الحريري أو الفوضى.. هل يشهد لبنان أول انقلاب عسكري في تاريخه؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/25 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/25 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
قادة السلطات الثلاث في لبنان/رويترز

يبحث لبنان عن رئيس وزراء ليحل محل سعد الحريري، الذي استقال في29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وسط احتجاجات ضد فساد الحكومة والأزمات الاقتصادية تحت قيادته. لكنَّ السؤال الأكبر والأكثر تعقيداً هو: مَن يخلف الحريري؟ وهل يكون البديل هو الفوضى؟

إنه سؤال إجابته تحتمل سيناريوهات كثيرة بعضها خطير، حسبما كتب غسان روبيز الكاتب والصحفي الأمريكي من أصل عربي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مقال نشر بموقع Lobe Log الأمريكي.

مَن يخلف الحريري؟

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، كان الاختيار غير الرسمي لمحمد الصفدي -وهو رجل أعمال مثير للجدل واسع الثراء، ليصبح رئيس الوزراء المقبل للبنان- سوء تقديرٍ صارخ من جانب فريق الرئيس ميشال عون. فالانتفاضة، التي اندلعت يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول لم تقبل بالصفدي.

ولم يكن الرفض السريع من جانب الصفدي لخلافة الحريري مفاجئاً.

حين استقال الحريري توقع قليلون أن يُعاد تكليفه. وظل التيار الوطني الحر الذي ينحدر منه الرئيس عون، إلى جانب حركة أمل وحزب الله، وهي ثلاثة أحزاب مهيمنة على السلطة مدعومة من إيران، تحاول إقناع الحريري بتشكيل حكومة جديدة، يقولون إنها ستتكون من سياسيين معروفين وخبراء. 

لكنَّ الحريري، عقب مطالب الانتفاضة بمتخصصين غير سياسيين، يرفض صيغة عون (بتشكيل حكومة تكنوسياسية).

الصفدي قوبل برفض قاطع/رويترز

لماذا يريد الجميع أن يشكل الحريري الحكومة؟

هناك أسباب وراء سعي عون لتكليف الحريري. فالأمر الذي يجعل منه شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه هو المرونة التي تتسم بها شخصيته وقدرته على الحفاظ على علاقات جيدة مع الأحزاب اللبنانية المدعومة من إيران. وفي الوقت نفسه، يجيد الاستفادة من علاقاته الواسعة مع السعودية وبقية دول الخليج. 

علاوةً على ذلك، يريد خصومه العونيون منه البقاء في السلطة، فهم لا يريدون رؤية الحريري يختفي فجأة ليتركهم وحدهم لمواجهة الاضطرابات العامة المتزايدة. وأخيراً، يمكن استغلال علاقات الحريري في البلدان الغربية، التي تعهَّدت بمساعدات أجنبية كبيرة للبنان، لإنقاذ البلاد من التخلف عن الوفاء بالالتزامات المالية، لأنَّ استقرار الدولة المُتلَقية هو ما يهم حقاً في ما يتعلَّق بالمساعدات الأجنبية.

غير أن الحريري لديه شروطه الخاصة لتولي القيادة من جديد. فهو يريد التحرر من نظامٍ مدعوم من أحزاب معارِضة لتوجهات تحالفه ذي التوجهات الغربية. ومع علمه أنَّه لا يحظى بشعبية كبيرة جداً في البلاد، قد يركب موجة الانتفاضة من خلال قيادة حكومة غير سياسية ربما تلبي بعض مطالب الانتفاضة.

الحريري يحظى بقبول من النخبة الحاكمة وحتى الحراك/رويترز

في الوقت الراهن، وصل السعي للبحث عن مرشح مناسب لخلافة الحريري إلى حالة جمود لعددٍ من الأسباب. 

إذ طلب ثلاثة من رؤساء الوزراء السابقين في لبنان عودة الحريري ورفضوا تكليف الصفدي. ولم يُظهِر أي مرشح آخر اهتماماً جدياً. 

ويأتي الدعم المشروط للحريري من أطراف مختلفة: الحكومة تريده لأنَّه سهل الإرضاء، والانتفاضة ربما تكون مستعدة للقبول بقيادته لأنَّه يُصِر على تشكيل حكومة غير سياسية. وأخيراً، أيَّاً مَن كان رئيس الوزراء، لم يعد ذلك مهماً. فالأمر المهم هو مستوى المعارضة التي سيلقاها رئيس الوزراء من حزب الله وحلفائه.

لكن ما مدى تصلُّب هذا الجمود؟ تختبر الحكومة والانتفاضة استعداد كل منهما. إذ تزن حكومة عون كلفة القبول بمطالب الناس مقابل كلفة البقاء في السلطة والتعرض بصورة متزايدة للعزلة والإهانة. والانتفاضة، من الناحية الأخرى، تزن إدارة عون خطورة قيادة البلاد إلى المجهول مقابل مخاطرة العيش في بلدٍ بلا مستقبل.

حزب الله يتودد للحراك الشعبي الذي يلمح بدوره لقبول الحريري

وخلف هذا الجمود يوجد بعض الليونة في المواقف من كلا الطرفين. 

يرى الكاتب أنه من جانب النظام، تبنّى حزب الله "تطلعاً جديراً بالثناء" تجاه الانتفاضة وتوقف عن التهديد باستخدام القوة لـ "إنقاذ" لبنان من "الفوضى". 

علاقة حزب الله مع الحراك تتقلب بين التودد والمواجهة/رويترز

وانتشرت بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع صورة لعلي عمار، وهو عضو بحزب الله، وهو يشارك في فعالية تابعة للانتفاضة.

وبالنسبة للانتفاضة، أظهرت بعض الإشارات على القبول بالعودة المحتملة للحريري لرئاسة حكومة من التكنوقراط. وأخرجت الانتفاضة مؤخراً وثيقتين تظهران خطة لانتقالٍ سياسي لمدة 18 شهراً. تبرز شخصيات في قيادة الانتفاضة تدريجياً، وكذلك الحال بالنسبة لاستعدادهم لعقد حوار مع الحكومة.

وعون قد يكلف الحريري بالحكومة التي يريدها في مواجهة المخاوف من خيار الانقلاب

وهناك شائعات بأنَّ الرئيس عون ربما يعلن أنَّ الحريري يتمتع بالحرية لتشكيل حكومة دون أي قيود. لكنَّ حظوظ حصول أي حكومة غير سياسية على تصويتٍ بالثقة في البرلمان ليست جيدة. ومثل هذا الإخفاق قد يقود عون لتكليف رئيس وزراء جديد مُختار من معسكره، من شأنه على الأرجح أن يُشكِّل حكومة الوضع القائم التي يمكن التنبؤ بها. 

ومن الممكن كذلك أن تهيِّئ الفوضى الناتجة عن تأخير أو فشل تشكيل الحكومة الطريق أمام انقلابٍ عسكري من أجل "إنقاذ البلاد".(شهدت البلاد عدة محاولات انقلابات في تاريخها فشلت كلها وكان أقربها للنجاح تشكيل عون أثناء حرب الأهلية لحكومة عسكرية بتكليف من الرئيس اللبناني، لكنها سيطرت على المناطق المسيحية فقط، وفي ظل وجود حزب الله وغيره من الميليشيات إضافة للمجتمع المدني القوي يصبح تنفيذ انقلاب أمراً صعباً). 

ابحث عن السعودية وإيران لإيجاد الحل

في حالة اليأس قد تكون هناك حاجة لمصادر تدخل خارجية لمساعدة لبنان. وأحد العوامل الرئيسية قد يتمثل في التقارب المحتمل بين السعودية وإيران. وهذا يمكن أن يحرر لبنان من التعلق الدائم بالحريري، في حين قد يضغط على حزب الله لتخفيف قبضته على السلطة. 

وهناك إشارات حديثة على بعض الذوبان في الجليد بين الرياض وطهران بشأن اليمن وسوريا، لكن لا يسع لبنان الانتظار طويلاً للاستفادة من مثل هذه المعجزات الإقليمية.

خلاصة القول هي أنَّه لا توجد الآن خيارات جيدة. فلا يزال لا توجد حتى الآن قيادة واضحة في الانتفاضة، وأدَّت صراعات السلطة الداخلية في الحكومة إلى مزيدٍ من الالتباس. 

تحميل المزيد