يواجه مسؤولون أمريكيون صعوبات في شرح المهمة التي يفترض أن يقوم بها نحو 1000 جندي أمريكي لا يزالون في سوريا، والذين اتخذوا في الغالب مواقع بالقرب من حقول النفط، استجابة لأوامر دونالد ترامب.
إذ بعد مرور أسبوعين على إصدار أمر بالإجلاء الكامل للقوات الأمريكية قبل التوغل التركي في شمال شرقي سوريا، والتخلي عن الشركاء الأكراد السابقين في الحرب ضد داعش، غيّر ترامب رأيه، وقال إن بعض القوات يجب أن تبقى، ولكن فقط "لتأمين النفط".
لذا، في الوقت الذي يجري نقل مئات القوات الخاصة الأمريكية من سوريا، فإن مئات الجنود الآخرين خرجوا بعرباتهم المدرعة، متوجهين إلى مواقع نفطية صغيرة الحجم في محافظتي دير الزور والحسكة، لكن دون فكرة واضحة عما يُفترض بهم فعله هناك.
اضطراب في البنتاغون
يقول جوليان بورغر، محرر الشؤون العالمية في صحيفة The Guardian البريطانية، إنه بدا اضطراب المسؤولين الأمريكيين المنوط بهم تنفيذ تلك السياسات على الأرض واضحاً يوم الخميس، عندما سُرّب تقرير داخلي صادر عن كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في شمالي سوريا، وليام روبوك، إلى صحيفة The New York Times. يشتكي روبوك في التقرير من أن الولايات المتحدة "لم تحاول ردع التوغل التركي الذي هدد الأكراد في شمالي سوريا".
تقول كايلي توماس، الباحثة المساعدة في "برنامج الأمن في الشرق الأوسط" التابع لـ "مركز الأمن الأمريكي الجديد" (CNAS)، "تبدو السياسة الأمريكية في شرق سوريا هذه الأيام كما لو أنها محاولة بناء طائرة وهي بالفعل في الجو".
"على سبيل المثال، إذا هاجمت قوات النظام السوري، فهل سترد (القوات الأمريكية) دفاعاً عن النفس؟ يبدو أن بعض هذه الأسئلة التي تتعلق بالموقف القانوني لهذه القوات لا تزال محل نقاش".
بدت المهمة في البداية واضحة عندما عرضها ترامب
قال ترامب في 1 نوفمبر/تشرين الثاني "نريد أن نعيد جنودنا إلى الوطن، لكننا تركنا بالفعل جنوداً لأننا نريد الاحتفاظ بالنفط، أنا أحب النفط، نحن نُؤمّن النفط".
ولمّح الرئيس إلى أن الاستيلاء على موارد طبيعية سورية سيكون "تعويضاً" عادلاً مقابل تكلفة الحرب هناك.
في حين أن مشكلة المخططين العسكريين هي أن مثل هذا السلب لموارد بلد أجنبي هو انتهاك لقوانين الحرب، كما طُبّقت في محاكمات نورمبيرغ والتي جرى التوافق عليها عموماً منذ ذلك الحين.
كما أن ذلك ينتهك أيضاً ترخيص استخدام القوة العسكرية الذي منحه الكونغرس للحكومة الأمريكية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، والمخصص للعمليات ضد تنظيم القاعدة و"القوات ذات الصلة"، والذي استخدم من حينها لتسويغ التدخلات الأمريكية المسلحة في أنحاء الشرق الأوسط.
تقول صحيفة الغارديان، إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) سعت إلى إضفاء "بعض الوضوح" على الأمر، يوم الخميس الماضي، من خلال تأكيدها على أن المهمة لم تتغير، وأن القوات الأمريكية كانت في سوريا فقط لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالشراكة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (SDF)، التي يقودها الأكراد.
ألم تهزم داعش؟
في لقائه مع الصحفيين، قال الأدميرال ويليام بيرن، نائب مدير هيئة الأركان المشتركة "إن تأمين حقول النفط تكليف ثانوي في تلك المهمة. والغرض من هذا التكليف هو حرمان داعش من عائدات ذلك النفط والبنى التحتية. لسنا متأكدين إذا كان داعش قد تراجع بعيداً عن تلك المناطق بعد أم لا. ولهذا السبب نحن هناك: للمساهمة في إبعادهم".
وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل تسليح قوات سوريا الديمقراطية، التي دخلت في صراع حالياً مع تركيا، عضو حليف لنا في الناتو.
قال بيرن: "ما زلنا نوفر لهم الدعم والقدرة على مواصلة القتال ضد داعش"، واصفاً العلاقة مع القوات التي يقودها الأكراد بأنها قتال "كتفٍ إلى كتف"، وهي عبارة كررها أربع مرات.
"حيلة لضمان استمرار الوجود الأمريكي"
وقال المتحدث باسم البنتاغون، جوناثان هوفمان، إن الهدف من نشر قوات حول حقول النفط هو "ضمان أن تذهب عوائدها إلى قوات سوريا الديمقراطية".
تشدّد نقاط النقاش الجديدة على استمرارية التواجد، وتقدّم حجة لإعادة نشر القوات، لكنها تتناقض مباشرة مع ما أعلنه الرئيس. إذ بصرف النظر عن إلحاحه المستمر على أن الولايات المتحدة ينبغي أن تستفيد من النفط، فقد أعلن ترامب أن داعش هُزمت كلياً أو "إلى درجة هائلة"، خاصة بعد مقتل زعيمها أبوبكر البغدادي، وأن التعامل مع بقاياها يجب أن يكون وظيفة أحد آخر.
قال تشارلز ليستر، خبير سوريا في "معهد الشرق الأوسط"، إن بعض الالتباس نابعٌ من الديناميات الداخلية للإدارة، فقد استغل كبار صانعي السياسات، مثل مبعوث سوريا جيمس جيفري، هوسَ ترامب بالنفط لتحقيق أهداف أخرى.
وقال ليستر: "إن كل موضوع النفط هو، في جملته، حيلة للحصول على دعم رئاسي لضمان استمرار وجود أمريكي، وللحفاظ على تماسك العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية والقبائل في المناطق الشرقية، وهي أطراف ما زالت حليفة في العداء للنظام السوري ولإيران".
يذهب نيكولاس هيراس، وهو محلل أمني في برنامج "الأمن في الشرق الأوسط" التابع لـ "مركز الأمن الأمريكي الجديد"، إلى أن السبب الحقيقي لإرسال وحدات أمريكية وآليات عسكرية إلى حقول النفط الشرقية هو إبقاء النفط بعيداً عن أيدي نظام الأسد وداعميه الروس.
هل تقع صدامات مع نظام الأسد على النفط؟
يقول هيراس: "لمواجهة داعش تحتاج إلى قوات أخف وزناً وأكثر مرونة". ومع اقتراب فصل الشتاء، تزداد حاجة النظام إلى إمدادات الطاقة، ومن ثم تحافظ السيطرة على إمدادات النفط على بعض النفوذ في المنطقة. وقد سبق أن خاضت القوات الأمريكية في فبراير/شباط 2018 معركةً حامية ضد ميليشيات مدعومة من النظام ومرتزقة روس، حول منشأة للغاز على تخوم مدينة دير الزور.
كان وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، قد أشار إلى أن إحدى مهام القوات الأمريكية هي الحفاظ على منع وصول النظام وروسيا إلى النفط. غير أن البنتاغون سعى إلى التخفيف من حدة هذه النغمة يوم الخميس، مركّزاً بدلاً من ذلك على تهديدٍ محتمل لداعش، لكن هوفمان عاد وأكّد أن القوات الأمريكية ستدافع عن نفسها ضد أي مهاجمين.
وقال المتحدث: "الجميع في المنطقة يعلم مواقع وجود القوات الأمريكية. ونحن نعمل على ضمان ألا يقترب أحد لديه نوايا عداءٍ لقواتنا. أما إذا فعل أحد ذلك، فإن قادة قواتنا لديهم الحق الكامل في الدفاع عن النفس".
تناقضات وشكوك
من المرجح أن تبرز التناقضات والشكوك الكامنة وراء الوجود الأمريكي إلى الصدارة في الأيام القليلة المقبلة، عندما تنتقل القوات التركية، وقوات النظام السوري والقوات الروسية إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية سابقاً، ومع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى البيت الأبيض.
خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده البنتاغون يوم الخميس، شدَّد بيرن على أن وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في شمال شرق سوريا جرى الحفاظ عليه بعيداً عن "المناوشات الصغيرة نسبياً".
ومع ذلك، فإن ثمة تقارير تشير إلى أن تنظيمات مسلحة مدعومة من تركيا تدفع باتجاه بلدة تل تمر، وهي تقع خارج حدود المنطقة التي وافقت القوات الكردية على الانسحاب منها.
قال ستيف غومر، رئيس منظمة Partners Relief & Development غير الربحية، المهتمة بتقديم المساعدات، والذي كان في تل تمر الأسبوع الماضي، إن الجبهة التي يجري فيها القتال حالياً تبعد 4 كيلومترات فقط شمال البلدة.
وأضاف غومر: "طوال الوقت الذي كنا فيه هناك كان القتال مستمراً لا يتوقف. الناس يُقتلون ويُصابون كل يوم".
أبدى مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية قلقه من احتمال أن تكون التنظيمات المشتركة في القتال حول تل تمر "ليست تحت السيطرة الكاملة لأنقرة". يقول المسؤول: "إن الأمر يتعلق في الأساس بهذه التنظيمات السورية المدعومة من تركيا والموجودة هناك. وقد تعاظم قلقنا إلى حد كبير لأنهم كانوا يتجهون على ما يبدو نحو بلدة تل تمر، وهي منطقة ذات أغلبية مسيحية كبيرة نسبياً، وهي في نفس الوقت منطقة يُقرّ الجميع بأنها خارج حدود (المنطقة التركية المتفق عليها)".