روسيا تسعى إلى توسيع علاقاتها في مجال الدفاع العسكري في الشرق الأوسط، مستفيدةً من نفوذها الإقليمي المتصاعد لإبرام صفقات جديدة لبيع أسلحتها، واللافت أن السلاح الروسي يلاقي اهتماماً كبيراً رغم التهديدات الأمريكية لدول المنطقة بمعاقبة من يشتريه.
وبالنسبة لروسيا فإن تجارة السلاح ليست مجرد وسيلة لجلب مليارات الدولارات لخزينة البلاد فقط، بل أيضاً وسيلة لتعزيز نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط ووراثة الولايات المتحدة في بعض المناطق، حسبما ورد في تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.
السلاح الروسي أصبح نجماً في معقل النفوذ الأمريكي بالمنطقة
أكثر من 1200 شركة من جميع أنحاء العالم يفترض أنها حضرت معرض دبي للطيران، حيث تعرض تكنولوجيا الفضاء الجوي بين مختلف الدول الساعية إلى إبرام عقود وصفقات مربحة.
وكان هناك ما يقرب من 30 شركة روسية من بين المشاركين، وحتى يوم أمس الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني، تمكَّنت موسكو بالفعل من ترتيب بعض الصفقات المستقبلية، لا سيما مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستضيف المعرض.
ومن بين الترتيبات التي نوقشت إمكانية تزويد الإمارات بطائرة استطلاعية بدون طيار من طراز Orion-E وطائرات مروحية من طراز MiG Mi 38 وطائرات مقاتلة من طراز Sukhoi Su-35 "من الجيل الرابع ++"، وفقًا لما أوردته وكالة أنباء Tass الروسية الحكومية.
السعودية على طريق تركيا في شراء هذه المنظومة الروسية الشهيرة
تفكر تركيا كذلك في شراء طائرات Su-35 في أعقاب شرائها منظومة S-400 الصاروخية، التي تعد أحدث منظومةٍ دفاعية، والتي تجري المملكة العربية السعودية كذلك محادثات لشرائها بعد الهجوم الأخير على منشآتها النفطية الذي ألقى باللوم فيه على إيران.
ويقوم بوتين بنفسه بالدعاية لمشروع الطائرة الشبحية Su-57 التي عرض على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شراءها خلال تفقدهما لها في معرض أقيم في موسكو قبل عدة أشهر.
وأمريكا تهدد مصر لتخويف الباقين
ومع جذب الأسلحة الروسية لاهتمامٍ أكبر من أي وقت مضى، حاولت الولايات المتحدة تثبيط المشترين المحتملين بتهديدهم بفرض عقوبات.
إذ أبدت مصر كذلك في معرض دبي للطيران اهتمامها بشراء طائرات Su-35.
وهي الخطوة التي دفعت كلارك كوبر، وزير الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأمريكية، إلى تحذير مصر يوم أمس من "احتمالية تعرُّضها لعقوباتٍ، وخسارة عمليات استحواذ مستقبلية"، وفقاً لوكالة Associated Press.
دولة وحيدة تم تطبيق العقوبات الأمريكية عليها
وفي حين أنَّ الهند كذلك أبرمت عقداً لشراء منظومة S-400، فإنَّ الصين هي الوحيدة التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوباتٍ لشراء هذه المنظومة، إلى جانب بعض مكونات طائرة الـSu-35.
وطُبِّقت العقوبات بموجب قانون "مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" الذي أقر في عام 2017، والذي وضع روسيا، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، في قائمة الدول التي يُحظَر شراء أسلحةٍ منها.
ومع ذلك، فبعد عامين من إقرار هذا القانون، واصلت موسكو إقامة علاقات جديدة وتعزيز العلاقات القائمة في مجال الدفاع العسكري.
فبالإضافة إلى الصفقات الأخيرة في مجال الأسلحة الجوية، ذكرت هيئة الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري والفني لوكالة Tass يوم أمس أنَّ موسكو أكملت كذلك المرحلة الأولى من تسليم دبَّابات من طراز T-90 إلى العراق، وهي دولة أخرى في الشرق الأوسط لديها علاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة.
حجم تجارة الأسلحة الروسية وصل إلى مليارات الدولارات
وفي حديثٍ له في معرض دبي، قال سيرغي تشيمزوف، الرئيس التنفيذي لمؤسسة Rostec الروسية الحكومية، يوم أول أمس الأحد 17 نوفمبر/تشرين الثاني إنَّ قطاع الأسلحة والمعدات العسكرية في البلاد يتوقع أن يحقق ما بين 13.5 و13.7 مليار دولار من عائدات التصدير بحلول نهاية العام الجاري 2019، منها 11 مليار دولار تأكَّد الحصول عليها بالفعل، وفقاً لما ذكرته مجلة Aviation Week.
وقال إنَّه بالرغم من "قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، سجلت روسيا مكاسب قياسية في العام الماضي 2018 من تصدير التكنولوجيا العسكرية، مضيفاً: "بل ستكون المكاسب أكبر في العام الجاري، لكن على أقل (تقدير) لن تكون أقل".
غير أنَّ الولايات المتحدة ما زالت تتصدر قائمة الدول المصدرة للأسلحة بفارق كبير عن أقرب منافسيها.
ففي حين أن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام يُقدِّر أن روسيا باعت ما يقرب من أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار في العام الماضي، فقد باعت الولايات المتحدة أسلحة بقيمة 10.5 مليار دولار، معظمها ذهب إلى دولٍ في الشرق الأوسط، الذي أصبح يُنظَر فيه إلى موسكو بصورةٍ متزايدة على أنَّها قوة دبلوماسية رائدة.
كيف أصبحت الدبلوماسية أداة تفوق روسيا الإضافية؟
ومع أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا إلى إنهاء "الحروب الأبدية" التي تخوضها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم، فإن وزارة الدفاع الأمريكية ما زالت تحتفظ بآلاف القوات في قطر والكويت والعراق والإمارات العربية المتحدة والأردن.
كما أرسل ترامب قواتٍ إضافية إلى المملكة العربية السعودية من أجل مواجهة العدوان المتصوَّر من إيران، ومع أنَّ الرئيس الأمريكي سحب عدداً من الجنود المتركزين في شمال سوريا ضِمن حملةٍ كانت الولايات المتحدة تقودها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أرسل قواتٍ إضافية للحفاظ على السيطرة على حقول النفط في شرق سوريا.
ولطالما دعت موسكو، بدعمٍ من دمشق وطهران، وزارة الدفاع الأمريكية إلى الانسحاب الكامل من سوريا، معتبرةً أن الوجود الأمريكي هناك غير قانوني.
وطوال الحملة الروسية العسكرية في سوريا، حافظت موسكو على اتصالها مع جميع الأطراف الفاعلة تقريباً، مما منحها أفضليةً دبلوماسية على الولايات المتحدة، التي رفضت الدخول في محادثات مع النظام السوري أو حليفته الأخرى: إيران.
تفاهم تركي روسي في سوريا.. لكنْ هناك خلاف ظهر بمكان آخر
وجاء الخروج الأمريكي من سوريا في الوقت الذي حشدت فيه تركيا -حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)- قوات المعارضة السورية المتحالفة معها للهجوم على قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بدعمٍ من أمريكا وتخضع لقيادة الأكراد، والتي أبرمت بعد ذلك اتفاقاً مع النظام السوري، وداعمته العسكرية الرئيسية: موسكو. ومنذ ذلك الحين، تولَّت القوات الروسية قيادة عدة مواقع أمريكية مهجورة، وسعت إلى تأدية دور المُحكِّم بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية وتركيا، رغم استمرار العنف.
ومع أنَّ العلاقات بين موسكو وأنقرة شهدت تحسُّناً كبيراً في السنوات الأخيرة، فقد يدخل الطرفان مرةً أخرى في مواجهةٍ عنيفة في إحدى دول المنطقة.
ففي ليبيا -وهي بلدٌ آخر مزقه العنف إلى حدٍّ كبير منذ ثورة عام 2011 التي دعمتها الدول الغربية- عززت تركيا دعمها لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، بينما أشارت بعض التقارير الأخيرة إلى زيادة عدد الشركات العسكرية الروسية الخاصة التي تدعم الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في حصاره للعاصمة الليبية طرابلس.
وكذلك يحظى حفتر بدعمٍ من الإمارات العربية المتحدة، التي زارها يوم الخميس الماضي 14 نوفمبر/تشرين الثاني، ومصر، التي أعلن الكرملين يوم أمس أنها قد تستقبل زيارة دولة من بوتين في العام المقبل 2020.
وها هي أمريكا تغير موقفها من حفتر نكاية في بوتين
وفي يوم الخميس الماضي، التقى بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية بممثلي حكومة الوفاق الوطني في واشنطن، ودعوا حفتر إلى إنهاء هجومه وتقديم "الدعم لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا لاستغلال النزاع ضد إرادة الشعب الليبي".
وقبل ذلك بأيام، رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فكرة أنَّ موسكو تسعى إلى حل محل الولايات المتحدة في تولِّي دور "حفظ الأمن" في الشرق الأوسط، واصفاً ذلك الدور بأنَّه "عقلية بوليسية" و"بدعة غربية" ساعدت في زعزعة استقرار المنطقة.
وعندما سُئل لافروف عمَّا إذا كان يجب إلقاء اللوم على الغرب في كل شيء، بما في ذلك الأزمات الجارية في العراق وليبيا وسوريا، قال: "لا، ليس كل شيء. بل أخطائه فقط".