أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً والأسرع وصولاً للجمهور حول العالم، والإعلانات هي الممول الرئيسي للإعلام، وهو ما جعل من يملك المال أكثر قدرة على توظيف تلك الوسائل للتأثير على الجمهور، لماذا قرر تويتر حظر الإعلانات السياسية أو ما نطلق عليه نحن "اللجان الإلكترونية"، في حين يوافق عليها فيسبوك؟ وما تأثير ذلك على الانتخابات بالدول الغربية؟ وما تأثيره عليك كمستخدم في المنطقة العربية؟
ما القصة؟
قرر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، اليوم الخميس 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حظر جميع الإعلانات السياسية في جميع أنحاء العالم، وقال الرئيس التنفيذي للشركة جاك دورسي: "رغم أن الإعلان عبر الإنترنت يمثل قوة هائلة ومؤثرة جداً بالنسبة للمعلنين التجاريين، فإن هذه القوة تجلب مخاطر كبيرة على السياسة".
الإعلان جاء بعد جدل كبير يخص موقع فيسبوك في المسألة نفسها، وكان قرار فيسبوك هو استبعاد فرض حظر على الإعلانات السياسية.
ما المقصود بالإعلانات السياسية؟
الإعلان السياسي عبارة عن محتوى (مقطع فيديو على الأرجح) يتم إرساله بطريقة آلية من خلال حسابات وهمية مبرمجة سابقاً، يستهدف شرائح محددة من جانب الأحزاب السياسية، ويستخدم تقنيات التزييف العميق للصور ومقاطع الفيديو بغرض التأثير على الناس.
هذه النوعية من الإعلانات المدفوعة يستخدمها كل طرف سياسي لاستهداف ناخبين أو جمهور يريد أن يؤثر في آرائه، وغالباً ما تحتوي تلك المقاطع على معلومات غير صحيحة أو غير مدققة أو كلام خارج سياقه، ولا تخضع تلك الإعلانات للتدقيق من جانب منصات التواصل الاجتماعي التي توصلها للملايين من مستخدميها.
وهذا النوع من المواد الإعلانية ومن يقومون بإعدادها ونشرها، نشير إليه إعلامياً في منطقتنا العربية باللجان الإلكترونية، التي تهدف إلى نشر مواد مصممة خصوصاً لتحقيق غرض ما.
كم يدفع الرئيس الأمريكي أسبوعياً لـ "فيسبوك"؟
ولكي نتصور مدى أهمية وتأثير تلك الإعلانات، نذكر هنا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع مليون دولار أسبوعياً لـ "فيسبوك" لنشر إعلاناته، بحسب الاتهام الذي وجَّهته إليها عضوة مجلس الشيوخ وإحدى الديمقراطيين الطامحين إلى منافسة ترامب في انتخابات العام المقبل، إليزابيث وارن.
وقد قامت هيئة الإذاعة البريطانية بتدقيق تلك المعلومة واتضح أنها صحيحة، حيث أنفقت حملة ترامب الانتخابية، خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مليون دولار أسبوعياً على الإعلانات.
ما منطق فيسبوك في عدم حظر تلك الممارسات؟
مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، سوَّغ قرار الشركة عدم حظر الإعلانات السياسية التي تحتوي على الأكاذيب، وقال في لقاء أمام جمهور من الطلاب بالعاصمة الأمريكية واشنطن، إنه "فكَّر في منع جميع الإعلانات السياسية على موقعه، لكنه قال إنه يعتقد أن هذه الخطوة ستكون في مصلحة السياسيين الحاليين ومن تختار أن تدعمه وسائل الإعلام".
ودافع عن موقفه بأن الشركة يجب أن "تقف إلى جانب حرية التعبير عن الرأى على نطاق واسع"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية.
ما وجهة نظر تويتر في حظرها إذن؟
وقال إن الإعلانات السياسية عبر الإنترنت تمثل "تحدياً جديداً تماماً للحوار المجتمعي"، مضيفاً: "ليس من المعقول أن نقول إننا نعمل بجدٍّ لمنع الناس من التلاعب بأنظمتنا لنشر معلومات مضللة، في حين أننا (لن نستطيع منع الناس من نشر معلومات مضللة) إذا دفع لنا أحدٌ أموالاً لاستهداف الناس وإجبارهم على رؤية إعلاناتهم السياسية، عندها سيمكنهم قول ما يريدون!".
وفنَّد دورسي، بطريقة غير مباشرة، وجهة نظر زوكربيرغ، بقوله إن "عديداً من الحركات الاجتماعية تصل إلى نطاق هائل (من الناخبين) دون أي إعلانات سياسية"، مضيفاً أن الإعلانات التي تحثُّ الناخبين على تسجيل أنفسهم والمشاركة في الانتخابات لن تتأثر بالحظر.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للانتخابات الأمريكية؟
قصة الإعلان السياسي أو اللجان الإلكترونية تشغل حيزاً كبيراً من الجدل في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وتخضع شركات التواصل الاجتماعي لعملية تدقيق خاصة قبيل الانتخابات، وستبدأ شركة تويتر حظر الإعلانات السياسية اعتباراً من 22 نوفمبر/تشرين الثاني، مع نشر التفاصيل الكاملة بحلول 15 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ومن المتوقع أن تنفق الحملات الفيدرالية الأمريكية نحو ستة مليارات دولار على الإعلانات الانتخابية، لكنَّ معظمها سيذهب لصالح الإعلانات التلفزيونية، مع تخصيص نحو 20 في المئة للإعلانات الرقمية، وفقاً لتقديرات شركة كانطار للأبحاث.
وبالطبع، تويتر أصغر كثيراً من فيسبوك، وقالت شركة تويتر في فبراير/شباط الماضي، إن عدد المستخدمين النشطين يومياً بلغ 126 مليوناً، في حين ارتفع عدد المستخدمين على فيسبوك إلى 1.63 مليار في شهر سبتمبر/أيلول.
ماذا عن تأثير ذلك على المستخدمين في المنطقة العربية؟
القصة هنا مختلفة من حيث التوظيف، ففي الدول العربية التي تشهد احتجاجاتٍ شعبيةً هذه الأيام مثل لبنان والعراق، تستخدم السلطة أو أطراف محسوبة عليها سلاح الإعلانات أو اللجان الإلكترونية، لنشر مقاطع معدَّة بطريقة معينة، للإساءة إلى الحراك والمشاركين فيه، ونشرها على نطاق واسع.
بثُّ قناة المنار التابعة لحزب الله، على سبيل المثال، مقطع فيديو ممنتجاً بطريقة تُظهر الحراك اللبناني على أنه نسخة من فيلم "الجوكر" الأمريكي الذي يُعرَض الآن ويروي قصة شاب مريض نفسياً ويتعرض لضغوط هائلة فيتحول إلى قاتل ينشر الفوضى بلا هدف ولا معنى، والفيديو الذي تم إعداده ونشره على فيسبوك ومواقع التواصل الأخرى يهدف إلى تشويه الحراك اللبناني وتخويف قطاعات أخرى من الشعب من الانضمام إليه.
هذه الطريقة انتشرت بصورة كبيرة بمصر في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، في صورة تسجيلات شخصية أو فيديوهات معدَّة بصورة مسيئة إلى الشخصيات التي كانت تمثل رموزاً لتلك الثورة، وكانت تلك المقاطع تنتشر بسرعة كبيرة، لكونها إعلانات مدفوعة تصل إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك الأكثر انتشاراً في مصر.