أثار الحديث عن لجوء المرشح الرئاسي التونسي نبيل القروي إلى شركة كندية يديرها ضابط استخبارات إسرائيلي سابق لتجميل صورته ودعمه دولياً في السباق الرئاسي- انتباه كثيرين إلى تلك الشخصية التي قد تسهم في وصول رجل الأعمال الثري إلى رئاسة تونس رغم حصوله على المرتبة الثانية في الجولة الأولى من الانتخابات.
مع انتشار خبر تسديد المرشح الرئاسي مليون دولار لضابط الاستخبارات السابق، كان هناك غموض ومجموعة من الأسئلة التي تحتاج إجابات واضحة، فمن يكون هذا الرجل الإسرائيلي الذي يلجأ إليه رجل يقترب من رئاسة دولة قدمت إلى حد كبير، تجربة فريدة عقب ثورات الربيع العربي؟ ولماذا تم اختيار هذا الرجل تحديداً؟ وهل هناك أدوار مماثلةٌ لعبها في الماضي؟ ولماذا هذه الشركة تحديداً، أو على الأحرى لماذا هذا الضابط؟
من هو ضابط الاستخبارات أري بن ميناشي؟
بالقرب من نهاية أحد الشوارع الهادئة في وسط مدينة مونتريال الكندية، هناك منزل لا يختلف في شكله عن المنازل المحيطة، لكن في الداخل هناك عالم مختلف تماماً من الترتيبات، وربما المؤامرات الدولية والسمسرة المتعلقة بالسلطة والمال.
داخل هذا المنزل الغامض، يجلس أري بن ميناشي خلف مكتب يعلوه لوح زجاجي وتحيط به مجموعة منتقاة من الموظفين. هذا الرجل عضو في جماعات الضغط، وهو مستشار مثير للجدل لعدة دول بينها روسيا، وعديد من البلدان الإفريقية.
وأري بن ميناشي يهودي عراقي من مواليد طهران عام 1951. كان والده شيوعياً ثم أصبح رجل أعمال.
أصبح بن ميناشي ضابطاً في جهاز الموساد الإسرائيلي، تحرَّك بن ميناشي بالسفر حول العالم، بصفته ضابط مخابرات عسكرية إسرائيلياً، ثم عمل مستشاراً خاصاً للمخابرات لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق شامير.
ولفت أنظار العالم إليه أول مرة عام 1989، على خلفية خبر اعتقاله في الولايات المتحدة بتهمة محاولة بيع 3 طائرات عسكرية لإيران، في انتهاك لقانون مراقبة تصدير الأسلحة الأمريكي.
قضى بن ميناشي قرابة العام في أحد السجون بمدينة نيويورك، حتى تمت تبرئته، إذ كان يتصرف بناء على أوامر من رؤسائه في إسرائيل.
في عام 1992، نشر مذكراته التي ضمت كثيراً من التفاصيل والأسرار الدولية على حد وصفه، فعلى سبيل المثال حضر اجتماعاً عام 1980 في باريس بين قادة الحزب الجمهوري الأمريكي بمشاركة جورج بوش ومسؤولين إيرانيين، أبرموا خلاله اتفاقات سرية حول إطلاق رهائن اعتُقلوا بإيران.
قصة الشركة الأخطر في الشرق الأوسط وإفريقيا
في عام 1993، تزوج امرأة كندية وانتقل إلى مونتريال، وبعد 3 سنوات أصبح يحمل الجنسية الكندية. ثم أسس عدة شركات، بعضها تخصصت في الشحن.
لكن أخطر وأهم شركاته هي "ديكنز آند مادسون" التي كان يشاركه فيها ألكساندر ليغولت، وهو رجل أعمال أمريكي المولد كان مطلوباً في الولايات المتحدة بتهمة خداع الحكومة المصرية، حيث استولى على 7 ملايين دولار مقابل شحنة زائفة من الدجاج المجمد.
المفضل لدى أمراء الحرب
ويوصف بن ميناشي بأنه المفضل لدى أمراء الحرب في العالم لتلميع صورهم.
ويقول بن ميناشي في هذا السياق، إنه لم يكن "تاجر أسلحة"، كما ذكرت بعض التقارير الإعلامية. "كنت أعمل لحساب الحكومة الإسرائيلية في بيع السلاح"، وبعد تأسيس شركته الخاصة شارك في نقل المعدات العسكرية بين الدول.
كانت لديه علاقة قوية مع رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي، وفي عام 2002 توطدت علاقته بالرجل بعد أن أفشى له بأسرار منافِسه في السباق الرئاسي والذي استعان به لدعمه في الفوز على موغابي، فقد تمكن من التسجيل لتسفانجيراي الذي خطط لاغتيال الرئيس موغابي.
وعلى الفور وبفضل هذه التسجيلات وقّع الرئيس موغابي مع ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق صفقة استشارية تزيد قيمتها على مليون دولار، ووُجهت إلى تسفانجيراي تهمة الخيانة.
قصة ضابط الموساد مع حميدتي وحفتر
في نهاية يوليو/تموز، نقلت وسائل إعلام خبراً يفيد بقدوم قرابة 1000 عضو من قوات الدعم السريع السودانية (RSF) إلى شرق ليبيا، للانضمام إلى صفوف قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والذي يشن حرباً ضد الحكومة الليبية المعترف بها في الأمم المتحدة في طرابلس.
وقوات الدعم السريع هي قوة شبه عسكرية يقودها محمد حمدان دجالو، نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان المعروف باسم حميدتي، ولعبت دوراً رئيسياً في حملة قاتلة ضد المحتجين في السودان منذ بداية يونيو/حزيران.
ووفقاً لوسائل إعلام، تم نشر هؤلاء لحماية المنشآت النفطية في شرق ليبيا الخاضع لسيطرة حفتر من أجل السماح لمقاتليه بالتركيز على شن هجوم على طرابلس، وهو الهجوم الذي لم يحقق نجاحاً حتى الآن.
بن ميناشي والمجلس الانتقالي السوداني
ووفقاً للوثائق التي وقّعها حميدتي نيابة عن المجلس العسكري في مايو/أيار 2019، فقد تم اقتراح نقل القوات لدعم الجيش الوطني الليبي في ليبيا كجزء من صفقة بقيمة 6 ملايين دولار بين الحكام العسكريين السودانيين والشركة الكندية.
ويتضمن العقد في المقابل تسهيل حصول المجلس العسكري الانتقالي في السودان على اعتراف دبلوماسي دولي، وتمويل مالي، حسب ما ذكر موقع بي بي سي.
وضمن هذا العقد، فقد وعدت الشركة بتلميع صورة المجلس، الذي استولى على السلطة في انقلاب في أبريل/نيسان 2019، والذي تُتهم قواته بقتل عشرات المحتجين في الخرطوم.
وقال رئيس الشركة، أري بن ميناشي، إنه توصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري "لمساعدتهم في تشكيل حكومة مدنية، وجلب شخصية اقتصادية ورئيس وزراء مؤهلين لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وترتيب الأوضاع الحالية".
ومن بين أنشطة الضغط الأخرى، تضمنت الصفقة "السعي للحصول على تمويل للمجلس الانتقالي السوداني من القيادة العسكرية الليبية الشرقية في مقابل مساعدتهم العسكرية للجيش الليبي بقيادة حفتر".
حاول إنقاذ البشير
وكشف بن ميناشي النقاب عن مقابلته في فبراير/شباط 2019 للرئيس السوداني السابق، عمر حسن البشير، الذي أطاح به المجلس العسكري الانتقالي.
وقال إنه قدم عرضاً للرئيس زعم أن الحكومة الأمريكية تؤيده، يقضي بتشكيل حكومة انتقالية، بشرط تنازله عن السلطة، مقابل توفير بقائه في السودان في وضع محترم، وتنازل محكمة الجنايات الدولية عن الدعاوى التي رفعتها عليه.
حفتر عميل أساسي مع بن ميناشي
وتُظهر الوثائق الأخرى المتاحة من خلال سجل وزارة العدل الأمريكية، أنه منذ نهاية حكم معمر القذافي في 2011، قدمت شركات بن ميناشي خدمات الضغط والعلاقات العامة للعديد من المجموعات الليبية، بما في ذلك الجيش الليبي التابع لحفتر، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا.
وأصبح حفتر عميلاً لابن ميناشي عام 2015، وكان آخر اتفاق هو توقيعه عقداً بقيمة ستة ملايين دولار مع الشركة "تريغر" للموارد والخدمات اللوجستية المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي آري بن ميناشي.
ووفقاً للعقد الذي وثقته وزارة العدل الأمريكية، فإن أطراف التعاقد من الجانب الليبي هم خليفة حفتر وعقيلة صالح وعبدالرازق الناظوري الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من درنة إلى بن جواد شرق ليبيا المعين من مجلس نواب طبرق، وشخص يدعى مراد الشريف.
ونص العقد على شراء معدات لوجستية من شركة رجل الأعمال الإسرائيلي آري بن ميناشي. كما تضمن اقتراح نقل القوات لدعم جيش حفتر في ليبيا.
ووعدت الشركة الكندية بممارسة الضغط من أجل الاعتراف بحفتر على حساب المجلس الانتقالي في طرابلس، وتفضيله في الولايات المتحدة وروسيا. كما تعهدت أيضاً بـ "السعي للحصول على 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية من موسكو".
أحداث تدخلات صانع الرؤساء
آخر المحطات التي وصل لها بن ميناشي في الشرق الأوسط كانت تونس، وذلك على خلفية الانتخابات الرئاسية. فقد فجر موقع "لوبيينغ آل مونيتور" مفاجأةً مدوية، بعدما نشر وثائق تُثبت تعاقد المترشح للانتخابات الرئاسية التونسية في دورها الثاني، نبيل القروي، مع شركة دعاية يملكها ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي.
ونشر الموقع نسخة من العقد المُبرم بتاريخ 19 آب/أغسطس 2019، والمسجّل لدى وزارة العدل الأمريكية هذا الأسبوع. وتكشف الوثائق أن القروي وقّع عقداً بقيمة مليون دولار مع شركة "ديكينز ومادسون" الكندية، بهدف التأثير على الحكومات الأمريكية والروسية والأوروبية.
ويهدف العقد الموقع إلى دعم القروي في الانتخابات، وتنظيم لقاءات له مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الروسي بوتين قبل الانتخابات.
وقْع الوثائق المنشورة على الرأي العام التونسي كان كبيراً، حيث استأثرت هذه المفاجأة المدوية باهتمام التونسيين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان التوجه السائد بين التونسيين هو التنديد بتعامل القروي مع شركة دعاية أجنبية، وتعامله مع ضابط إسرائيلي سابق.
ولفت انتباههم أيضاً الأموال الطائلة التي دفعها للشركة، التي تستوجب وفق أغلب التدوينات فتح تحقيق قضائي في المسألة، وإسقاط ترشح القروي.