المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لا تقتصر فقط على الجوانب العسكرية أو الاقتصادية، بل تتخطاها إلى الطعام وأنواعه، خصوصاً في بدائل اللحوم والدجاج من المنتجات النباتية، وهو ما يبدو للوهلة الأولى أن الأمريكان يتفوقون فيه، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً بشهادة الأمريكان أنفسهم.
شبكة سي إن إن الأمريكية أعدت تقريراً بعنوان: "الصين تعرف بدائل اللحوم قبل قرون من منتجات Impossible"، في إشارة للشركة الأمريكية المتخصصة في إنتاج بدائل اللحوم.
بينما كان وانغ جيانغوانغ (29 عاماً)، يكبر في حيّه الفقير بمقاطعة شانشي شمال الصين، نادراً ما كانت عائلته تشتري له أجنحة الدجاج بصلصة الصويا، وكانت بالنسبة له أعظم هدية، إلا أنها لم تكن دجاجاً حقاً. كانت الأجنحة مزيجاً معقداً من فول الصويا والفول السوداني. قال وانغ: "ولكنها كانت تشبه أجنحة الدجاج تماماً"، وكانت هذه أول مواجهة له مع تقاليد أطباق بدائل اللحوم الصينية التي تمتد منذ عدة قرون.
قبل Impossible بوقت طويل
خلال السنوات القليلة السابقة، ازداد الطلب على منتجات بدائل اللحوم في العالم الغربي، إذ يسعى عدد متزايد من الأشخاص إلى الحفاظ على الموارد البيئية والبحث عن بدائل صحية للحوم الحمراء.
وتمكنت اثنتان من كبرى شركات الأطعمة النباتية الأمريكية، وهما Impossible Foods و Beyond Meat، من جني الملايين من الطلب المتزايد على البرغر الخالي من اللحوم. وبحلول منتصف 2019، اعترفت شركة Impossible Meat بأنها أصبحت تعاني من أجل الوفاء بحجم الطلب المتزايد على منتجاتها.
ولكن قبل وقت طويل من وضع أولى شرائح البرغر النباتية على الشواية في بلاد الغرب، كانت الصين تبتكر شكلاً جديداً من أطباق اللحوم التقليدية باستخدام بدائل أخرى مثل الفطر، والمكسرات، والخضراوات.
المطبخ الصيني الغني
قالت الكاتبة وناقدة الطعام فيوشيا دنلوب إن هذه البدائل النباتية "تحاكي المطبخ الصيني بشكل كبير.. إنها متنوعة على نحو لا يصدق. في كل جزء من البلاد لديك إصدار مختلف من نفس الطبق".
ويوجد بعض السجلات التي تشير إلى تناول الرهبان "اللحم النباتي" المصنوع من التوفو منذ عهد أسرة سونغ في القرن العاشر الميلادي. وكان يُعرف بـ "فانغهون كاي" أو "طبق اللحم المقلّد".
يعمل وانغ الآن في مطعم Baihe Vegetaria للأطعمة النباتية في أحد الأزقة الضيقة في حي دونغتشنغ، بكين. ويقدم المطعم مجموعة ضخمة من أطباق بدائل اللحوم؛ وضلوع الخنزير، والدامبلنغ، ودجاج كونغ باو.
قالت مالكة المطعم، ليو هونغيان، إن هناك ما بين 80 و100 شخص يزورون المطعم بانتظام يومياً، والعدد في ازدياد مستمر، وأضافت: "أعتقد أن عدد من يعتنقون ثقافة الطعام النباتي في ازدياد مستمر. أصبح الناس يفكرون في صحتهم على نحو أفضل. هناك الكثير من الدهون والزيوت في اللحوم الحمراء".
التقليد المثالي
يرتبط التبنّي المبكر لمنتجات بدائل اللحوم من جانب الصين ارتباطاً وثيقاً بتاريخها الطويل مع البوذية، ودخلت البوذية إلى الصين منذ عهد أسرة هان، أي منذ حوالي 2000 عام. وعلى مر القرون، كانت شعبيتها بين ارتفاع وانخفاض بناءً على ما يفضله ويراه زعماء البلاد. واليوم، يعتنقها حوالي 20% من الشعب الصيني، أي حوالي 250 مليون شخص.
ويستند المبدأ الأساسي للبوذية إلى احترام جميع الكائنات الحية، لذا تنتشر ثقافة الطعام النباتي بين أتباعها. قالت دنلوب إن الأديرة في الصين تلتزم بنظام غذائي نباتي صارم جداً، غير أنها كانت مُطالبة بتقديم خيارات غذائية أخرى للزوار من الحجاج أو الرعاة.
قالت فيوشيا: "كان الزوار يتوقعون وجبات من اللحوم، ومن هنا جاء التقليد. ستحصل على كل الأطباق التي تتوقع أن تأكلها في أي مأدبة فاخرة، ولكنها مصنوعة من مكونات نباتية".
وأوضحت أن الطعام النباتي البوذي الصيني تطور تطوراً هائلاً على مر القرون التالية لعهد أسرة هان، وكتبت فيوشيا في كتابها Food of Sichuan: "في الأديرة الأكبر، يمكن أن تُقدم للناس أطباق كبيرة من "زعانف القرش" أو "أذن البحر" أو غيرها من الأطعمة الشهية المصنوعة من مكونات نباتية".
وقالت إنها ترى اليوم تأثير انتشار اللحم المقلد في مجموعة من الأطباق التي تُقدم. على سبيل المثال، في شنغهاي، يمكنك أن تأكل "سلطعوناً" مقلياً مصنوعاً من البطاطس المهروسة والجزر. وفي سيتشوان، تقدم المطاعم "لحم الخنزير التقليدي المطبوخ" بدون أي مكونات لحوم.
وقالت فيوشيا: "الجميع في شنغهاي يأكل "البط أو الإوز المشوي" النباتي، المصنوع من طبقات رقيقة من التوفو، الذي يحصل على التوابل اللازمة ثم يُقلي ليحصل على القشرة الذهبية ليشبه الطبق الحقيقي".
وبحسب صحيفة China Daily، هناك الآن أكثر من 300 مطعم يقدمون بدائل اللحوم في بكين فقط. لكن الصين لا تزال أبعد ما تكون عن أن تصبح "أمة نباتية"، إذا لا يزال استهلاك اللحوم في البلاد ضخماً.
خلال الستين عاماً الماضية، تزايد الطلب على لحم الخنزير بمقدار 10 أضعاف، من حيث عدد الخنازير المذبوحة للفرد الواحد. ومع ازدياد ثروة الشعب الصيني، تزايد الطلب على اللحوم في نفس الوقت، ولكن حتى هذا الارتفاع في معدل استهلاك اللحوم قد يكون ساعد في دفع الأشخاص تجاه البدائل النباتية. ففي عام 2014، اكتشفت السلطات لحوماً ملوثة في أكبر مراكز معالجة الطعام في البلاد.
وأوضحت فيوشيا: "بعض الأشخاص أصبحوا قلقين من مصدر اللحوم التي يأكلونها، ولكن لا يريدون أن يخسروا مذاقها".
الفول السوداني، واللوتس، والبطاطا
يفخر وانغ بابتكار مجموعة كبيرة من أطباق بدائل اللحوم في مطعم Baihe، وفي مطبخه، يعمل بدقة كبيرة على تشكيل فطر واحد كبير من "المحار الإيرنغي" إلى مكعبات صغيرة، ستصبح قريباً وجبة "دجاج كونغ باو" النباتية.
يضيف وانغ الدقيق، والزيت، والكاجو، والسكر، ومكونات أخرى، ثم يلقي الخليط في مقلاة ساخنة إلى درجة الغليان. والطعم النهائي لهذا الطبق لذيذ جداً وشهي، وهيئته تشبه اللحم المطلوب تقليده.
ووفقاً لوانغ، أصبح الكثير من مكونات بدائل اللحوم في السنوات الأخيرة تأتي من المصانع الصينية بدلاً من صناعتها في مطابخ المطاعم. ولكنه لا يزال يصنع كل أطباقه بيده، وقال وانغ: "على سبيل المثال، لأضلاع الخنزير، تكون العظام مصنوعة من جذور اللوتس، بينما اللحم مصنوع من البطاطس والفطر وبروتين الفول السوداني". وأوضح أن الأضلاع تحتاج إلى ليلة كاملة قبل أن تصبح جاهزة للتقديم.
وبالرغم من أن وانغ وصاحبة المطعم، ليو، يدركان الإقبال الغربي حالياً على بدائل اللحوم، أنكر كلاهما هذا التوجه. بالنسبة لهما، فالإصدار الصيني الأصلي من الأطعمة النباتية وبدائل اللحوم أكثر تطوراً.
قال وانغ: "الأطعمة النباتية الصينية أكثر تطوراً من الإصدارات الغربية. لدينا تنوع أكبر في الأشكال والمذاق. بينما الإصدارات الغربية بسيطة جداً"، وأضاف: "أشعر أن الناس في الغرب لا يأكلون إلا البرغر وشرائح اللحم".