفية والذي يئن منذ سنوات لانقطاع الكهرباء والمفزوع من تدهور العملة والمصدوم من فرض ضريبة على الواتساب، بينما يصبر صبراً جميلاً على استفزازات وتعطيلات حليفه جبران باسيل الذي لا يخفي أقرب حلفاء الحزب نبيه بري امتعاضه منه.
ولكن من أين جاء للحزب أن الحراك مخترق أمريكياً
يمثل خطاب محور المقاومة بشكل إرادي أو لا إرادي بوصم أي تحرك ضد المحور بأنه مدعوم أمريكياً وسعودياً، فثورة يناير التي قامت ضد نظام مبارك الذي كانت علاقته بمصر سيئة ثورة وطنية قومية خرجت ضد كامب ديفيد أما ثورة سوريا التي اُستهلمت من الثورة المصرية هي ثورة عميلة ممولة أمريكياً.
وهذا ينطبق على الوضع في لبنان.
يفسر مصدر مقرب من حزب الله سبب مخاوف الحزب من اختراق الحصار اللبناني قائلاً إن عدم وجود أداء موحد لهذا الحراك وعدم جعله أداة واحدة صلبة سيتيح إما دخول عوامل سياسية وإما دخول عوامل شخصية ومنفعية.
ويضيف قائلاً يترافق هذا مع الجهود المستمرة لتشكيل حكومة تكنوقراط يراد استبعاد الحزب منها بشكل واضح وهذا ما بات مطلب قوى سياسية.
ويشير المصدر إلى أن أزمة تشكيل حكومة خرجت من كونها مادة للتجاذب السياسي المحلي وباتت أداة في نادي التدخل الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويرى أن زيارتي الموفدين البريطاني وقبله الفرنسي واللذين حطا رحالهما في بيروت ترافقتا مع تصريحات السفير الأمريكي السابق ببيروت جيفري فيلتمان أمام الكونغرس التي هاجم فيها نفوذ حزب الله في لبنان.
وكل هذه مؤشرات على أن الحراك بات ببعض مفاصله أداة ضغط على جزء كبير من اللبنانيين، حسب المصدر المقرب من الحزب.
قطع الطرق خط أحمر، فهل قرر حزب الله اللجوء للقوة لفض مظاهرات الحراك اللبناني؟
وقال المصدر إن قطع الطرقات المستمر كان نتيجته أمس وفاة شخصين على أوتوستراد الجية.
وشدد أنه لن يتم السكوت عن قطع الطرق بعد الآن وسيتم التعامل معه بقسوة، وخاصة وأنه يساهم في تقطيع أوصال البلد وعزل مناطق عن أخرى.
ورداً على سؤل حول هل قرر حزب الله اللجوء للقوة لفض تظاهرات الحراك اللبناني؟
يؤكد المصدر أن خيار الحرب والتصادم ليس خيار الحزب فهو يدرك مخاطر جر البلاد نحو المجهول.
رسائل حزب الله من 7 أيار الجديدة.. الجيش والحريري هما المستهدفان
في الزاوية الأخرى يرى غسان حجار رئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية أن الاستعراض الذي نفذه حزب الله في الشارع عبر "غزوة الرينغ" كان يهدف لإيصال مجموعة رسائل، أولها لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري المتردد في حسم خياره ومحاولة القول له أن عليك أن تقرر ماذا تريد وإلا سيفلت الشارع.
والرسالة الثانية لقيادة الجيش والأجهزة الأمنية والتي يرى الحزب أنها متعاطفة مع الانتفاضة، في محاولة للقول أنه لن يسمح بعد اليوم بقطع الطرقات والسماح بهذا الأسلوب من الاحتجاج.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش اللبناني لم يمنع أعتداء عناصر حزب الله وحركة أمل خلال أحداث 7 آيار/مايو 2008 على سكان بيروت.
وأما الرسالة الثالثة فيرى حجار أن الحزب أراد إيصالها للقوى السياسية المشاركة في التحركات الشعبية، للقول إنكم لن تستطيعوا حماية الناس في الشارع وعليكم الانسحاب كي لا تتكرر الأمور.
وعن الرسالة الأخيرة فيؤكد الحجار أنها موجهة للقوى الدولية الداعمة للثورة، لتمرير رسالة قاسية تقول لا تراهنوا بعد اليوم على الشارع وأنه بإمكاننا تفريغ الساحات والتظاهرات خلال دقائق.
ويؤكد حجار أن الانتفاضة استطاعت تحقيق مكاسب كبيرة وبطبيعة الحال سيكون حزب الله أبرز المتضررين منها، لأنها استطاعت هز أركان السلطة وإسقاط الحكومة في الشارع والتي كان يعول حزب الله عليها ويرفض إسقاطها.
لكن في الوقت نفسه يرى الحجار أنه بعد أحداث جسر الرينغ وساحة الشهداء والتصادم الذي حدث، على المحتجين البحث عن طرق أخرى غير قطع الطرقات كي لا تتكرر أحداث اليومين الماضيين.
وعن فرضية التصادم العسكري أو الأمني بين الحزب والمتظاهرين.. يقول الحجار بأنه لا مصلحة للحزب بأي تصادم أو الذهاب بالبلد نحو الحرب، لأنها ستضر حزب الله قبل غيره، فجمهور الحزب في قلب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد وليس هناك جهوزية لهذا الخيار.
الحريري يرد على رسالة الحزب بأحسن منها.. و7 أيار سيكون لها رد هذه المرة
ويرى المحلل السياسي ربيع دندشلي أن ما جرى في الشارع خلال اليومين وما تمخض عنه من تدمير خيم المتظاهرين في وسط بيروت هو أن حزب الله قرر توجيه رسالة قاسية اللهجة في الشارع ليقدم نموذجاً لما تعنيه فكرة الشارع وفلتانه للحريري.
لكن الحريري تلقف الرسالة ببيان الاعتذار عن التكليف عكس ما كان يتوقع البعض، ما يشير لفرضية أوراق القوة التي يمتلكها الحريري في الظرف الراهن.
ويقول دندشلي إن الرد على بيان الحريري جاء بتسريبات حول تحديد موعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة يوم الخميس ما يؤكد أن الحكومة ستكون من دون الحريري، فالرجل يعي ما ستمثله حكومة هو رئيسها من ناحية المصداقية الدستورية والثقة الدولية فيها.
ويرى أن الرد بالاستشارات وليس في الشارع قد يضطر ربما قوى المعارضة (تيار المستقبل – القوات – الاشتراكي) لمقاطعة الاستشارات في حال لم يتم التفاهم معهم على رئيس الحكومة وشكلها المستقبلي، ما قد يضطر حزب الله للقيام بـ 7 أيار جديد، لكنه لن يقابل هذه المرة بصمت القبور، وقد يجر الشارع لمواجهة مضادة غير محسوبة العواقب.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.