له إيجابيات لكن آثاره أصبحت «مُدمّرة».. لماذا يرفض المحتجون في لبنان نظام المحاصصة الطائفية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/23 الساعة 12:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/23 الساعة 12:20 بتوقيت غرينتش
المتظاهرون اللبنانيون المناهضون للحكومة يرددون شعارات في بيروت في 19 نوفمبر/AFP

لم يرضَ المتظاهرون المناهضون للحكومة الذين ملأوا شوارع لبنان بمقترحاتٍ تفضي إلى تخفيض رواتب السياسيين وإجراءات لاستعادة الأموال المنهوبة، وإنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد. 

ولم يوهن عزمَهم التخلي عن خطة فرضِ ضريبة على المكالمات عبر الإنترنت، ولم تكفهم حتى استقالة رئيس الوزراء سعد الدين الحريري. إذ إن ما يطالبون به في الحقيقة، هو هزيمة كاملة للطبقة الحاكمة في البلاد. ويريد بعضهم إعادة تشكيل النظام السياسي بأكمله في هيئة تلغي الإطار الحالي القائم على الطوائف الدينية والمذهبية، الإطار الذي يحملونه مسؤوليةَ تمكين زعماء يفتقرون إلى الكفاءة، ولا يخدمون سوى أنفسهم وربما أتباع طوائفهم الدينية، ولا تعنيهم خدمة البلاد في شيء، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.

1. ما هو النظام السياسي في لبنان؟

يعترف لبنان رسمياً بـ 18 مجموعة أو "طائفة" دينية، تشمل 12 طائفة مسيحية و4 إسلامية، إضافة إلى الدرزية والديانة اليهودية. ويشرف مزيج من تقاليد وقوانين تعود إلى حقبة الحكم الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، على تقسيم السلطة السياسية في البلاد فيما بين تلك الطوائف. 

إذ تقسم المناصب الحكومية رفيعة المستوى والمقاعد التشريعية ووظائف الخدمة العامة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. وبموجبِ الاتفاق، تكون المناصب الرئيسة في البلاد كالتالي: رئيس مسيحي ماروني، ورئيس وزراء مسلم سني، ورئيس برلماني شيعي. وتتمتع الجماعات الدينية المختلفة باستقلالية في المسائل الشخصية لأفرادها، مثل قوانين الأسرة والزواج والطلاق.

2. ما إيجابيات هذا النظام؟

يُغدق كثيرون في لبنان وخارجه المديحَ على نموذج تقاسم السلطة الحالي بوصفه نموذجاً للتعايش بين طوائف مختلفة. وقال البابا يوحنا بولس الثاني في زيارة له في عام 1997، إن لبنان قدم للعالم رسالةً في "التسامح والتعددية". 

ولا شك في أن اللبنانيين يتمتعون بدرجة عالية من حرية التعبير والحريات المدنية الأخرى مقارنةً بجيرانهم العرب. وظلّت البلاد مستقرة نسبياً على مدار أكثر من ثماني سنوات من الحرب في سوريا المجاورة، التي جرى القتال فيها على أسس طائفية إلى حد كبير. إذ انتهت الحرب الأهلية الخاصة بلبنان، والتي استمرت من 1975 إلى 1990، باتفاق سلام [اتفاق الطائف] أجرى إصلاحات على النظام الطائفي، وأُدخلت تعديلات أخرى عليه في عام 2008.

3. ما الشكاوى بشأن هذا النظام؟

يقول المنتقدون إن النظام القائم يرتكز على أسس من المحسوبية ومحاباة الأقارب، ويستخدم فيه السياسيون الأموالَ العامة لمصلحتهم الخاصة، ويضخّمون القطاع العام بضمِّ أتباعهم إليه لاسترضاء دوائرهم الانتخابية. 

قدّر البنك الدولي في عام 2016، أن الافتقار إلى الفعالية الناتج عن إطار العمل هذا يكلِّف الاقتصاد اللبناني 9% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً، إذ يستند التوظيف إلى الطائفة التي يهيمن أتباعها على المؤسسة المعنية لا الأهلية والكفاءة شرطاً مسبقاً للالتحاق بالوظيفة الحكومية. 

أخذ النظام يُحدث مظالم حقيقية وآثاراً جانبية في الماضي، لكن البلاد اليوم أمست في حالة مالية كارثية، فقد بات لديها أحد أكبر أعباء الديون في العالم مقارنةً مع ناتجها المحلي الإجمالي، إضافة إلى اقتصاد راكد ونسبة بطالة تصل إلى نحو 20%. تعوق الترتيبات الخاصة بالنظام السياسي الهيئات التنفيذية والتشريعية عن اتخاذ القرارات، إذ يتطلب إصدارها الوصول إلى توافق في الآراء أولاً. 

وهكذا أخذت تشلُّ النزاعات الحكومات والبرلمانات المختلفة، وأدّت إلى مدد فراغ طويلة في السلطة، حتى إن الأمر استغرق، في مرة من المرات، من أحد رؤساء الوزراء المعينين نحو عامٍ كامل لتشكيل حكومة تدير شؤون البلاد.

4. ما الذي أشعل الاحتجاجات؟

اندلعت الاحتجاجات في 17 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن أقرت الحكومة فرضَ رسوم على المكالمات الهاتفية التي تستخدم خدمة تطبيق واتساب المجانية. وكان ذلك ضمن قرارات يتعين على الحكومة اتخاذها، وتتعلق بخفض الإنفاق ورفع الضرائب ومحاربة الفساد، للحصول على 11 مليار دولار من مساعدات دولية وُعدت بها. 

لكن القرار سرعان ما دفع المتظاهرين إلى استهداف النخب السياسية بالهجوم لأنها، على حدِّ قولهم، هي من نهبت خزائن الدولة وأهملت الخدمات العامة، وساءت في عهدها الظروف المعيشية. فقد قُسّم توزيع الكهرباء إلى حصص، وأصبحت نادرة مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري، وتردّت خدمات المياه. وبات ثلث السكان يعدّ من الفقراء، وتزايدت معدلات عدم المساواة، وتعمّقت الهوة، حتى بات أحد النواب الذين يمثلون طرابلس في شمال لبنان، وهي تعد أحد أفقر المدن على ساحل البحر المتوسط، هو في الوقت نفسه من بين أغنى المليارديرات في الشرق الأوسط.

5. ماذا يريد المحتجّون؟

أولاً، يريدون محاسبة السياسيين الذين سرقوا، رغم أن كثيرين يتشككون فيما إذا كان قضاة البلاد على مستوى هذه المهمة، لأنهم هم أنفسهم معينون على أساس انتماءاتهم السياسية والدينية. 

والأهم من ذلك، يقول المحتجون بضرورة إلغاء النظام الطائفي لاستيعاب جيل أصغر سناً لا يملك ذكريات عن الحرب الأهلية وانفصل عن الانتماءات الطائفية. رداً على ذلك، قال الرئيس ميشال عون إن ذلك يتطلب تغييراً عبر المؤسسات الدستورية لا من خلال ساحات الشوارع.

تحميل المزيد