جاءت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم الخميس 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حول تفعيل دور مجلس النواب المصري في محاسبة المسؤولين حول القضايا التي تشغل الرأي العام لتفتح باباً كان مغلقاً منذ توليه السلطة عام 2014.
فما الذي دفع الرئيس المصري إلى التنبيه على رئيس مجلس النواب علي عبدالعال بتفعيل دور المجلس واستخدام أدواته الرقابية ضد الحكومة، خاصة أداة "الاستجوابات"؟
كامل الوزير.. كبش الفداء القادم
مصادر برلمانية خاصة كشفت لـ"عربي بوست" أن حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخراً عن تفعيل آلية الاستجواب "كان يقصد به كامل الوزير، وزير النقل"، إذ سيكون الاستجواب القادم بالبرلمان المصري من نصيبه.
وأوضحت المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها لمخاوف أمنية، أنه ستتم التضحية بكامل الوزير قريباً لتهدئة الرأي العام بعد حادثة إلقاء شاب بنفسه من القطار بأوامر من المحصل لأنه لم يكن يمتلك ثمن التذكرة.
ويأتي هذا التوجيه الرئاسي بتفعيل آلية الاستجواب "في سياق تهدئة الرأي العام وتخفيف حالة الاحتقان ضد السيسي وتوجيه بوصلة هذا الاحتقان نحو الحكومة"، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي من الإجراءات الاقتصادية القاسية في الفترة الأخيرة، واستنفار لدى الجماهير منذ مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول 2019، في أعقاب ما كشفه الفنان والمقاول المصري محمد علي عن فساد الجيش والهيئة الهندسية التي كان يرأسها كامل الوزير.
ويبدو أن كثرة الانتقادات التي وجهت للرئيس المصري في الآونة الأخيرة جعلته يعود إلى طريقة الرئيس الأسبق مبارك، والتي كانت تعتمد على توجيه المعارضة لانتقاد رئيس الحكومة والوزراء وكل المسؤولين بالدول دون المساس بشخص الرئيس أو مؤسسة الرئاسة.
وأشارت المصادر إلى أن مجموعة أعضاء من نواب "ائتلاف دعم مصر" صاحب الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب، يستعدون بالفعل لتقديم طلب "استجواب" رسمي ضد وزير النقل كامل الوزير.
وقال مصدر مطلع داخل البرلمان المصري لـ"عربي بوست" رفض الكشف عن هويته إن "الجلسات القادمة ستشهد مزيداً من الاستجوابات، ضد بعض الوزراء المتهمين بسوء إدارتهم والتقاعس عن تنفيذ أجندة الرئيس الإصلاحية"، على حد تعبيره.
وكان الرئيس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد في تصريحاته خلال افتتاحه مصنعين جنوب محافظة الجيزة الخميس 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن "نواب الشعب عليهم مسؤولية كبيرة في التصدي للشائعات وتوضيح الحقائق من خلال اللجان، ولا تتركوا الدولة تقاتل بمفردها.. فكل المؤسسات معنية بالدفاع".
وقال السيسي موجهاً حديثه لرئيس مجلس النواب "لن نحزن لو تم اتهام أي مسؤول بالتقصير، هذا دور مجلس النواب، يعمل لجان للتحقيق ويحاسب المقصر".
ضوء أخضر من السيسي
السيسي بهذا التصريح -بحسب المصادر البرلمانية- أعطى الضوء الأخضر لرئيس البرلمان في تفعيل آلية الاستجواب، وهي أقوى الأدوات الرقابية والتي تنتهي في النهاية بطلب سحب الثقة.
وأوضحت المصادر أن بعض القيادات داخل المجلس كانت تخشى الاقتراب من وزير النقل لصفته العسكرية السابقة، لكن بعد تصريحات الرئيس وتوجيهاته لرئيس المجلس "سيتم قريباً استجوابه".
وبحسب نائب بلجنة الشؤون الدستورية بمجلس النواب المصري فإن "آلية الاستجواب كانت معطلة بالفعل، وقد طالبنا أكثر من مرة بتفعيلها، حتى جاءت حادثة القطار الأخيرة".
وقال النائب الذي رفض ذكر اسمه، في حديثه لـ"عربي بوست"، "أشهد بأن اللواء كامل الوزير حقق طفرة في هيئة السكك الحديدية، وما حدث من المحصل تجاه الشاب الذي لقي مصرعه بإلقاء نفسه من القطار يتحمل الوزير المسؤولية السياسية والمدنية، ولكنه لا يتحمل المسؤولية الجنائية".
وأضاف النائب أن ما حدث هو خطأ المحصل ويسأل عنه فاعله، ومن اللحظة الأولى بادر وزير النقل بالاعتذار لأهل الشاب، ولكن هذا لا يمنع من تقديم استجواب ضد الوزير، ولا تمنع صفته العسكرية السابقة من هذا الاستجواب".
أمانة المجلس في الانتظار
بحسب مصدر في الأمانة العامة لمجلس النواب، رفض التصريح باسمه، فقد ذكر لـ "عربي بوست"، أن الإجراء المتبع في الاستجوابات هو أن يتقدم أي عضو بمذكرة باستجواب لأمانة المجلس، ولأمين عام المجلس المستشار محمود فوزي تحديد مدى قبوله أم لا.
وأوضح أن الاستجواب لابد أن يرتكز على أسس وقواعد وأن يكون مكتمل الأركان ومدعما بالأدلة، فأمين عام المجلس هو الذي ينسق مثل هذه الطلبات ويحدد أهميتها وأولويتها.
وأضاف المصدر أنه إذا ارتأى أمين عام المجلس الاستجواب صالحاً، يتم عرضه بعد ذلك على اللجنة الخاصة التي يتبع لها الاستجواب، "لدينا 26 لجنة تشمل كافة قطاعات ووزارات الدولة، فإذا كان مثلا الموضوع خاص بالنقل العام يتم عرضه على لجنة النقل والمواصلات، والتي تناقشه، ثم يعرض بعد ذلك الاستجواب على اللجنة العامة للمجلس والتي تشمل كافة رؤساء اللجان ووكيلي المجلس ورئيسه، ثم تحدد هذه اللجنة عرض الاستجواب في جلسة عامة للمجلس".
وأكد المصدر أنه "حتى هذه اللحظة لم يصلها أي استجواب بشأن كامل الوزير، وإذا وصلنا أي استجواب سوف نتخذ الإجراءات الطبيعية تجاهه".
متى يتم قبول الاستجواب ومن يقدمه؟
وأوضح البرلماني محمد عبدالرحيم الغول "بصفة عامة لا يمكن اختزال آلية الاستجواب في حادثة القطار الأخيرة، وقد طالبنا كثيراً بتفعيل هذه الأداة، أما عدم تفعيلها فيسأل عن ذلك رئيس المجلس وأمانته العامة، وليس نحن النواب".
وأضاف الغول في تصريحه لـ"عربي بوست" إن الاستجواب تسبقه عدة شروط ومراحل قبل تحقيقه، مثل تقديم سؤال أو بيان عاجل أو طلب إحاطة، ولابد أن يكون مكتمل الأركان، وأهمها أن ترى اللجنة العامة للمجلس أهمية للاستجواب وهل ستجدي مناقشته أم لا".
ومن خلال البحث عن الاستجوابات داخل مجلس النواب كشفت صحيفة "الفجر" المصرية أنه مع بداية دور الانعقاد الخامس لمجلس النواب بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، شن النواب هجوماً على الحكومة متهمين إياها بالتقصير، وطالب بعض النواب الدكتور علي عبدالعال، رئيس المجلس، بإخراج الاستجوابات من الأدراج تمهيداً لمناقشتها تحت القبة.
من بين هؤلاء كان النائب محمد فؤاد الذي تقدم بأول استجواب في دور الانعقاد الخامس ضد الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي اعتراضاً على ضعف معدلات ردود الوزراء على الأدوات الرقابية البرلمانية، وغياب متابعة وتنفيذ الحكومة لتوصيات المجلس.
ولكن علي عبدالعال كان معترضاً على آلية الاستجواب في تلك الجلسة، خاصة فى ظل وجود ما يقرب من 25 استجواباً تقدم بها عدد من النواب، منذ بداية عمل البرلمان في يناير/كانون الثاني 2016، ولم تناقش حتى الآن.
وبالتالي فمن الصعب أن يعيد النواب تقديم استجوابات مرة أخرى في حالة ما إذا استمر رئيس البرلمان علي عبدالعال على نهجه الرافض لاستجواب الحكومة، إذ سبق وأوضح في نهاية دور الانعقاد الثالث أن الاستجواب "إجراء خشن" يترتب عليه سحب الثقة من الحكومة، مشيراً إلى أن بعض البرلمانات العريقة ومنها البرلمان الفرنسي ألغت الاستجوابات، بحسب ما نقلته عنه الصحيفة.
استخدمت آلية الاستجواب مرتين خلال فترة انعقاد البرلمان
والغريب أن مجلس النواب خلال أدوار انعقاده الأربعة الماضية لم يستخدم أداته الرقابية الأهم وهي "الاستجواب البرلماني".
وشهد دور الانعقاد الرابع المنقضي تقديم كل من النائبين عبدالحميد كمال وشيرين فراج لاستجوابين مهمين، أحدهما يتعلق بملف البيئة والآخر يتعلق بملف السكك الحديدية.
وقال النائب عبدالحميد كمال عضو مجلس النواب، إنَّ استجوابه المقدم في فبراير/شباط 2019؛ تضمن وقائع لفساد بعض المسؤولين بوزارة النقل ووقف إهدار المال العام الذي يُقدر بنحو 10 مليارات جنيه.
وأضاف أن "الوزارة حصلت على المبلغ في شكل منح وقروض لتطوير السكة الحديد"، مضيفاً: "الاستجواب كان مكتمل الاشتراطات والأركان وبالمستندات، لكنه لم يناقش".
يُشار إلى أنَّه بموجب نص اللائحة الداخلية لمجلس النواب يسقط الاستجواب بانقضاء دور الانعقاد البرلماني.
إجراءات الاستجواب البرلماني
وينظم الدستور المصري واللائحة الداخلية لمجلس النواب، إجراءات استخدام الاستجواب البرلماني، وتنص المادة 130 من الدستور على أنه: "لكل عضو في مجلس النواب توجيه استجواب لرئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، لمحاسبتهم عن الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم ، ويناقش المجلس الاستجواب بعد 7 أيام على الأقل من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى 60 يوماً، إلا في حالات الاستعجال التي يراها، وبعد موافقة الحكومة".
وفي المادة 220 من قانون اللائحة الداخلية لمجلس النواب، يعد للاستجواب الأسبقية على سائر المواد المدرجة بجدول الأعمال بعد طلبات الإحاطة والأسئلة.
وتجرى مناقشة الاستجواب بأنَّ يشرح المستجوب استجوابه، ثم يعقب عليه من وجه إليه الاستجواب، وبعد ذلك تبدأ المناقشة فى موضوعه. وللمستجوب الرد على إجابة من وجه إليه الاستجواب، وتكون له الأولوية في ذلك. ويسقط الاستجواب بزوال عضوية مُقَدِّمه، أو صفة من وجه إليه، أو بانتهاء الدور الذي قُدم خلاله.
كل العيون تتجه صوب "كامل الوزير"
وبحسب المصادر فإن كل العيون تتجه الآن صوب كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية السابق للقوات المسلحة، والذي أقيل من منصبه ذاك، ليتم اختياره وزيراً للنقل والمواصلات، بما اعتبره البعض إطاحة بهذه القيادة العسكرية الهامة من الهيئة الهندسية التي تعتبر أحد مغارات القوات المسلحة في ظل نظام السيسي.
وتقدم النائب علاء والي بسؤال عاجل للوزير، وطالب بحضوره إلى مقر مجلس النواب، وهو ما سيتم خلال أيام.
كذلك تقدم النائب محمود بدر، عضو مجلس النواب ببيان عاجل ضد الوزير بسبب تحرك قطار في منطقة شبين القناطر بدون سائق.
واتهم النائب، الهيئة بإصدار تصريحات مكذوبة بشأن واقعة الشاب محمد عيد، وهناك تعامل بمنتهى الاستهتار، مطالباً بتشكيل لجنة للتحقيق في الواقعة، والتحقيق مع رئيس الهيئة بتهمة الاستهتار بحياة المواطنين.
وتقدم أيضاً النائب طلعت خليل عضو مجلس النواب عن حزب المحافظين، ببيان عاجل لرئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير النقل بسبب إجبار شابين على القفز من القطار لعجزهما عن دفع قيمة التذكرة والغرامة.
وقال النائب "إذا كان حرص الدولة على الحصول على حقها، فمن الأولوية أن توالي الحرص الأكبر على حياة المواطنين وسلامتهم"، لافتاً إلى أن التهاون في أرواح المواطنين وصل إلى حد إجبار شابين على القفز من القطار لعجزهما عن دفع قيمة التذكرة والغرامة.
وأوضح أن إبراز الحقيقة كاملة أفضل من التعمية، خاصة أن خسائر السكك الحديدية هذا العام تفوق 12 مليار جنيه بسبب سوء الإدارة.
الجدير بالذكر أن النائب محمد عطا سليم عضو مجلس النواب عن حزب المحافظين، تقدم، في وقتٍ سابق، باستجواب للحكومة، مدعوم بـ 55 مستنداً، حول الفساد المالي والإداري داخل وزارة النقل، الذي كان سبباً مباشراً فى استمرار حوادث القطارات وتكاثر دماء المصريين على قضبان السكك الحديدية، واحتراق العديد من الجثامين فى حوادث سابقة.
وخلال منتصف الأسبوع المقبل سيتم جمع كافة هذه البيانات ويتم عمل استجواب ضد الوزير، وربما تصل الأمور إلى سحب الثقة منه وإقالته من منصبه.
شهور قليلة وينفض البرلمان، فما الفائدة من تفعيل الاستجوابات؟
توجيهات السيسي بتفعيل أدوات مجلس النواب جاءت متأخرة بالطبع، فبعد شهور قليلة ينفض دور الانعقاد الخامس، وبالتالي ينفض المجلس برمته لتتم بعدها انتخابات برلمانية جديدة.
فمن كان وراء تعطيل آليات الرقابة في البرلمان طوال دورات الانعقاد الماضية؟ ولماذا تفعل الآن؟
النائب صلاح إبراهيم يعلق على هذا قائلاً "نحن لسنا في موضع دفاع عن المجلس، فالنواب لم يقصروا طوال الفترة الماضية، وعملية تقليص أدوات الرقابة داخل المجلس ليست بتوجيهات أو ضغوط من أي جهة.
وأضاف في حديثه لـ"عربي بوست" أن البرلمان الحالي جاء بعد ظروف عصيبة مرت بها مصر، وكانت جلساتهم تمتد لأكثر من 12 ساعة لمناقشة قوانين أو مشروعات بقوانين كانوا في حاجة إلى إصدارها، "لذا لم يكن لدينا وقت لمناقشة استجوابات"، على حد تعبيره.
وأكد النائب أنه خلال الفترة القادمة سيشهد المجلس نشاطاً غير عادي في مسائلة الحكومة أو أي مسؤول يتخاذل أو يتباطأ في تنفيذ المهام الموكلة إليه، خاصة أن هناك بعض الوزراء غير فاعلين مع السياسة العامة للدولة".