إنهم متهمون بأنهم عملاء لأمريكا، وبعثيون متخفّون، إنهم سائقو التوكتوك العراقيون الذين ينقلون المصابين في المظاهرات، الذين تحولوا إلى أبرز أعداء للنظام.
إنهم ليسوا كبارا في السن، سائقو التوكتوك لا تتجاوز أعمارهم 25 عاماً، يعملون منذ انطلاق مظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول في العراق، على نقل الشهداء والجرحى من ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، إلى المستشفيات والمراكز الصحية في بغداد.
بعضُهم يحركه الثأر.. هذا ما حدث لابن عمي
احمد لفته، متزوج، 22 عاماً، يعيش في سكن بالإيجار في مدينة الصدر، شرقي العاصمة بغداد، يتحدث لـ "عربي بوست" قائلاً إن "الظروف الاقتصادية في العراق بعد 2003 دفعتني إلى ترك الدراسة في سن مبكرة جداً، والعمل سائق دراجة "التوكتوك" لنقل المواطنين داخل أحياء مدينة الصدر ومناطق شرقي بغداد، مقابل أجور بسيطة جداً، تتراوح بين ألف دينار عراقي إلى ثلاثة آلاف، ما يقارب اثنين دولار أمريكي، أقل من أجور السيارات الأجرة".
بعد استشهاد ابن عمي المتظاهر حسين علي في احتجاجات واحد أكتوبر/تشرين الأول، دفعتني الغيرة العراقية للمشاركة والوقوف مع المتظاهرين في التحرير ومساندتهم، في الصباح أقوم بعملي الخاص كسائق توكتوك داخل أسواق وأحياء مدينة الصدر، وفي المساء يتحول عملي إلى مُسعف للمتظاهرين، الذين سقطوا ضحايا نتيجة تساقط الغاز المسيل للدموع والحارق والطلقات البلاستيكية.
أثناء وجودي بالتحرير قمت بنقل اثنين من الشهداء والعشرات من الجرحى من ساحة ثورة الأبطال "التحرير" إلى مستشفى الجملة العصبية، القريب من ساحة ومستشفى الشهيد الصدر في مدينة الصدر، أحياناً أقوم بنقل المساعدات الغذائية من أصحاب المواكب الخدمية الموجودة في التحرير، إلى المعتصمين فوق بناية جبل أحد "المطعم التركي"، أو الموجودين تحت جسر الجمهورية.
والآن هو متهم بأنه بعثي وعميل للأمريكيين والسعوديين في وقت واحد!
أحزاب السلطة وجَّهت لنا الكثير من الاتهامات، أبرزها أننا بعثيون من أزلام النظام السابق بدعم سعودي وأمريكي وإسرائيلي، هذه الاتهامات مضحكة جداً، السياسيون أصحاب المناصب لا يختلفون عن نظام صدام وحزب البعث، كلاهما يقمع ويقتل كل من يعارض سياستهم أو يهددهم بإزاحتهم من مناصبهم.
وشاهد مراسل "عربي بوست" في أثناء تجواله في ساحة التحرير عدداً من الشباب، وهم يقومون بتوزيع ظروف مالية على سائقي التوكتوك، تقديراً لوقوفهم ودعمهم للمتظاهرين 25 أكتوبر/تشرين الأول.
ويقول أحدهم، يدعى علاء جاسب لـ "عربي بوست": "نحن عدد من الشباب نقوم بجمع مبالغ مالية من الناشطين، نقوم بعدها بتوزيعها في ساحة التحرير على أصحاب التوكتوك، إكراماً لمواقفهم الوطنية ودعمهم للمتظاهرين والمعتصمين في التحرير، هذا أقل تقدير نقدمه لهم، بالإضافة إلى ذلك هناك شباب أيضاً يقومون بتوزيع الوقود مجاناً على أصحاب التكاتك في ساحة الطيران القريبة من مكان المتظاهرين".
لماذا يتفوق التوكتوك على سيارة الإسعاف؟
بدوره، يقول أحد سائقي التوكتوك، يدعى إبراهيم جاسم لـ "عربي بوست"، "منذ أربعة أيام نقوم أنا وأخي الأصغر الذي يمتلك أيضاً دراجة توكتوك بنقل الشهداء والجرحى والمصابين، نتيجة سقوط قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين والمعتصمين في التحرير، إلى مستشفى الجملة العصبية بمساعدة المتظاهرين".
الشوارع المؤدية إلى ساحة التحرير مغلقة بالكتل الكونكريتية، ولا توجد سيارة تستطيع الوصول إلى التحرير، عدا التكاتك وسيارات الإسعاف، إنها تقوم بنقل الشهداء والجرحى والمصابين إلى مستشفيات الجملة العصبية، والكندي، وشيخ زايد، وأيضاً السيارات الأخرى موجودة بالقرب من الكتل الكونكريتية، التي هي بدورها تقوم بنقل الضحايا إلى المستشفيات الأخرى في العاصمة بغداد، بسبب امتلاء المستشفيات القريبة من التحرير بالجرحى والمصابين.
التوكتوك صغير الحجم، وبالتالي لا يواجه أي صعوبة في حركته بين المتظاهرين، على الرغم من امتلاء الساحة بالمعتصمين والمتظاهرين الذين يتزايد عددهم يوماً بعد آخر، حتى تجاوز عددهم 25 ألف متظاهر ومعتصم في التحرير.
وأثناء صعود مراسل "عربي بوست" في أحد التكاتك، وتجواله في موقع المظاهرات تعرَّض إلى الغاز المسيل للدموع، نقل في إثر ذلك إلى مستشفى الجملة العصبية.
ويطالب المحتجون في العراق منذ اندلاع الاحتجاجات، في 1 من أكتوبر/تشرين الأول 2019، بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل، قبل أن يرتفع سقف مطالبهم إلى إسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، وحلّ مجلس النواب وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لحين إجراء انتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة.