في جولة عسكرية تصعيدية قد تكون الأخطر منذ آخر حرب على غزة في عام 2014، اغتالت إسرائيل القيادي العسكري الكبير في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبوالعطا (42 عاماً)، وزوجته، في قصف صاروخي على منزله بمنطقة الشجاعية شرق غزة، وذلك بالتزامن أيضاً مع استهدافها لمنزل عضو المكتب السياسي للجهاد الإسلامي أكرم العجوري في حي المزّة بدمشق، إذ أدى الهجوم لاستشهاد أحد أبنائه، وإصابة آخرين، دون معرفة مصير القيادي نفسه.
هذا التصعيد الخطير، ردت عليه المقاومة الفلسطينية منذ ساعات الصباح بقصف العديد من المدن والبلدات الإسرائيلية المحتلة بعشرات الصواريخ والقذائف، التي أدت حتى اللحظة لإصابة نحو 29 إسرائيلياً بجروح مختلفة، بحسب ما أعلنت "نجمة داوود الحمراء"، المنظمة الطبية الإسرائيلية.
ما الجديد في هذه الجولة من التصعيد؟
تعد عملية اغتيال أبو العطا (قيادي من الصف الأول) في "سرايا القدس"، الأولى من نوعها منذ اغتيال أحمد الجعبري، نائب القائد العام لكتائب القسام، في عام 2012، والذي فجر اغتياله حرباً استمرت لمدة 8 أيام. وتأتي عملية اغتيال أبو العطا بعد 12 جولة تصعيد نشبت بين تل أبيب والمقاومة في غزة، بعد آخر حرب في عام 2014.
يبدو أن نتنياهو وبسبب دوافع سياسية، قرر تنفيذ هذا الاغتيال في هذا التوقيت بالتحديد، حيث من المتوقع أن يذهب خصمه بيني غانتس (زعيم ائتلاف أزرق أبيض) نحو تشكيل حكومة ضيقة، قد تطيح بنتنياهو.
يقول د. ناجي الظاظا، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، لـ "عربي بوست" إن قرار اغتيال أبو العطا واستهداف الهجوري قرار حرب تم التوافق عليه بين نتنياهو ووزير الحرب الجديد نفتالي بينت، الذي استلم مهامه اليوم فقط، ما يعني أن هذه الجولة ستكون اختباراً لبينت، وإذا فشلت فسيتحمل عواقبها بينت وحده، وهذا ربما ما يريده نتنياهو.
ويضيف الظاظا أن هذا القرار له أبعاد سياسية، متعلقة بخارطة التحالفات في الحكومة، وهو تصعيد يريده نتنياهو الآن بشدة لقطع الطريق على منافسه غانتس لتشكيل حكومة أقليات. مضيفاً أن هذه المواجهة ستعطي دفعة لنتنياهو -كما يطمح- نحو تشكيل حكومة يمينية متطرفة قوية من جديد.
وحول ذلك، قال نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي، الثلاثاء، إن نتنياهو يصعّد عسكرياً في غزة في محاولة للبقاء سياسياً، وقال أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، في إشارة إلى نتنياهو: "إن الرجل الذي خسر انتخابات متتالية سيترك الأرض محروقة، فقط في محاولة يائسة للبقاء في منصبه".
هل سيتحول التصعيد نحو حرب أوسع؟
يقول الظاظا يبدو أن التصعيد هذه المرة سيكون واسعاً بالرغم من محاولات حكومة الاحتلال إظهار عمليتها بأنها "محدودة وسريعة". يضيف: "قد تتطور نحو حرب أوسع بسبب طبيعة التصعيد الإسرائيلي باغتيال قيادات المقاومة. فصائل المقاومة متفقة على توجيه ضربة موجعة للاحتلال، والرد بكامل القوة بحسب ما تتطلب المواجهة، وعلى مستوى الهجمات التي يشنها الاحتلال على غزة".
في السياق، قال الناطق باسم الجيش صباح اليوم، إن "الجيش يستعد لعدد من أيام القتال". مؤكداً بحسب ما نشرته الإذاعة العبرية أن اغتيال أبو العطا "عملية جراحية، وليست عودة إلى سياسة الاغتيالات بشكل كامل".
وكان الإعلام العبري تحدث عن أبو العطا خلال الأيام الماضية كثيراً، ووجّهت له حكومة الاحتلال مؤخراً اتهامات بالمسؤولية عن إطلاق العشرات من الصواريخ على الأراضي المحتلة خلال جولات التصعيد الأخيرة، وأنه بات من أخطر الشخصيات الفلسطينية على أمن إسرائيل.
وكان أبو العطا قد تعرّض لثلاث محاولات اغتيال إسرائيلية، كان آخرها خلال العدوان الذي شنّته إسرائيل على قطاع غزة صيف عام 2014.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، أصدره عقب اغتيال أبو العطا، إن الأخير "نفذ عملياً معظم نشاطات الحركة في قطاع غزة وكان بمثابة قنبلة موقوتة". وأضاف: "لقد قاد أبو العطا وتورط بشكل مباشر في العمليات ومحاولات استهداف مواطني إسرائيل وجنود جيش الدفاع بطرق مختلفة، كان بهاء أبو العطا مسؤولاً عن معظم العمليات التي انطلقت في العام الأخير من قطاع غزة".
من جانبه، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش إن حركته "سترد على عملية اغتيال أبو العطا دون النظر لأي حسابات"، مضيفاً: "لا خيار أمامنا سوى المواجهة، ولا حسابات ستمنع الجهاد من الرد على الاغتيالات".
وقال البطش خلال تشييع جثمان أبو العطا، إن سرايا القدس "ليست وحدها في الميدان، بل بجانبها كافة كتائب المقاومة وعلى رأسها كتائب القسّام (الذراع المسلحة لحركة حماس)"، مؤكداً أن إسرائيل ستدفع ثمن "الاغتيالات والهجمات التي نفّذتها الثلاثاء".
بدوره، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل رضوان، خلال مشاركته في التشييع إن "المقاومة هي الطرف المخوّل بترجمة هذا الكلام، وهي التي سترد على العدوان والجريمة".
هل من مصلحة إسرائيل توسيع المواجهة مع غزة؟
تسعى إسرائيل قدر الإمكان إلى امتصاص ردود المقاومة في غزة لأنها حققت الهدف الذي تريده من اغتيال أبو العطا، فمصلحة إسرائيل لا زالت تجنب المواجهة الشاملة مع غزة. إذ إن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بتقدير المقاومة في غزة لطبيعة وحجم الرد على الاغتيال، وكذلك يتعلق بتدخل الوسطاء كمصر لتهدئة الأمور، ومنع انزلاقها نحو تصعيد شامل.
ويرى خبراء فلسطينيون أنه من المستبعد أن تعود إسرائيل لسياسة الاغتيالات المكثفة والمتواصلة، فقد كانت ترى -وبحسب ما تم رصده في الإعلام الإسرائيلي- أن أبو العطا "حالة خاصة جداً كان لا بد من التعامل معها"، لذا استعدت على ما يبدو لدفع ثمن تهور كبير على شكل تصعيد محدود، يشمل إطلاق مئات الصواريخ على الداخل الإسرائيلي.
وتتفق الأجنحة الإسرائيلية المختلفة والمتصارعة على ضرورة توجيه ضربة عسكرية نحو غزة، إذ كتب غانتس على حسابه في تويتر: "المعركة ضد الإرهاب مستمرة وتتطلب لحظات من اتخاذ القرارات الصعبة. اتخذت القيادة السياسية والجيش الإسرائيلي القرار الصائب الليلة من أجل أمن المواطنين الإسرائيليين وسكان الجنوب، وسيقوم (أزرق أبيض) بدعم أي نشاط مناسب لأمن إسرائيل ووضع أمن السكان فوق السياسة، ليعلم كل إرهابي يعرّض أمن إسرائيل للخطر أن دمه مهدور"، حسب تعبيره.
من جهتها، أعلنت "الجبهة الداخلية" في إسرائيل تعطيل المؤسسات التعليمية والتجارية في مناطق مختلفة طالتها صواريخ المقاومة الفلسطينية، شملتها لاحقاً تل أبيب.