رغم نجاح الحراك اللبناني في إجبار الحكومة على الاستقالة والضغط على النظام الطائفي، ولكن هناك مخاوف تنتاب الثوار مما تحضره النخبة الحاكمة، والسؤال الأكبر لديهم هل يتم إسقاط الثورة اللبنانية في بئر المساومات التي يجيدها الساسة اللبنانيون والسؤال الأخطر هل تقع حرب أهلية جديدة في لبنان؟
كان ترشيح وزير المالية السابق محمد الصفدي لتكليف الحكومة ثم رفضه من قبل الشارع نموذجاً واضحاً لمحاولات التلاعب التي يقوم بها الجانبان (قوى 14 آذار و8 آذار) على حساب الثورة.
ولكن أخطر ما يخيف الثوار ليس فقط المساومات السياسية التي تحاول امتصاص طلبات الثورة دون تنفيذها، وإنما التحركات في الشارع التي يمكن أن تتبع إضعاف الزخم الثوري عبر مثل هذه المساومات السياسية.
فثمة شعور أن شيئاً بالخفاء تحضره السلطة السياسية وتحديداً حزب الله المأزوم نتيجة هذا الحراك للثورة وللحراك المشتعل دون توقف.
ولا يُعلم هل السلطة مأزومة في تصرفاتها أم تعرف ما تفعله وتعمد تفريغ زخم الثورة بمبادرات مثل اختيار النائب محمد الصفدي لرئاسة الحكومة.
وبعد تسريب تسمية الوزير محمد الصفدي وقعت تظاهرات في محيط مكتبه ومؤسساته في طرابلس والتي كان يفاخر الصفدي بقوة شعبيته وحضور ماكينته الانتخابية فيها ما يؤسس لمرحلة من المجهول السياسي تعيشها الثورة اللبنانية.
يرى ظافر ناصر أمين سر الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أن الثورة وعناوينها خلقت تحولاً جذرياً في البيئة اللبنانية، وهذا يتطلب اعترافاً حقيقياً من القوى السياسية على الرغم من مكابرة البعض أن اللبنانيين باتوا يطمحون لكل أشكال التغيير السياسي بعد سلسلة الفشل في الحد الأدنى لتأمين حياة كريمة لمعظم الشعب.
لكن ناصر يقول بصراحة عن أفق المرحلة القادمة "ما حدا بيعرف شي" ونحلل الوقائع كل يوم بيومه لأن تسارع الأحداث والتعاطي معها يلزم الجميع التفكير بعقلانية وهذا ما فعلناه بعد ما جرى من قتل لرفيقنا في الحزب علاء أبو فخر في خلدة وكيفية التعاطي تحت سقف الدولة الذي أعلن عنه الزعيم وليد جنبلاط.
لكن وبحسب ناصر أن المرحلة القادمة غير واضحة المعالم في ظل لهجة التخوين المتبعة من البعض المتمثلة في شيطنة حراك اللبنانيين.
نجاحات للحراك
على الجانب الآخر، يرى أحد أبرز ناشطي المجتمع المدني سامر مزهر منسق مبادرة شباب لبيروت أن الناس في الشارع أجبرت السلطة في البداية على التنازل بعد فوقيتها المعهودة وتقديمها ورقة إصلاحات هشة استجابة لضغط الشارع وثاني نجاحات الحراك سقوط حكومة العهد في الشارع رغم الرهان على عدم سقوطها والتهديد الدائم بأن الشارع سيكون في مقابل الشارع ومحاولات الترهيب التي جرت في ساحات بيروت وهذا ما أعطى مفعولاً عكسياً وزاد من زخم المشاركة والتظاهرات، حسب قوله.
ويرى مزهر أن احترام الآليات الدستورية واجب وطني لكننا اليوم أمام هبة جماهيرية مازالت تحمل مطالب واضحة، أبرزها حكومة كفاءات مؤقتة هدفها الأساس معالجة اقتصادية سريعة والدعوة لانتخابات برلمانية على قانون عادل يراعي صحة التمثيل.
ويتفق مزهر مع ظافر ناصر في استشراف المرحلة المقبلة ليؤكد أن المشهد المستقبلي ضبابي على الرغم من الوعي الشعبي الرافض لعودة رموز الفساد على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم.
بوسطة عين الرمانة
وتشهد البلاد حملة واسعة من مناهضي الحراك تحذر من احتمالات نشوب حرب أهلية في البلاد، مع التلميح إلى مسؤولية الحراك عن هذا التهديد ومحاولة تفسير أو تأويل أي تصرف في هذا الاتجاه.
وفي هذا الإطار قام نشطاء بتسيير ما يعرف باسم "بوسطة الثورة" (حافلة الثورة) في المناطق اللبنانية، تهدف لكسر الحواجز الطائفية والمناطقية وكذلك بهدف تغيير صورة "البوسطة" الراسخة في ذاكرة اللبنانيين والمرتبطة باندلاع الحرب الأهلية.
ويرتبط اسم "بوسطة عين الرمانة" بانطلاق الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل/نيسان 1975، حيث شكلت شرارة اندلاع الحرب اللبنانية بعد إطلاق النار على الحافلة في منطقة عين الرمانة في ضاحية بيروت الجنوبية، ليستمر القتال بين أبناء الوطن الواحد 17 عاماً.
وصدرت بعض الأصوات الرافضة لوصول البوسطة إلى الجنوب حيث السيطرة الكبرى لحزب الله وحركة أمل والمعروفين بموقفهما المناهض للثورة، معتبرين أنها إعادة لذكريات الحرب الأهلية في حين أكد الناشطون سلمية حراكهم وأنهم مصرون على الوصول إلى الجنوب.
هل تقع حرب أهلية جديدة في لبنان؟
وعن الكلام المتكرر والتخويف من عودة شبح الحرب الأهلية.. يرى مزهر أن الحرب الأهلية لها عواملها وهي غير متوافرة نتيجة أن نصف اللبنانيين في الشارع والنصف الآخر يعترف بوجود أزمة، وهذا يلغي سيناريو حرب الطوائف والأحزاب.
"إنتوا الحرب الأهلية ونحنا الثورة الشعبية".. واحد من الشعارات التي رفعها متظاهرون كثر على امتداد الساحات اللبنانية. وهو يتضمن رسائل مختلفة، أبرزها أن الكثير من وجوه السلطة الحاكمة، اليوم، كانوا مشاركين في الحرب الأهلية اللبنانية ومسؤولين عنها، وأن محاولات التهويل الدائمة بعودة تلك الحرب لن تنطلي هذه المرة على اللبنانيين الذين أسقطوا حاجز الخوف وانقسام الطوائف والمناطق.
هل انتهت مشاركة الشيعة في الحراك؟
في نظرة مختلفة يقرأ الصحفي والمحلل السياسي منير الربيع الأحداث ويرى أن السلطة غير متخبطة وتدرك ما تفعله منذ اليوم الأول فهي تعيش نوعاً من نكران ما يجري لأنها تراهن على قوتها وعلى الدولة العميقة التي باتت تدير المشهد.
ويشدد الربيع أن جمهور حزب الله كان من اليوم الأول في الشارع مع الحراك لأن هذا الشارع موجوع كباقي الساحات اللبنانية التي ضاقت ذرعاً من الواقع الصعب.
وقال" وهذا ما جعل حزب الله يحاول "لملمة" شارعه ولملمة الساحات المحسوبة عليه تارة بخطاب التخوين واتهام الحراك بأنه ممول من سفارات ودول، وتارة أخرى بالترهيب الأمني والتهديد المباشر، ما يعني وقف امتداد الحراك في مناطقه وعزل مناطق جغرافية عن التفاعل مع الثورة".