الاتّهام الذي وجَّهته محكمة أمريكية لموظفين سابقين في تويتر بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية، واختراق حسابات معارضين يكشف المزيد من التفاصيل حول ما يبدو أنها حملة ممنهجة لاستهداف مَن يراهم ولي العهد محمد بن سلمان منتقدين له، وتفاصيل هذه القضية تحمل الكثير من المفاجآت.
ماذا حدث؟
اتهمت محكمة أمريكية في سان فرانسيسكو ثلاثة أشخاص، اثنان منهم موظفان سابقان في شركة تويتر، بالتجسس على حسابات مستخدمين لموقع التواصل الاجتماعي لصالح الحكومة السعودية، والشخص الثالث لعب دور الوسيط في تجنيد الموظفين، بحسب ما كشفته عريضة الاتهام، أمس الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
علي الزبارة وأحمد أبوعمو كانا يعملان في تويتر، بينما الثالث أحمد المطيري كان يمتلك شركة تسويق، وكان يعمل وقتها لدى العائلة المالكة السعودية، يواجهون تهماً بالعمل لصالح المملكة دون تسجيل أنفسهم كعملاء أجانب، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 30 عاماً.
تفاصيل مثيرة ترجع لسنوات
عريضة الاتهام تكشف أن أبو عمو، الذي كان المسؤول الإقليمي للشرق الأوسط في تويتر حتى عام 2015، قام بدور ناشط ضمن جهد منسق من جانب الرياض للتجسس على البيانات الشخصية لآلاف الحسابات على تويتر، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
وبحسب مستندات المحاكمة، حصل الموظفان في تويتر، أبوعمو والزبارة، على مكافآت عبارة عن عشرات الآلاف من الدولارات، تم تحويلها لحسابات سرية، إضافة لساعة من ماركة باهظة الثمن لكل منهما.
أبوعمو، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، متهم أيضاً بتزييف مستندات، والإدلاء ببيانات رسمية كاذبة عندما استجوبه عملاء المباحث الفيدرالية في منزله في سياتل.
تجنيد ملكي للزبارة
وبحسب وثائق الادعاء تم تجنيد الزبارة بعد أن تم استدعاؤه من سان فرانسيسكو إلى واشنطن، لمقابلة خاصة مع أحد أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية، لم تتم تسميته، "وبعد أسبوع واحد من عودته من واشنطن إلى سان فرانسيسكو بدأ الزبارة الدخول دون تصريح على البيانات الخاصة لمستخدمي تويتر بصورة مكثفة".
وخلال تلك الفترة تمكن الزبارة من الدخول إلى حسابات أكثر من 6 آلاف مستخدم لتويتر، بينها على الأقل 33 حساباً كانت أجهزة الأمن السعودية قد قدَّمت طلبات بشأنها لتويتر لإغلاقها، وعندما واجهه المشرفون عليه في تويتر زعم أنه يفعل ذلك "بدافع الفضول"، فتم منحه إجازة إدارية والتحفظ على اللابتوب الخاص بالعمل، وإخراجه من مبنى شركة تويتر في سان فرانسيسكو، وفي اليوم التالي غادر الزبارة بصحبة زوجته وابنته إلى السعودية، ولم يعد إلى الولايات المتحدة منذ وقتها.
الصحفي عمر عبدالعزيز يقاضي تويتر
أحد من تعرّض حسابهم للتجسس هو الصحفي السعودي المعارض عمر عبدالعزيز، الذي كانت تربطه علاقة عمل وصداقة مع الراحل جمال خاشقجي، الذي تعرَّض لجريمة الاغتيال على أيدي فريق من القتلة التابعين للحكومة السعودية، في قنصلية بلاده في إسطنبول، العام الماضي، وهي الجريمة التي تشير أصابع الاتهام فيها لولي العهد محمد بن سلمان، ولكنه ينفي الاتهامات، وإن أقر مؤخراً بمسؤوليته السياسية عنها، كونه الحاكم الفعلي للمملكة.
عبدالعزيز رفع قضية ضد تويتر، متهماً الشركة بالفشل في إبلاغه عن تعرض حسابه للاختراق من جانب عملاء للحكومة السعودية، وهو ما مكنهم من اكتشاف خططه للاحتجاج من خلال أدوات التواصل الاجتماعي، مع جمال خاشقجي، وذلك قبل أشهر من اغتياله.
ما علاقة خاشقجي بهذا كله؟
يقول عبدالعزيز في دعواه ضد تويتر، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، إن الزبارة اخترق حسابه وجمع معلومات عنه لصالح الحكومة السعودية، ورغم أن تويتر كشف أنشطة الزبارة وقام بفصله عام 2015، وأخطر عدداً من مستخدمي تويتر بعدها بفترة أن حساباتهم "ربما يكون تم استهدافها من جانب عملاء حكوميين"، إلا أنه لم يتم إخطاره، وكل ما وصله كان بريداً إلكترونياً من تويتر يخطره "أن البريد الإلكتروني ورقم الهاتف المرتبطين بالحساب، ربما يكون حسابٌ آخر اطَّلع عليهما".
وفي يونيو/حزيران 2018، تمكن عملاء سعوديون من زرع أخطر فيروس تجسس -إسرائيلي كما اتضح مؤخراً- في هاتف عبدالعزيز، وكان وقتها يعمل هو وجمال خاشقجي، الذي كان يعمل كاتباً في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، على مشروع "النحل الإلكتروني"، الهادف إلى تنظيم النشطاء السعوديين على تويتر، لمواجهة حملات ما يُعرف "بالذباب الإلكتروني" (اللجان الإلكترونية) التابع للحكومة السعودية.
قمة جبل الجليد
هذه القضية، بحسب المراقبين، تُمثل إحراجاً جديداً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتمتع بعلاقة خاصة مع محمد بن سلمان، كما أنها تمثل ضربةً جديدةً لصورة السعودية كحليف مقرب لواشنطن في الشرق الأوسط، وهي الصورة المهتزة أصلاً بسبب مقتل خاشقجي وحرب اليمن.
وقد صرَّح النائب العام الأمريكي ديفيد أندرسون بالقول إن "الشكوى الجنائية التي تم الكشف عنها اليوم (الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني) تزعم أن عملاء سعوديين فتشوا في النظم الداخلية لتويتر، بحثاً عن معلومات عن منتقدين سعوديين معروفين وآلاف آخرين من مستخدمي تويتر. لن نسمح للشركات الأمريكية أو التكنولوجيا الأمريكية أن تكون أدوات للقمع الأجنبي في انتهاك للقوانين الأمريكية".
كما يكشف التحقيق أن المباحث الفيدرالية كانت تضع بعض العاملين في تويتر تحت رقابتها منذ عام 2014، وتم إبلاغ المديرين الكبار في الشركة بنهاية عام 2015، أن الحكومة السعودية تقوم بتجنيد العاملين.
التفاصيل التي تتكشف يوماً بعد يوم منذ جريمة اغتيال خاشقجي، تشير إلى أن استهداف السعودية لمنتقديها حول العالم ليس مجرد تصرف فردي، أو حوادث متفرقة، بل هي استراتيجية راسخة يتم فيها توظيف جميع الأسلحة والإمكانات، والأيام القادمة كفيلة بكشف المزيد.