رغم تولي ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر منصبين رفيعين كمستشارين داخل الإدارة الأمريكية، إلا أنهما من النادر أن يدليا بتصريحات علنية، وتغيُّر هذا النمط في الفترة الأخيرة فتح باب التكهنات حول كونهما يستعدان للنزول إلى الحلبة بقوة، دعماً للرئيس في معركته مع الكونغرس بشأن عزله من منصبه، فهل هذا أمر جيد للرئيس؟
صحيفة هآرتس الإسرائيلية تناولت الموضوع في تقرير بعنوان: "هل يُشمِّر جاريد وإيفانكا عن ساعديهما استعداداً للمعركة؟"، ألقت فيه الضوء على الدور الذي يستعدان للعبه ومدى جدواه.
صمت تلته تصريحات نارية
يبدو أنَّ جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب، وكلاهما من أعيان نيويورك، ومن المفترض أن يُخفِّفا من تشدد إدارة ترامب، بصدد التشمير عن ساعديهما، فبعد قرابة عامين من الصمت النسبي حيال الجدالات الدائرة في البيت الأبيض، يبدو أنَّ نجلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، وكلاهما يتقلدان مناصب استشارية رفيعة بالبيت الأبيض، يستعدان لمعركة.
ففي مقابلة إعلامية نادرة الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول، وجَّه كوشنر انتقاداً أكثر ندرة من جانبه لخصوم الرئيس، قائلاً إنَّه ظل مشغولاً بـ "تنظيف الفوضى" التي خلَّفها نائب الرئيس السابق جو بايدن وراءه في الشرق الأوسط. من جانبها، نشرت إيفانكا -التي قد يكون أفضل وصف لصفحتها على تويتر هو أنَّها عبارة عن جزء يبدو كرحلة مُصوَّرة وجزء آخر يبدو كلافتة تُظهِر البيانات الاقتصادية الإيجابية- تغريدة تصف فيها والدها بأنَّه مُحاط بـ "الأعداء والجواسيس".
جاء تصريح كوشنر ذاك رداً على تصريحٍ لبايدن، شكَّك فيه في جدارة كوشنر بالتفاوض حول السلام في الشرق الأوسط. فتساءل بايدن: "ما هي مؤهلاته لذلك؟". رد كوشنر الهجوم قائلاً إنَّ بايدن مسؤول عن قانونٍ عقابي شلَّ نظام العدالة الجنائية، ومسؤول عن الفوضى في الشرق الأوسط، واتفاقات التجارة التي تسبَّبت في خسائر للولايات المتحدة.
وأضاف كوشنر: "كثير من العمل الذي كلَّفني الرئيس به على مدار الأعوام الثلاثة الماضية كان في الحقيقة يتمثَّل في تنظيف الفوضى التي خلَّفها نائب الرئيس جو بايدن وراءه".
أبي محاط بالجواسيس والأعداء!
في غضون ذلك، وجَّهت إيفانكا ترامب هي الأخرى انتقاداً نادراً. ففي نهاية الأسبوع الماضي، في اليوم الذي خصصه مجلس النواب الأمريكي لتأييد المحاكمة البرلمانية لترامب، اقتبست إيفانكا عن توماس جيفرسون، الذي يُعَد أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وثالث رؤسائها، وقالت: "هذا هو رأي توماس جيفرسون في واشنطن العاصمة، كَتَبَه في خطابٍ إلى ابنته مارثا: (إنَّني محاطُ بالأعداء والجواسيس الذين يتصيَّدون ويُحوِّرون كل كلمة تنبس بها شفتاي أو يسيل بها حبر قلمي، ويلجأون إلى الاختلاق حين لا تُسعفهم الحقائق). بعض الأمور لا تتغير أبداً يا أبي!".
وقال مصدر مقرب من آل كوشنر لوكالة أنباء Jewish Telegraphic Agency إنَّ الزوجين لا يسعيان للمواجهة، لافتاً إلى أنَّ تصريحات كوشنر جاءت رداً على سؤال وُجِّه له. لكنَّ المصدر أضاف أنَّ النبرة الصارمة التي يتبناها الزوجان أحياناً في العلن تعكس ببساطة الدور المحوري الذي يضطلعان به خلف الكواليس، ألا وهو الاعتناء بالرئيس وحمايته.
كان الهمس الذي أعقب انتخاب ترامب عام 2016، يشير إلى أنَّ الزوجين، وكلاهما ديمقراطي سابق كانا يتنقلان بسهولة داخل الدوائر الليبرالية بمدينة نيويورك، سيكبحان ميول الرئيس المتشددة. وقد تطلَّلب الأمر قرابة العام، حتى يدرك أولئك أنَّ هذا كان تفكيراً يغلب عليه التمنّي والعاطفة؛ إذ أذعن كوشنر وإيفانكا للرئيس، وليس العكس.
مع ذلك، استمر الزوجان (أو الأشخاص المقربون منهما) في تسريب اعتراضهما على تراجع ترامب عن حقوق المهاجرين ومجتمع المثليين والمتحولين جنسياً ومزدوجي الميول الجنسية لوسائل الإعلام، وحاولا الحفاظ على مصداقيتهما لدى الأمريكيين من مختلف التوجهات.
ماذا طرأ إذاً؟
من الناحية النظرية لا شيء، فنادراً ما يتحدث كوشنر للصحافة، وهو الصمت الذي غذّى فكرة أنَّه مُناقِض للرئيس. لكن دوماً ما وُجِدَت أدلة على أنَّه، شأنه شأن حماه، لن يتوَّرع عن عمل أي شيء لتحقيق مراده.
فسعى كوشنر للانتقام ممن زجّوا بوالده في السجن بتهمة الاحتيال. وعبَّر في إحدى المرات عن إعجابه بمسؤول في ولاية نيوجيرسي، أغلق جسر جورج واشنطن كنوع من الانتقام السياسي، واصفاً الخطوة بأنَّها "مذهلة نوعاً ما". وقال إنَّ الفلسطينيين يستحقون الاقتطاعات الضخمة التي فرضها ترامب على مساعداتهم، لأنَّهم انتقدوا قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
تصقل إيفانكا ترامب صورة لنفسها، باعتبارها مؤيدة لا تكلّ للنساء، لكنَّها انتقدت مجلة Cosmopolitan النسائية عام 2016؛ لأنَّها طرحت عليها أسئلة قاسية بشأن سياسات والدها المتعلقة برعاية الأطفال وإجازة الأمومة.
انتقادات كثيرة يتعرضان لها
ويبدو أنَّ الزوجين يأخذان الانتقادات الأخيرة على محملٍ شخصي، ولهذا ما يبرره؛ إذ نشرت الحكومة الفرنسية هذا الصيف مقطع فيديو لمجموعة من قادة العالم ينظرون شزْراً إلى إيفانكا حين حاولت المشاركة في المحادثة التي كانت تدور بينهم. ولم يكن بايدن يهاجم كوشنر فقط بسبب سياساته في الشرق الأوسط، بل لأنَّه هاوٍ فاشل.
اللافت للنظر بشأن آخر ردود الفعل هو ما تكشفه بشأن الطريقة التي ينظر بها الزوجان إلى نفسيهما. فأول ردّ من حملة ترامب على سخرية بايدن كان بالإشارة إلى أنَّ كوشنر هو حفيد زوجين ناجين من المحرقة اليهودية (الهولوكوست). بعبارة أخرى، تُعَد مساعدة إسرائيل مهمة شخصية بالنسبة لكوشنر.
وماذا عن ذاك الاقتباس الذي غرَّدت به إيفانكا نقلاً عن جيفرسون؟ كانت كلمات جيفرسون رداً على خطاب من ابنته تؤنِّبه فيه على غيابه الطويل.
مواجهة الجمهور لن تكون سهلة
ومع اقتراب جلسات استماع المحاكمة البرلمانية المتلفزة، وفيما يتقلص عدد المتنافسين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي عن الحزب، وبدء المرشحين في توجيه سهامهم إلى ترامب بصورة مباشرة أكثر، على الأرجح لن تزداد الأمور إلا سخونة. وبالفعل، يقول البعض في واشنطن وداخل المجتمع اليهودي إنَّ كوشنر وإيفانكا يتجنَّبان المشاركة في الفعاليات العامة.
فقال أحد المطلعين، وهو ديمقراطي: "الأمر شبيه بما حدث من إطلاق لصيحات الاستهجان على ترامب في بطولة السلسلة العالمية لكرة القاعدة. هذا ما يحدث حين تتفاعل مع الجمهور الحقيقي بدلاً من تجمُّعات ترامب وضيوفه المُنسَّقين بعناية في فندق ترامب".
لكنَّ المصدر المقرب من الزوجين قال إنَّ الأمر ليس كذلك. فهما لم يعودا يحضران كل مناسبة يهودية بسبب جدول الأعمال المكتظ. وأشار المصدر كذلك إلى أنَّ الزوجين كانا وراء ترتيب أول احتفالية بعيد العرش اليهودي في ساحات البيت الأبيض خلال العيد الذي حلَّ مؤخراً.