ساحة للتسوية.. أمريكا وإيران تتنافسان في العراق مجدداً، لكن الشعب هناك يريد التغيير فقط

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/14 الساعة 16:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/14 الساعة 20:54 بتوقيت غرينتش
متظاهرون عراقيون يحتجون ضد الحكومة - رويترز

مع تصاعد الاحتجاجات في العراق، بدأت تتطور رواية ترى أنَّ الاحتجاجات تشكل ضربة قوية للنفوذ الإيراني، وتبرهن على أنَّ الشعب العراقي اكتفى من تدخُّل طهران في شؤون دولته. وهذا هو ما قاله أيضاً وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في تغريدة حديثة. 

وتشمل الأدلة التي تستند إليها هذه الرواية، حقيقة أنَّ الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً تبيَّن أنها متورطة في الهجمات العنيفة على المتظاهرين العراقيين، وأنَّ من بين الشعارات التي هتف بها المحتجون: "إيران برّا برّا". بتعبير آخر، يمكن أن تواجه طهران ما يشبه الانتكاسة حين تتفاقم المظاهرات إلى تصفية حسابات، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.

التنافس الأمريكي – الإيراني في العراق

ومهما تكن هذه الرواية جذابة لدى الأمريكيين، الذين لم تسهم حربهم بالعراق إلا في تعزيز النفوذ الإيراني هناك عقب 15 عاماً من الحرب، فإنها مليئة بالأخطاء. فهي ليست إلا نتاجاً لمتابعة الأحداث من زاوية واحدة؛ وهي: المنافسة الأمريكية – الإيرانية في الشرق الأوسط. والحقيقة أنَّ الولايات المتحدة وإيران شرعتا في فصل جديد من التنافس بالعراق عقب 5 سنوات من التنسيق الضمني في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). لكن الرواية الأبرز هنا ليست مَن منهما متقدمة على مَن في هذه المنافسة، بل هي أنَّ شعباً عربياً آخر خرج إلى الشارع مطالباً بالتغيير.

منذ أواخر عام 2010، عصفت بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 10 انتفاضات حاشدة مختلفة، في: تونس وليبيا والبحرين وسوريا واليمن والجزائر والسودان، ومرتين بمصر، ومؤخراً في العراق ولبنان. وقبل زمن قليل من موجة الانتفاضات تلك، اندلعت في إيران نفسها مسيرات هائلة، خلال "الحركة الخضراء" التي طوَّرت طهران خلالها عديداً من التكتيكات لقمع المعارضة، واختبرتها، ولا تزال تستخدمها منذ ذلك الحين (أو علَّمتها لوكلائها في أنحاء المنطقة). 

وإلى الآن بعض هذه الانتفاضات لم تصدر حكمها النهائي بعد، لكن في جميع الحالات الأخرى، باستثناء تونس، كانت النتائج سلبية على نحوٍ قاطع. وهكذا يعيش العراق فوق صفيح ساخن، لكن ما ينتظره هو سؤال دون ردٍّ.

القومية العراقية

بينما يُرفَع الستار عن هذه الأحداث، ينجذب الأمريكيون إلى التركيز على ما تبدو أنباء سارة من دولة، غالباً ما ترتبط في أذهانهم بذكريات سيئة. وبالنسبة لإدارة ترامب، التي تستند سياستها الإقليمية إلى هدف التصدي لإيران، يبدو أنَّ الاحتجاجات تتوج حملتها لممارسة أقصى الضغوط، والهادفة إلى تقليص النفوذ الإيراني. ومع ذلك، سيكون من الأفضل أن توجه واشنطن تركيزها الأكبر على نقاط ضعفها، وليس على إيران. وحين أعلن رجل الدين الشيعي العراقي البارز آية الله علي السيستاني موقفه من الاضطرابات الحالية، حذَّر العراقيين من أن تصبح الاحتجاجات "ساحة للتسوية بين بعض الدول في المنطقة والعالم"، مشيراً بالتأكيد إلى إيران والولايات المتحدة.

وسارعت التقارير الإعلامية إلى إظهار أنَّ الاحتجاجات معادية للطائفية. أو بتعبير أفضل، كانت مشاعر القومية هي التي تحرّك العراقيين. وأحد أهم اللاعبين الذين يحاولون استغلال مثل هذه المشاعر بامتيازٍ، مقتدى الصدر، كما تقول "فورين بوليسي".

ولا ترتبط القومية العراقية عموماً بأنباء سارة في الشرق الأوسط. ففي الواقع، كانت هذه النزعة الدافع الرئيسي وراء قرار العراق غزو إيران المجاورة في عام 1980، وقمع الأكراد طوال ذلك العقد. ولهذا أصبح التخفيف من آثار القومية العراقية هو الشغل الشاغل للولايات المتحدة في فترة التسعينيات. ومثلما تفعل الاحتجاجات مع الوجود الإيراني داخل العراق، تقوض النزعة القومية العراقية قدرة الولايات المتحدة على الانخراط في ذلك البلد.

ماذا ينتظر العراق؟

تقول "فورين بوليسي" إنه إذا أُقيل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي من منصبه، كما يطالب المحتجون في الشوارع، فهناك سيناريوهان رئيسيان لما سيحدث لاحقاً:

الأول: جمود سياسي؛ نظراً إلى أنَّ أكبر تكتُّلين برلمانيين (سائرون وائتلاف فتح) يختلفان حول مصير رئيس الوزراء، من بين أشياء أخرى كثيرة. وهذا ما سيجعل من بناء حكومة جديدة مهمة صعبة للغاية. وإدراكاً لهذا الوضع، تمثلت استراتيجية صمود المهدي، في جعل استقالته مشروطة بأن يجتمع الجانبان لترشيح حكومة جديدة أولاً. وفي الواقع، هو يراهن على أنهما سيعجزان عن الاتفاق، وقد يكون على حق في ذلك.

ومع ذلك، إذا أُجبِر عبدالمهدي على التنحي، سواء أجاءت حكومة تخلفه أم لا، فلا يوجد ما يوحي بأنَّ الحكومة المقبلة ستكون أقرب إلى الولايات المتحدة منها إلى إيران. فعلى سبيل المثال، قد يكون خليفة عبدالمهدي الأكثر توقعاً هو الصدر، الذي حصد أعلى عدد أصوات في انتخابات 2018. 

ويضغط الصدر منذ فترة طويلة، من أجل إخراج القوات الأمريكية من العراق. أما ثاني مُرشَح حقق أعلى عدد أصوات في تلك الانتخابات، فكانت كتلة تدعمها إيران، ومن بين أعضائها أشخاص شنوا هجمات على القوات الأمريكية في أواخر العقد الأول من القرن العشرين؛ في محاولة لطردهم من العراق. وهناك أحزاب عراقية حصدت أصواتاً أقل، تُقدِّر قيمة التدريبات والتسليح الذي توفره القوات الأمريكية. لكن يتطلب الأمرُ المستحيلَ لرؤية هذا المزيج يتَّحد معاً للخروج بكيان مؤيد للولايات المتحدة.

إنَّ تسليط الضوء على خطورة ما يحدث في العراق لا يعني إنكار المطالب المشروعة للمتظاهرين أو الرغبة في قصر جهود التخلص من عيوب الطبقة السياسية الحالية في العراق على الأماني فقط. 

إذ حدَّد المتظاهرون مشاكل حقيقية لدى النخب الحاكمة ببلدهم، من ضمنها الفساد، وتقديم الولاء للطائفة على الولاء للدولة، وغياب الفرص الاقتصادية. إلى جانب هذا، يدرك المتظاهرون جيداً دور إيران في تأجيج عديد من هذه التحديات، ومن ضمنها العبث بالسيادة العراقية وتشجيع الطائفية. لكن من "الغباء" اعتقاد أنهم إذا نجحوا في جهودهم وأزاحوا عبدالمهدي من السلطة، فإنهم سيجرجرون الإيرانيين من آذانهم ويلقون بهم خارج البلاد؛ محققين بذلك أهداف الولايات المتحدة. فهذا ضرب من ضروب الخيال، كما تقول المجلة الأمريكية.

تحميل المزيد