"ثلاثة ملايين موظف يجب أن يتركوا وظائفهم طوعاً أو قسراً"، تعد هذه خلاصة خطة الحكومة المصرية لتقليص عدد موظفي الدولة للوصول بعددهم لنحو مليونَي ونصف المليون موظف تنفيذاً لشروط صندوق النقد.
ولكن كيف ستنفذ الحكومة خطتها لتقليص عدد الوظائف الحكومية بمقدار 3 ملايين وظيفة؟
أولاً: أغلقت الحكومة المصرية كل الطرق التي تؤدي إلى شغل أي وظيفة في الجهاز الإداري للدولة، الذي تصفه بالمتضخم، إلا في أضيق الحدود، وبات الجهاز طارداً للموظفين وليس جاذباً لهم.
رئيس الوزراء.. هناك 3 ملايين موظف لا نحتاج لهم
تخطط الحكومة إلى إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتقليص عدد الموظفين إلى مليونَي موظف فقط، مقابل 5 ملايين موظف حالياً، خلال السنوات القادمة.
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أمام البرلمان، الأربعاء الماضي: "لدينا مشكلة أساسية تتمثل بالتوظيف في الجهاز الإداري للدولة، فهناك 5 ملايين موظف في الحكومة، ونحن لا نحتاج أكثر من 40% من هذه الطاقة، وبالتالي لا سبيل للضغط على الحكومة من أجل فتح التعيينات".
ورغم أن تضخم الجهاز الإداري المصري ظاهرة قديمة، إلا أن الحكومة الحالية تُلقي باللوم على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في تضخُّم عدد الموظفين، حيث تردد أن تعيينات الصناديق الخاصة، والتظاهرات الفئوية كانت وراء زيادة عمليات التعيين بنحو مليون موظف على الأقل.
وكان مصدر بـ "جهاز التنظيم والإدارة" قد كشف في تصريح صحفي أن خطة تخفيض موظفي الحكومة، هو أحد محاور البرنامج الاقتصادي الذي قدمته الحكومة لصندوق النقد الدولي، حيث تقتضي الخطة الاستغناء عن 3 ملايين موظف، وهو ما يتفق مع تصريحات رئيس الحكومة.
كم عدد الموظفين؟
ووفق للجهاز المركزي العام للتعبئة والإحصاء بمصر، انخفض عدد الموظفين إلى نحو 5 ملايين موظف في 2017، آخر إحصائية للجهاز، مقابل نحو 5.8 مليون موظف في 2016، بانخفاض قدره 13.5%.
إلا أن العدد الفعلي في عام 2019 أقل بنحو نصف مليون موظف على أقل تقدير؛ بسبب خروج نحو 180 ألف موظف على المعاش سنوياً في مصر، بدون الذين خرجوا عند سن الخمسين، بعد إقرار قانون الخدمة المدنية في 2016، الذي فتح باب الخروج المبكر عند سن 50 عاماً.
وتبلغ قيمة الأجور 301 مليار جنيه (18.5 مليار دولار) ما يعادل 18.8% من موازنة الدولة البالغ 1.6 تريليون جنيه (98.4 مليار دولار).
وتنقسم خريطة العاملين بالجهاز الإداري في مصر إلى 3 قطاعات:
الأول، العاملون بالوزارات والمصالح الحكومية. والثاني، يخص الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية. والثالث، بشأن الإدارة المحلية.
لكن كيف ستصل الحكومة المصرية بعدد الموظفين إلى أقل رقم ممكن خلال السنوات القليلة القادمة بهدف تخفيف الضغط على موازنة الدولة المثقلة بالديون؟
خطة الحكومة المصرية لتقليص عدد موظفي الدولة.. 5 مسارات
كشف رئيس برنامج التطوير المؤسسي بوزارة التخطيط، الدكتور ممدوح لـ "عربي بوست" أن "التعامل مع مسألة التضخم الوظيفي في قانون الخدمة المدنية استهدفت تفعيل ما نص عليه القانون في المواد، وهناك مساران، أولهما اختياري كما في المادة 70، والثاني إجباري كما في المادة 69".
وقررت الحكومة بالفعل اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الصدد، من خلال عدة خطوات، أبرزها:
1- تقاعد 185 ألف موظف سنوياً بعد بلوغهم سن الستين، وتقييد تعيين أي بديل ما يؤدي إلى تقليص أعداد الموظفين إلى نحو 2.5 مليون موظف بحلول عام 2030، بدون أي خطوات أخرى.
2- فتح باب المعاش المبكر رسمياً للموظفين عند بلوغ سن الخمسين، بعد إقرار مجلس النواب لقانون الخدمة المدنية الجديدة في 2016، والحصول على كافة حقوقه التى نص عليها القانون وفقاً للمادة رقم 70.
وتشجع الدوائر الحكومية موظفيها على التقدم إلى المعاش المبكر. ففي سبتمبر/أيلول 2019 قالت الشركة المصرية للاتصالات إن 3 آلاف عامل بالشركة تقدموا إلى "المعاش المبكر".
وبشأن العدد الرسمي لمن تقدموا للمعاش المبكر، أكد مسؤول برنامج التطوير بوزارة التخطيط لـ "عربي بوست" أنه "في حدود 11 ألف موظف حتى بداية العام، والعدد قابل للزيادة".
3- وقف التعيينات الحكومية رسمياً، فقانون الخدمة المدنية الجديد يحظر تعيين أي دفعات من الخريجين في أي مجال من المجالات، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء وتوفير التمويل اللازم.
واستبدال التعيين لسد عجز الموظفين، بفتح باب التعاقدات المؤقتة الموسمية، كطلب وزارة التربية والتعليم، الأسبوع الماضي، تعيين 120 ألف معلم بعقد مؤقت، بمكافأة مالية من خارج موازنة الدولة.
4- تجميد زيادة الرواتب في العديد من القطاعات؛ لتحفيز الموظفين على التقديم للمعاش المبكر، كما جرى في قطاع الإذاعة والتلفزيون المصري، حيث أكد محمد عبدالهادي، لـ "عربي بوست" أن "الأجور منذ 2013 لم تزِد في الإذاعة إن لم تنقص".
وأشار إلى أن "الأجور زادت الاستقطاعات منها، ولا تطبق الزيادة السنوية، وباتت المحاسبة معقدة، وغير مجدية، كل ما يحدث يدفعك لترك العمل".
5- الفصل من العمل بزعم تبنّي أفكار "متطرفة"، و "الإدمان".
وأعلن وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، الأسبوع الماضي، فضل 1077 معلماً بدعوى الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2019، أجلت محكمة القضاء الإداري دعوى تطالب بإلزام السلطات بإصدار قرار بفصل جميع الموظفين المنتمين "لجماعة الإخوان" إلى جلسة 21 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتصل نسبة المتعاطين للمخدرات داخل الجهاز الإداري بمصر إلى ما بين 8% و20%، وفق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
العدد المطلوب يجب أن يكون متناسباً مع حجم السكان
وبشأن العدد الحقيقي المطلوب لموظفي الحكومة هل هو الذي أعلن عنه رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، قال رئيس برنامج التطوير المؤسسي بوزارة التخطيط لـ "عربي بوست": "عندما يصرح رئيس الحكومة بهذا الرقم فهذا يعني أنها أرقام دقيقة، لأن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يتبعه مباشرة".
وكشف أنه يجرى الآن "الإعداد لمشروع كبير لتحديث الملفات الوظيفية لكل العاملين بالدولة، وحصر دقيق لهم، وانتهت المرحلة الأولى منه".
وتقول وزارة التخطيط إنها تستهدف الوصول بعدد الموظفين إلى موظف لكل 40 مواطناً في 2030، أي نحو مليوني ونصف المليون موظف فقط، مع الوضع في الاعتبار زيادة عدد السكان من 100 مليون نسمة إلى نحو 125 مليون نسمة.