لم يعد أمام بيني غانتس، المنافس السياسي الأبرز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا ساعات قليلة قبل الموعد النهائي في منتصف ليل الأربعاء لتشكيل حكومة ائتلافية، وتخليص إسرائيل من أطول مأزقٍ سياسي في البلاد، استمر عدة أشهر.
ماذا يعني فشل حكومة "الوحدة"؟
- تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن فشل غانتس، وهو قائد سابق للجيش، في تشكيل ائتلاف حكومي قابل للحياة، يمكن أن يدفع إسرائيل المنقسمة بعمق لخوض انتخاباتها الثالثة في غضون عام.
- كان غانتس، الوافد السياسي الجديد نسبياً وزعيم حزب "أزرق أبيض" (تحالف جنرالات)، قال إنه يريد توحيد صفوفه مع نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في إسرائيل وزعيم حزب الليكود المحافظ، في حكومةِ وحدةٍ وطنية ليبرالية واسعة، ترتكز على اثنين من الأحزاب الكبيرة.
- لكن الترتيبات المحتملة لتقاسم السلطة قد تعقّدت بسبب الوضع القانوني لنتنياهو، الذي يواجه إدانة محتملة في ثلاث قضايا اتهام تتعلق بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة.
- من المتوقع أن يعلن المدّعي العام الإسرائيلي، أفيخاي ماندلبليت، قراره فيما يتعلق بالتهم الموجهة إلى نتنياهو بحلول نهاية الشهر. في حين أن اجتماعاً عقد مساء يوم الثلاثاء بين غانتس ونتنياهو، انتهى فجأةً ودون نتائج، بعد ساعة من بدايته.
- وفي إشارةٍ إلى عدم إحراز تقدم، قال غانتس بعد الاجتماع "إن جولة انتخابات ثالثة ستكون أمراً سيئاً، لكن لا يمكن للمرء التخلي عن المبادئ والقيم الأساسية"، وتعهد بمواصلة "بذل أقصى ما في وسعه" في سعي للتوصل إلى تفاهم فيما تبقى له من وقت مخصص لتشكيل حكومة.
هل يملك غانتس خيارات أخرى إذا فشل في تشكيل الحكومة؟
- مع أن فرص نجاحه تبدو ضئيلة، فإن غانتس لا يزال أمامه خيارات لكسر حالة الشلل السياسي التي أصابت إسرائيل، منذ أبريل/نيسان الماضي، عندما أجريت أول جولة انتخابية من جولتين لم تسفرا عن نتائج حاسمة، لتتبعها انتخابات أخرى في شهر سبتمبر/أيلول.
- إذ لا يزال بإمكان غانتس ونتنياهو التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة، أو يمكن لغانتس أن يعلن قيام حكومة أقليةٍ ضيقة بدون نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف والمتدينين الأرثوذكس المتشددين. قد يقتضي هذا طلب مساعدة من بعض الأحزاب الصغيرة التي قد تنضم إليه في الائتلاف أو تدعمه من الخارج.
- لكن حكومة أقليةٍ ستتطلّب التعاون من نواب من الأحزاب ذات الأغلبية العربية في الكنيست، وحزب "يسرائيل بيتينو/إسرائيل بيتنا" القومي المتطرف وزعيمه أفيغدور ليبرمان. وقال محللون إن هذا المزيج لن ينجح على الأرجح، وإن أي تحالف ناشئ عنه سيكون غير مستقر وقصير الأجل.
- في انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، لم يفز لا حزب أزرق أبيض ولا الليكود بدعمٍ كاف لبناء ائتلاف أغلبيةٍ في البرلمان المؤلف من 120 مقعداً، فقد حصل أزرق أبيض على 33 مقعداً، متفوقاً على ليكود نتنياهو، الذي حصل على 32 مقعداً.
- لكن نتنياهو حصل على تأييد 55 من أعضاء البرلمان اليمينيين والمتدينين، لشغل منصب رئيس الوزراء، أكثر من عدد المؤيدين الذي حصل عليه غانتس.
ماذا عن ليبرمان؟
- احتفظ ليبرمان، حليف نتنياهو السابق، والذي تحول إلى منافس، بكفة التوازن، من خلال المقاعد الثمانية التي فاز بها حزبه، وبدا أنه يستمتع بدوره بوصفه "صانعَ ملوك محتمل". ومن ثم أخذ يُصدر كلاً من المطالبات السياسية والإنذارات، في سعي لحمل غانتس ونتنياهو على التوصل إلى تسويةٍ وتوحيد الصفوف، رغم أن حزبي الليكود وأزرق أبيض قد حصلا على مقاعد كافية بينهما لتشكيل حكومة ائتلاف مشتركة من دونه.
- مُنح نتنياهو، بوصفه زعيم الكتلة البرلمانية الكبرى، الفرصة الأولى لمحاولة تشكيل حكومة. غير أنه تخلّى عن بذل المزيد قبل أيام من انتهاء مهلته البالغة ستة أسابيع. بعد ذلك، مُنح غانتس أربعة أسابيع ليحاول النجاح فيما فشل فيه نتنياهو المخضرم.
- إذا فشل غانتس أيضاً، فسيكون أمام البرلمان 21 يوماً للتوصل إلى مرشحٍ: أي مرشح، بما في ذلك نتنياهو أو غانتس، يمكنه الحصول على تأييد أغلبية 61 مقعداً في الكنيست. إما إذا فشلت تلك المرحلة الأخيرة من العملية أيضاً في تشكيل حكومة، فسيُحل البرلمان، وستبدأ إسرائيل استعداداتها لإجراء انتخابات ثالثة في ربيع العام القادم.
لماذا يريد نتنياهو أن يتزعم الحكومة دون غيره؟
- ظلّ إصرار نتنياهو على تولي رئاسة الوزراء أولاً، ضمن أي اتفاق تناوب مع غانتس، نقطةً شائكة رئيسة في المفاوضات المتعلقة بتحالف وحدة بين الطرفين.
- يمثل تولي منصب القيادة أولاً في أي اتفاقية ائتلافية أمراً مهماً لنتنياهو، لأنه في حال أصبح وزيراً عادياً، سيتعين عليه الاستقالة على الفور متى وجهت إليه تهماً رسمية. إذ بموجب القانون الإسرائيلي الحالي، يجوز لرئيس الوزراء المتهم بارتكاب جرائم أن يظل في منصبه حتى صدور حكم من المحكمة، بعد استنفاد عملية الاستئناف، وهي عملية قد تستغرق سنوات.
- لم تكن تلك بداية يمكن الاتفاق عليها من جانب معظم قيادات حزب أزرق أبيض. فقد كان الحزب تعهد مراراً وتكراراً للناخبين بعدم الانضمام إلى حكومة برئاسة رئيس وزراء يواجه لائحة اتهام جدّية.
- زاد على ذلك إصرار نتنياهو على ضم كل كتلته اليمينية والدينية المؤلفة من 55 برلمانياً إلى أي ائتلاف ينضم إليه، ما واجه اعتراضات شديدة من حزب أزرق أبيض.
- أخذ الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، الذي يعد دوره رمزياً إلى حد كبير، يضغط من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقدم اقتراحه الخاص لمحاولة حلِّ هذا المأزق.
- اقترح ريفلين أن يتولى نتنياهو منصب رئيس الوزراء أولاً، وإذا وجِّه اتهام رسمي إليه، فإنه يُعلن عجزه أو تعذر ممارسة صلاحيات منصبه لفترة غير محددة. ليظل نتنياهو محتفظاً بلقب رئيس الوزراء، في حين يتولى غانتس منصب رئيس الوزراء بالوكالة بصلاحيات كاملة.
- لكن في حين تقبّل نتنياهو الفكرة، فإن قادة أزرق أبيض لاقوا صعوبة في قبولها. فالاقتراحُ يعدّ غامضاً فيما يتعلق بتوقيت تنحي نتنياهو عن المنصب، وينطوي على إشكالية من الناحية القانونية، إذ قد يتطلب الأمر إجراء تغييرات في قوانين، بما في ذلك القانون الذي يتناول العجز عن أو تعذر ممارسة صلاحيات المنصب.
ماذا عن اقتراح الرئيس الإسرائيلي بتناوب الرجلين على رئاسة الحكومة؟
- يقول البروفيسور مردخاي كريمنيتزر، عميد كلية القانون السابق في الجامعة العبرية في القدس إنه يتفهم رغبة ريفلين وسعيه لمحاولة تجنب إجراء انتخابات ثالثة. لكن اقتراح الرئيس سمح في أساسه بتولي رئيسي وزراء للمنصب في الوقت ذاته، أحدهما يعمل فعلياً، وهو غانتس، والآخر، وهو نتنياهو، يحتفظ باللقب.
- ويقول كريمنيتزر: "السؤال هنا، هل سيكون بإمكان رئيس الوزراء الرمزي فعلاً الامتناع عن التدخل؟ من الصعب تخيل ذلك، وسيخلق هذا الأمر وضعاً مستحيلاً وخطيراً، فيما يتعلق بالحوكمة وإجراءات مراقبة وضمان أداء الحكومة لمهامِها على نحو مناسب".
- ظلت محادثات تشكيل حكومة وطنية، والتي كان الهدف منها معالجة الخلافات الوطنية، تجري في أجواء من الانقسام الواضح.
- فقد أخذ نتنياهو يتهم غانتس طوال الوقت بالتخطيط لتشكيل حكومة ضيقة بدعمٍ من الأعضاء العرب في الكنيست، واصفاً هذه الحكومة بأنها "خطيرة على إسرائيل". وندد منتقدو نتنياهو بمثل هذا الخطاب المثير للتوترات باعتباره عنصرياً، قائلين إنه يحرّض على العنف.
- في الوقت نفسه، أخذ غانتس ينتقد تحالف نتنياهو مع الأحزاب اليمينية والمتشددة الأرثوذكسية، باعتبارها "كتلة حصانة" له، يسعى بها إلى توفير حماية برلمانية له من الملاحقة القضائية.
- إن الأزمة السياسية هذه ليست التحدي الوحيد الذي يواجه إسرائيل الآن. إذ قال الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء، إنه شنَّ غارات على عشراتٍ من المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا. وجاءت الضربات بعد يوم من إطلاق صواريخ على مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل، ناهيك عن جولات التصعيد المتجددة مع قطاع غزة، التي كان آخرها الأسبوع الماضي.