أثارت تصريحات رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بأن الإجراءات الاقتصادية انتهت، استغراب ليس الخبراء والمحللين الاقتصاديين فحسب، بل وبعض الوزراء والمسؤولين، فهل كانت حقيقية أم زلة لسان، أم مجرد "مسكنات".
فالإجراءات الاقتصادية التي تصفها الدولة بالمؤلمة لا تزال في حيز التنفيذ والاستمرارية حتى عام 2022 على أقل تقدير، وفق تصريحات الحكومة نفسها.
ولكن خلال مؤتمر صحفي لاستعراض مؤشرات الأداء الاقتصادي والاجتماعي خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، الأربعاء، قال الدكتور مصطفى مدبولي: "إن الإجراءات التي تحملناها جميعاً بقوة قد انتهت".
وأكد أن "المؤشرات والأرقام تعكس تحسن أداء الاقتصاد المصري.. وهذه الأرقام من أفضل المعدلات في تاريخ مصر"، بحسب قوله.
واستند مدبولي في تقريره إلى استقرار معدل النمو في الربع الأول البالغ 5.6%، وانخفاض معدل البطالة إلى 7.5%، وانخفاض معدل التضخم السنوي إلى 4.3% لشهر سبتمبر/أيلول، وتحسّن نسبي في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع تدفقات النقد الأجنبي لنحو 78 مليار دولار العام الماضي.
لكن وفق خبراء اقتصاد فإن كل هذه المؤشرات الاقتصادية المرتفعة لم تستطع أن تحول دون ارتفاع عجز الميزان التجاري، حيث بلغ نحو 38 مليار دولار بنهاية عام 2019/2018 مقارنة بنحو 37.3 مليار دولار في عام 2018/2019، وهو المؤشر الأهم.
زلة لسان.. وهذا هو الدليل
وقال مصدر صحفي بمجلس الوزراء لـ "عربي بوست" إن "تصريحات رئيس الوزراء كانت مفاجئة للوزراء الحاضرين، والمسؤولين الذين اعتبروها "زلة لسان"، على حد وصف أحد المسؤولين في المجموعة الاقتصادية للحكومة".
واعتبرها المسؤول "نوعاً من الدعاية، أو الاعتزاز بما نجحت الحكومة في تحقيقه من مؤشرات اقتصادية مرتفعة"، مشيراً إلى أن "الاجتماع الوزاري المصغر لم يتطرق لهذا الأمر".
وأضاف أن "إطلاق مثل هذه التصريحات جزافاً دون أن يشعر بها المواطنون أمر غير مُجدٍ، وكان الأولى عدم إعلانها بهذا الشكل الفج؛ لأن البعض سيأخذها على محمل الجد، وسيحاول إجراء مساءلة حولها".
الإجراءات الاقتصادية مستمرة.. ولكن بشكل أقل حدة
فيما أكد مسؤول آخر، لم يسمّه المصدر، أن "تصريحات رئيس الوزراء لم يكن يقرأها من بيان مكتوب، وخرجت عن سياقها، أو ربما كانت بهدف طمأنة الصحفيين، ومنح الاجتماع جواً إيجابياً، ولا يمكن اعتبارها تصريحات رسمية".
ودلل على حديثه بالقول: "هذا الكلام لم يتضمنه التقرير الرسمي الذي أصدره مجلس الوزراء تحت رقم (62) بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتضمن أي حديث مطلقاً عن انتهاء الإجراءات الاقتصادية؛ لأنها ما زالت مستمرة وإن كانت بأقل حدة".
وانقسمت المواقع والصحف المصرية بشأن التعامل مع تصريح مدبولي "بانتهاء الإجراءات الاقتصادية"، بين تضمين التصريح في الخبر، أو حذفه تماماً، ولكنه لم يكن عنواناً صحفياً لأية جريدة، أو موقع إلا موقع واحد.
موجة جديدة من رفع الأسعار تشمل هذه السلع
وفي يناير/كانون الثاني 2019، قال وزير الكهرباء المصري محمد شاكر إن الحكومة قررت إرجاء رفع الدعم عن الكهرباء نهائياً حتى عام 2022، ما يعني أن أسعار الطاقة ستواصل الارتفاع لعامين آخرين على أقل تقدير.
وقدًرت الحكومة المصرية فاتورة دعم المواد البترولية للسنة المالية 2019-2020 بنحو 52.9 مليار جنيه، مقارنة مع 89 ملياراً في السنة المالية 2018-2019، ما يعني اعتزام الحكومة المضي قدماً في خفض الدعم لتحريره خلال عامين أيضاً.
الخوف من كشف المستور
وانتقد مسؤولون مصريون سابقون تحدثوا لـ "عربي بوست" استمرار اعتماد الحكومة المصرية على المؤشرات والأرقام، دون الاهتمام بأوضاع الناس الاقتصادية الحقيقية، التي زادت سوءاً، وهو ما تعكسه التقريرات الدولية، حسب قولهم.
وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري الأسبق، الدكتور عمرو دراج، إن كلام رئيس الحكومة المصرية "لا أصل له، وهو للاستهلاك الإعلامي؛ لأنه يتناقض مع تصريحات وزير المالية المصري عن سعي الحكومة لعقد اتفاق مالي جديد مع صندوق النقد الدولي".
وارتفعت نسبة الفقراء في مصر إلى 75% وفقاً للمعايير العالمية التي ذكرها تقرير الثروة العالمي السنوي لعام 2019 الصادر عن مركز "كريدي سويس" السويسري للبحوث، قبل أيام.
وذكر التقرير أن ثلاثة أرباع السكان البالغين في مصر لا يمتلك أي منهم أكثر من 10 آلاف دولار، أي قرابة 160 ألف جنيه.
هناك مشكلة مالية كبرى
ورأى وزيرالتخطيط والتعاون الدولي المصري الأسبق أن "أي اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي يتطلب المزيد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة باتجاه المواطنين المصريين، وأي تصريحات من قبيل انتهاء الإجراءات الاقتصادية هي لتهدئة الشارع"، حسب تعبيره.
وقال إن هناك مشكلة كبيرة في عجز الموازنة العامة للحكومة المصرية؛ بسبب الفوائد والأقساط التي تلتهم الموازنة كل عام، وتزيد بشكل مطرد، بدلاً من أن تتناقص، مع استمرار ضغط الإنفاق التي يجب أن تدبرها الدولة من جيوب المواطنين".
وأكد الوزير الأسبق أن "الإجراءات الاقتصادية مستمرة، وستزيد مع زيادة الضغوط على الموازنة العامة، ولا يوجد على أرض الواقع ما يؤشر أو يدل على انتهائها، والمصريون لا يشبعون من الأرقام".
وكشف البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، عن ارتفاع رصيد الدين الخارجي المستحق على مصر إلى نحو 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي بزيادة بلغت نحو 16.1 مليار بمعدل 17.3% مقارنة بنهاية يونيو/حزيران من العام 2018.
وقامت الحكومة المصرية، وفق التقرير، بسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي بقيمة 13.4 مليار دولار خلال العام المالي 2018 / 2019، موزعة بواقع 10.2 مليار دولار أقساط مسددة و3.2 مليار دولار فوائد مدفوعة.