لا تهدِّد تهم الفساد التي وُجِّهت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني، مستقبله السياسي فحسب، بل تُعرِّض إسرائيل كذلك لمأزق قانوني غير مسبوق.
إذ أصبح نتنياهو، الذي يحمل لقب أطول رئيس وزراء بقاءً في منصبه في تاريخ البلاد، لديه لقبٌ استثنائي آخر مشبوه يتمثل في أنَّه أول رئيس وزراء توجَّه إليه اتهاماتٌ في أثناء توليه منصبه. مع أنَّه نفى المزاعم الموجهة إليه.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ إسرائيل تجد صعوبةً بالفعل في اختيار قائدٍ يمكنه تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات غير حاسمة أجريت في العام الجاري 2019. لذا فالاتهامات الموجهة إلى نتنياهو تُلقي المزيد من الشك على المشهد السياسي الفوضوي. ونستعرض هنا بعض التأثيرات التي قد يُحدثها ذلك الوضع، كما نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية:
ما مصير نتنياهو الآن؟
- بالنسبة للدستور الإسرائيلي، فإن مبادئه الأساسية الحاكمة مُكرَّسة في ما يعرف باسم بالقوانين الأساسية، من بينها قانون يتناول قضية اتهام رئيس الوزراء أثناء توليه منصبه.
- وبموجب هذا القانون، يمكن أن يبقى نتنياهو قيد الاتهام، بل ويُحاكم حتى، أثناء وجوده في السلطة. ولا يمكن لأعضاء الكنيست التصويت لإطاحته إلَّا بعد استنفاد جميع الطعون، وهي عملية قد تستغرق سنوات.
- لكنَّ بعض الهيئات الرقابية تخطط رغم ذلك للطعن في استمرار بقاء نتنياهو في منصبه.
- إذ قالت سوزي نافوت، أستاذة القانون الدستوري في كلية ستريكس للحقوق، إنَّ البند الذي يتناول قضية اتهام رئيس وزراء أثناء توليه منصبه لم يُفسَّر قَط من جانب المحكمة العليا، لذا ليست هناك سابقة لهذا الأمر. وأضافت متحدثةً عن ذلك البند: "لا قيمة له بدون تفسير".
- وأشارت سوزي، على سبيل المثال، إلى أنَّ القانون الأساسي لا يُفرِّق بين رئيس وزراء متهم بجريمة أصغر مثل عدم دفع الضرائب، ورئيس وزراء متهم بجريمة كبرى مثل قبول الرشاوى. إذ تصل عقوبة قبول الرشوة، وهي أخطر التهم الموجهة إلى نتنياهو، إلى السجن مدة أقصاها 10 سنوات.
اختبار للمحكمة العليا
- قضت المحكمة العليا في قضيتين سابقتين في التسعينيات من القرن الماضي بضرورة طرد وزيرٍ ونائب وزير عادي فور توجيه تهم إليهما. لكنَّ هذين المسؤولين يمكن استبدالهما بسهولة. ولكن في حال استقالة رئيس الوزراء، تسقط الحكومة بأكملها، مما يزيد من أهمية أي قرار تتخذه المحكمة.
- وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذين الحُكمين السابقين نتجا عن التماساتٍ قدَّمتها منظمة Movement for Quality Government in Israel غير الحكومية. وتؤكِّد المنظمة أنَّ المعايير نفسها يجب أن تُطبَّق على رئيس الوزراء، فيما تستعد لتقديم التماس إلى المحكمة.
- إذ قال تومر ناعور، كبير المسؤولين القانونيين في المنظمة: "رئيس الوزراء المُتهم لا يصلح لأداء أدوار منصبه. لذا فاستمرار رئيس الوزراء في منصبه، في حين أنَّ الوزراء العاديين لا يمكنهم ذلك، يعد أمراً سخيفاً للغاية".
- لكنَّ توصُّل المحكمة إلى إصدار هذا الحُكم من المرجح أن يفتح عليها أبواب الجحيم. إذ يسعى بعض الساسة اليمينيين بالفعل إلى الحد من صلاحيات المحكمة العليا، ومن ثمَّ، فإصدار حُكمٍ يُطيح نتنياهو من منصبه سيراه الكثيرون تجاوزاً لصلاحياتها.
- إذ حذَّرت أيليت شكد، عضوة الكنيست اليمينية ووزيرة العدل السابقة، قضاة المحكمة العليا من التدخُّل في العملية السياسية، واصفة أي محاولة لفعل بذلك بأنَّها "بمثابة انقلاب".
- فيما قال غاد برزيلاي، أستاذ القانون في جامعة حيفا، إنَّ صلاحية المحكمة العُليا لفرض استقالةٍ فورية على نتنياهو تعد أمراً "مشكوكاً فيه".
هل يمكن لنتنياهو طلب الحصانة؟
- كأي عضو في الكنيست، يمكن لنتنياهو أن يطلب حصانة برلمانية ضد المقاضاة، لكنَّ إمكانية حصوله عليها قريباً ما زالت غير واضحة.
- إذ يمكن منح الحصانة من جانب لجنةٍ برلمانية ثم تصويت البرلمان الكامل عليها. وعادةً ما يكون أمام عضو الكنيست 30 يوماً بعد توجيه الاتهام إليه لتقديم طلب الحصانة.
- ولكن بعد جولتين انتخابيتين غير حاسمتين وشهورٍ من الشلل السياسي في إسرائيل، لا تمارس اللجنة عملها، وقد لا تستأنف عملها لعدة أشهر قادمة، حتى إجراء انتخاباتٍ أخرى وتشكيل حكومة جديدة.
تمرُّد في حزب رئيس الوزراء
- يمكن لبعض الأعضاء المتمردين في حزب الليكود المحافظ الذي يتزعمه نتنياهو المطالبة بإجراء انتخابات أولية لاختيار زعيم جديد للحزب.
- وإذا نجح نتنياهو، الذي نفى ارتكاب أي مخالفات، في انتخابات زعيم الحزب، فسيظل قادراً على الترشح في الانتخابات الوطنية لولايةٍ أخرى في رئاسة مجلس الوزراء.
- أمَّا إذا خسر الانتخابات الأولية، فلن يحق له أن يكون مُرشَّح الحزب لرئاسة الوزراء.
انتخاباتٌ ثالثة
- نظراً إلى عجز نتنياهو ومنافسه الرئيسي، بيني غانتس، عن تشكيل حكومةٍ بعد الانتخابات الأخيرة، فقد أسنِدَت المهمة إلى البرلمان، الذي لديه ثلاثة أسابيع لمحاولة اختيار رئيس وزراء يحظى بدعم أغلبية أعضائه. وإذا فشل البرلمان، ستجري إسرائيل انتخابات أخرى.
- وإذا فاز نتنياهو في تلك الانتخابات، بالرغم من التهم الموجهة إليه، فسيتعين حينئذٍ على الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أن يقرر ما إذا كان من المناسب تكليفه بتشكيل حكومة.
- وهنا يتبيَّن أن القانون غير واضح في نواحٍ كثيرة. وفي هذا الصدد، قال مردخاي كريمنيتزر، عميد كلية الحقوق السابق في الجامعة العبرية في القدس والزميل البارز في معهد إسرائيل للديمقراطية، إنَّ هناك شريحةً كبيرة من الشعب تعتقد أنَّ استمرار رئيس الوزراء في منصبه أثناء اتهامه بارتكاب جرائم فادحة يعد "مزيجاً لا يُطاق".