اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري بحركة الجهاد لم يكن لأهداف أمنية بالأساس بل هو طوق نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبمثابة ضربة تحت الحزام لزعيم المعارضة الإسرائيلية بيني غانتس، فيما سيدفع الشعب الفلسطيني من دمائه ثمن هذه الحيلة الدموية.
ففي الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار الفلسطينية والإسرائيلية نحو قطاع غزة، والرد المتوقع من الفصائل الفلسطينية على اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري في حركة الجهاد الإسلامي، فإن أنظاراً أخرى تتركز نحو الجهود التي يبذلها بيني غانتس رئيس حزب أزرق-أبيض لتشكيل حكومته القادمة، وما إذا كان هذا الاغتيال، والتطورات العسكرية والميدانية سوف تلقي بظلالها على هذه الجهود.
الهدف من اغتيال بهاء أبو العطا في هذا التوقيت
لا يختلف الفلسطينيون والإسرائيليون على أن أحد الأهداف الأساسية الإسرائيلية لاغتيال أبو العطا يتمثل في خدمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على صعيد بقائه في موقعه هذا من جهة.
ومن جهة أخرى حرمان خصمه العنيد غانتس من فرصة النجاح بتشكيل حكومته المقبلة، وقد تبقى على سقفه الزمني أيام قليلة فقط، وربما يأمل نتنياهو من جولة التصعيد العسكري الجديدة مع غزة إجبار غانتس على تشكيل حكومة وحدة أو حكومة طوارئ تحظى بدعم الجمهور الإسرائيلي.
ولذلك فور انتشار خبر الاغتيال، بدأت تصدر اتهامات إسرائيلية عديدة إلى نتنياهو، بأنه نفذ العملية في هذا التوقيت بالذات خدمة لتطلعاته الحزبية والسياسية، وليس بالضرورة حفاظاً على أمن الدولة.
لقد حاول التبرؤ من هذه الدوافع السياسية بمساعدة الجنرال الأكبر
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للدراسات الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "الجدل السياسي والحزبي الذي رافق عملية الاغتيال دفع نتنياهو لعقد مؤتمر استثنائي مع قائد هيئة أركان الجيش أفيف كوخافي، ورئيس جهاز الأمن العام- الشاباك نداف أرغمان، من أجل إثبات أن العملية نفذها الجيش الإسرائيلي وفق معلومات استخباراتية.
أما نتنياهو فقط كانت مهمته فقط هي جمع الكابينت، واستجلب منهم موافقة على العملية التي أعطى الجيش القرار بتنفيذها في الوقت المناسب بالنسبة له من النواحي العسكرية والأمنية".
ولكن الجيش الإسرائيلي أراد هذه العملية
فكما أن نتنياهو يحتاج لعملية الاغتيال لاعتبارات سياسية وحزبية، فإن كوخافي قائد الجيش يحتاج لها، حسب بشارات.
والسبب أنه يسعى لإقرار ميزانية الجيش لتنفيذ خطته السنوية، لكنها لم تقر بسبب عدم وجود حكومة مستقرة، وهنا التقت مصلحة المستوى السياسي مع نظيره العسكري والأمني.
الآن نتنياهو وكوخافي ينتظران انتهاء تبعات الاغتيال بسرعة، ولا يرغبان بمشاركة حماس في هذه الجولة من المواجهة، كي لا يتم التخريب على نتنياهو الذي يريدها جولة عابرة، يحقق فيها إنجازاً أمنياً بالاغتيال، وفي الوقت ذاته لا يتورط باستنزاف إسرائيل أمام المقاومة الفلسطينية".
وبدا لافتاً أن يجتمع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع بيني غانتس، باعتباره زعيم المعارضة الإسرائيلية، وأطلعه على آخر التطورات الأمنية الخاصة بالتصعيد الأمني الراهن.
في حين أن غانتس الذي لا يفارقه شك بأن نتنياهو سعى من عملية الاغتيال لإحباط جهوده لتشكيل الحكومة، اضطر لأن يعلن دعمه لعملية الاغتيال، لكنه ما لبث أن خرج بتصريح مصور قال فيه إن عملية الاغتيال لن تؤثر على إجراءاته السياسية، وعمله لتشكيل الحكومة، مما اعتبر رسالة لنتنياهو بأنه لم ينجح بعد في إحباط جهوده لتشكيل الحكومة.
رغم أنه امتنع في السابق عن التصديق على الاغتيال
محمد حمادة، الأسير الفلسطيني المحرر، والخبير في الشئون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "قدرة نتنياهو في المناورة السياسية والاستفادة الحزبية من هذه الجولة محدودة جدا، فقد بات واضحاً لكل الأطياف السياسية الإسرائيلية حجم المأزق الذي يعيشه نتنياهو من ناحية سياسية وجنائية، وعليه فهم لن يسمحوا له بركوب هذه الجولة، وتجييرها لصالحه".
وأضاف أن "نتنياهو خرج في المؤتمر المشترك مع قيادة الجيش والشاباك لتسهيل مهمة تسويق عملية الاغتيال، مع العلم أن عملية اغتيال أبو العطا كانت مدرجة على طاولة الحكومة قبل انتخابات الإعادة في دورتها الثانية في سبتمبر/أيلول الماضي، لكن نتنياهو امتنع عن المصادقة عليها.
الآن بات متعذراً على غانتس تلقي الدعم من القائمة العربية، والمقاومة ترفض المناشدة المصرية
"اليوم في ظل أجواء الحرب مع غزة سيبدو متعذراً على غانتس أن يشكل حكومة مدعومة من القائمة العربية المشتركة، مما يحرجه أمام الإسرائيليين، حسب محمد حمادة.
ويضيف: "أكثر من ذلك سيكون صعباً على ليبرمان أن يدعم غانتس في تشكيل حكومته ويترك معسكر اليمين".
في زحمة هذه التطورات الإسرائيلية برز الموقف المصري لافتاً حين دعا الفصائل الفلسطينية لضبط النفس، وعدم توسيع رقعة المواجهة، بما يحقق مصلحة نتنياهو الذي لا يرغب بالدخول في حرب جديدة، تفسد عليه إنجاز الاغتيال، وتقلب المعبد على رأسه.
لكن الفصائل الفلسطينية رفضت مجتمعة التجاوب مع أي وساطات مصرية ودولية، قبل الانتقام لاغتيال أبو العطا.
حتى ليبرمان المتطرف غاضب منه.. فهل قضي على حلم غانتس؟
ولم يقتصر الاستقطاب الإسرائيلي حول تبعات عملية الاغتيال على الخارطة الحزبية على الثنائي نتنياهو وغانتس، بل إن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، دخل على الخط، وبدا عليه الإحباط والغضب من الاغتيال، لأنه طالب بتنفيذه قبل أكثر من عام حين كان وزيراً للحرب، لكن نتنياهو منعه في حينه من تنفيذه، الأمر الذي يفسر، حسب ليبرمان، أن موافقة نتنياهو اليوم على الاغتيال هو مصلحته السياسية.
عماد أبو عواد، الباحث الفلسطيني في مركز رؤية للتنمية السياسية، قال لـ"عربي بوست" أنه "بعد أن أخفق نتنياهو في تحقيق الفوز على غانتس بالنقاط الانتخابية، فقد اختار اغتيال أبو العطا ليكون قراراً مركزياً ومحدداً من نتنياهو ليحقق فوزه على غانتس بالضربة القاضية.
وأضاف "من الواضح أن غانتس لن يستطيع تشكيل حكومة في مثل هذا الوضع، لأنه لن يتمكن من إعلان حكومة أقلية مدعومة من القائمة العربية، وهكذا قضى نتنياهو على أحلام غانتس بتشكيل حكومته".
وأضاف أن "التطورات الأمنية والعسكرية الجارية تجعل من حظوظ غانتس في تشكيل الحكومة صفرية، لأن نتنياهو من خلال اغتيال أبو العطا ثبت معادلة مهمة بأن تكتل اليمين هو حجر الأساس لتشكيل أي حكومة مقبلة، سواء بوجود غانتس أو ليبرمان أو حتى حزب العمل".
ولم يتبق سوى أقل من سبعة أيام على المهلة الزمنية المتاحة أمام غانتس لتشكيل الحكومة، وفي حال فشل في ذلك، فإنه سيعيد كتاب التكليف إلى رئيس الدولة، الذي بدوره سيعلن عن دورة انتخابية ثالثة في فبراير/شباط القادم.
وفي حال استمرت جولة التصعيد الحالية أياماً أخرى قادمة، وفق كل التوقعات، فسيبدو متعذراً على غانتس الاستمرار في مشاوراته الائتلافية، وسيضطر إلى الاصطفاف خلف الجيش في هذه المواجهة، وستصدر أصوات تطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية لمراعاة الظروف الأمنية الضاغطة، وفي هذه الحالة يصبح بإمكان نتنياهو أن يعلن سحب غانتس إلى مربعه الحزبي!.