لا شك أن توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانفصاليين الجنوبيين يعد خطوةً هامة في منع اندلاع حرب داخل الحرب في البلد المنكوب، لكن يظل السؤال قائماً بشأن مدى قدرة ذلك الاتفاق على الصمود في وجه التحديات الكثيرة، وأبرزها عدم الاقتناع الكامل من جانب الطرفين، والذي عكسه تأجيل التوقيع أكثر من مرة.
موقع لوب لوغ الأمريكي نشر تقريراً حول الاتفاق الذي تم بوساطة ورعاية السعودية، تحت عنوان: "هل هي بداية النهاية للحرب الأهلية في اليمن؟"، أعده بيتر سالزبري، محلل استشاري أول في الشأن اليمني بمجموعة الأزمات الدولية.
منع انهيار التحالف.. ولو مؤقتاً
أدَّى اتفاق الرياض، الذي وُقِّع يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى تجنُّب نشوب حرب جديدة داخل الحرب الأهلية اليمنية، على الأقل في الوقت الراهن. ويُجنِّب الاتفاق حدوث انهيار في التحالف الهشّ للقوى اليمنية التي تدعمها السعودية منذ التدخل في اليمن في مارس/آذار 2015، لمنع المتمردين الحوثيين من السيطرة على البلاد. لكنَّ السؤال المطروح الآن هو ما إن كان يمكن للاتفاق أن يكون جسراً للتوصل إلى تسوية سياسية بامتداد البلاد، أو أنَّه يُمثِّل مجرد فترة توقف مؤقتة قبل اندلاع موجة عنف أخرى.
من خلال هذا التوقيع، أنهى طرفا الاتفاق -الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي- مواجهة امتدت ثلاثة أشهر هدَّدت بإحداث انقسام داخل التكتل المناوئ للحوثيين، ففي أغسطس/آب الماضي، نشبت توترات تغلي ببطء بين القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، وانفجرت عقب مقتل قائد عسكري كبير بالمجلس.
تبنَّى الحوثيون الهجوم، لكنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي شكَّ بأنَّ للحكومة يداً في الحادث، وسرعان ما انتزع السيطرة على عدن بالقوة. وحاول المجلس بعد ذلك بسط سيطرته على كامل أراضي اليمن الجنوبي السابق، الذي كان يُمثِّل دولة مستقلة قبل عام 1990، بغرض إعلان الحكم المستقل. اتهمت الحكومة اليمنية دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعمة الرئيسية للمجلس الانتقالي الجنوبي والتي في نفس الوقت تُعَد طرفاً فاعلاً رائداً في التحالف الذي تقوده السعودية بالجنوب، بدعم عملية انقلاب، وشنَّت الحكومة بدورها هجوماً مضاداً. ومع دخول الحملة السعودية باليمن مرحلة خطرة، تدخَّل نائب وزير الدفاع في المملكة، الأمير خالد بن سلمان، ودعا المجلس الانتقالي وحكومة هادي في البداية إلى جدة، ثم لاحقاً إلى الرياض، على أمل التوصل إلى تسوية.
تشكيل حكومة جديدة مناصفة
يدعو الاتفاق إلى تشكيل حكومة جديدة مقرها عدن، وتتألف من 24 عضواً، بالتساوي بين وزراء من الجنوب والشمال، وإدماج القوات التابعة للمجلس الانتقالي في الجيش والهياكل الأمنية الوطنية كجزء من مبادرة ستشهد إزالة المقاتلين والأسلحة الثقيلة من البلدات والمدن على امتداد الجنوب. بالإضافة إلى ذلك، ينصّ الاتفاق على إشراك المجلس الانتقالي في وفود الحكومة خلال المباحثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة مع الحوثيين، بغرض التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب.
تقول الأمم المتحدة ودبلوماسيون إنَّهم يأملون أن يُمهِّد الاتفاق طريقاً من أجل التوصل لتسوية سياسية على المستوى الوطني. في الوقت الراهن، يُوقِف الاتفاق الاقتتال بين الحكومة والمجلس الانتقالي، وهو ما كان من شأنه تعزيز الحوثيين وتأخير آفاق عقد محادثات سلام وطنية. ويجعل الاتفاق كذلك المحادثات المرتقبة شاملة أكثر، ما يساعد على معالجة قصور اعترى المحادثات السابقة بقيادة الأمم المتحدة، والتي نشأت على أساس قرارٍ لمجلس الأمن الدولي، صدر في أبريل/نيسان 2015، يُؤطِّر الصراع باعتباره حرباً من طرفين بين الحوثيين والحكومة، ويطالب عملياً باستسلام الحوثيين. ربما تملك حكومة هادي الشرعية الدولية، لكنَّها لا تمثل المجموعة الكاملة من القوى السياسية والعسكرية، التي تُشكِّل التكتل المناوئ للحوثي، لاسيما الانفصاليين الذين ترفض حكومة هادي أجندتهم، لكن لديهم في الوقت نفسه حضور قوي على الأرض.
السعودية تستعيد زمام الأمور
يضع اتفاق الرياض السعودية في بؤرة إبرام الاتفاقات في اليمن. إذ سيشرف خالد بن سلمان على تطبيقه، وبالتالي بلورة الحكومة الجديدة والهياكل الأمنية. تولى السعوديون كذلك قيادة التحالف في الجنوب من الإماراتيين، الذين شرعوا في سحب قواتهم من اليمن. وبعيداً عن المباحثات بين المجلس الانتقالي وهادي، أفادت تقارير بأنَّ مسؤولين سعوديين كانوا يجتمعون مع سياسيين كبار من الأحزاب الكبرى في اليمن، على أمل توحيد المجموعات المناوئة للحوثي تحت مظلة سياسية واحدة.
في غضون ذلك، في الشمال، كانت النقاشات بين الحوثيين والسعوديين بشأن تهدئة الهجمات العابرة للحدود والقتال على الجبهات الأمامية متواصلة، منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وفي حال نجحت تلك المباحثات يمكن أن يصبح تخفيض حدة الصراع نقطة بداية لوقف إطلاق نار بطول البلاد، وأيضاً لتسهيل فتح مباحثات سياسية بين المتمردين ووفدٍ حكومي أوسع تمثيلاً. وبالتالي بات لدى السعوديين فرصة لجمع قنوات التفاوض المختلفة معاً، في عملية سياسية وطنية تحت إشراف الأمم المتحدة.
بصمات اتفاقات سابقة فاشلة
مع ذلك، يحمل اتفاق الرياض بصمات الاتفاقات البينية اليمنية السابقة التي فشلت. فصياغته فضفاضة، على الأرجح لأنَّ الغموض كان مطلوباً لحثّ الخصمين على التوقيع عليه، كذلك يترك عدداً من الأسئلة بشأن التطبيق بلا إجابات. فعلى سبيل المثال، يدعو الاتفاق إلى تشكيل حكومة جديدة وتطبيق سلسلة من الإصلاحات في القطاع الأمني في عدن خلال 30 يوماً من التوقيع. تتضمَّن الإصلاحات تشكيل قوى أمنية جديدة مختلطة، وإبعاد الوحدات العسكرية من المدينة ونقل الأسلحة الثقيلة إلى مواقع يشرف عليها السعوديون.
لكنَّ الاتفاق لا يحدد ترتيباً لإقدام الأطراف على اتخاذ تلك الخطوات. وستُفضِّل حكومة هادي المضي قدماً في المسار الأمني أولاً، باعتباره شرطاً مسبقاً للتحرك على الجانب السياسي، في حين سيفضل المجلس الانتقالي العكس. وتتضمَّن القضايا البارزة الأخرى الطرف الذي سيحصل على منصبي وزيري الدفاع والداخلية في الحكومة الجديدة، في ظل كون المنصبين عاملين ربما يتسببان في تخلي المجلس الانتقالي عن الاتفاق.
والأهم من ذلك، لا يبدو أنَّ أياً من الطرفين مقتنع تمام الاقتناع بالمشاركة في التسوية التي وافقا عليها على الورق. إذ كان من المقرر تنظيم احتفال لتوقيع الاتفاق يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنَّه تأجَّل بعد وقوع اقتتال بين المجلس الانتقالي والقوات الحكومية في محافظة أبين شرقي عدن. وبالنظر إلى القواسم المشتركة بين الاتفاقات الماضية، من المتوقع حدوث تأجيلات واتهامات متبادلة بمجرد بدء التطبيق. وعودة الاقتتال في الجنوب هو بالتأكيد أحد الاحتمالات الممكنة.
السلام لا يزال بعيداً
كذلك لا يُعَد الانتقال إلى محادثات سياسية وطنية مضموناً بأي شكل من الأشكال. إذ يقول الحوثيون إنَّ المحادثات مع الرياض تسير على ما يرام، لكنَّ السعوديين يتحركون ببطءٍ شديد في تطبيق الجانب المتعلق بهم من التهدئة. ويفيد الحوثيون كذلك بأنَّ القوات السعودية تحتشد على طول خطوط الجبهات الرئيسية، ويساورهم القلق من أنَّ اتفاق الرياض قد يُنذِر بحملة عسكرية متضافرة ضدهم. من جانبهم، يقول مسؤولو حكومة هادي إنَّهم غير متأكدين مما تخطط له الرياض بعد الاتفاق، لكنَّهم يعترفون بأنَّ إعادة تنشيط الحملة ضد الحوثيين خيارٌ جذاب. في الواقع، كانت واحدة من الحجج التي روَّج لها المجلس الانتقالي من أجل الحصول على الرعاية السعودية -والتي يعتقد قادة المجلس أنَّهم حصلوا عليها الآن- هي استعدادهم للاضطلاع بدور متصاعد في المعركة ضد الحوثيين، أو حتى قيادة المعركة.
وعلى أي حال، لن يحل السلام الدائم على اليمن بسهولة. فالأطراف الرئيسية في الصراع بالكاد غيَّرت مواقفها منذ بدء الحرب: حكومة هادي تريد من الحوثيين إعادة تسليم صنعاء والمناطق الأخرى التي يسيطرون عليها. والحوثيون يطالبون بتفاهم لتقاسم السلطة، يمنحهم ثقلاً كبيراً في حكومة وحدة. ويريد المجلس الانتقالي وحلفاؤه الانفصال عن اليمن تماماً. فيما يريد السعوديون من الحوثيين قطع علاقاتهم مع إيران، والتخلي عن أسلحتهم الثقيلة لصالح القوى الأمنية للدولة، وضمان أمن الحدود. والفجوات بين هذه المواقف ليست بسيطة. مع ذلك، وللمرة الأولى منذ سنوات، يبدو أن في الأفق مساراً ممكناً، وإن كان وعراً، للتوصل إلى السلام.