انتفاضة العراق إلى أين؟ وكيف ستؤثر الأوضاع الحرجة بالمنطقة في مسار الأحداث؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/04 الساعة 15:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/04 الساعة 15:50 بتوقيت غرينتش
مظاهرات العراق / رويترز

مع تزايد وتيرة المظاهرات بالعراق وارتفاع عدد الضحايا، يبدو أن الأمور تتجه إلى التصعيد، فما السيناريوهات المحتملة في ظل تفجّر الأوضاع بالمنطقة بشكل عام، ووجود العراق في قلب الأزمة بين إيران والولايات المتحدة؟

موقع وكالة أسوشييتد برس الأمريكية رصد ما يحدث ببلاد الرافدين في تقرير بعنوان: "الانتفاضة في العراق تأتي في لحظةٍ حرجةٍ تمر بها المنطقة".

احتجاجات ضد النخبة السياسية

نظّم الشباب والشابات أنفسهم ونسّقوا على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد أن جمعهم السخط على نخبةٍ سياسية عراقية يرونها مسؤولة عن مظالمهم الكثيرة، قرروا الخروج في مظاهرة حاشدة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

لكنهم قُوبِلوا بالرصاص وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، لتغرق البلاد مرة جديدة في حالة عدم الاستقرار، في الوقت الذي كانت بالكاد قد بدأت تجاوز حربها الدموية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

أثار الرد الذي قوبلت به الانتفاضة مواجهات متصلة مع المحتجين في جميع أنحاء البلاد، أزهقت على أثرها أرواح أكثر من 30 شخصاً في ثلاثة أيام، فضلاً عن إصابة مئات.

حجر الزاوية لأمريكا في المنطقة

تأتي الاضطرابات بالعراق، وهي بلد مركزي لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، في لحظةٍ حرجة بالمنطقة وفي غمار توترات حادة بين إيران والولايات المتحدة، وكلاهما حليف للحكومة العراقية. فالعراق يستضيف آلاف الجنود من القوات الأمريكية، وهو في الوقت ذاته أيضاً موطن لميليشيات قوية تدعمها إيران. وقد كانت هناك مخاوفٌ بالفعل من تحوُّل البلاد إلى ساحة معركة بالوكالة بين الجانبين.

من هم المتظاهرون؟

معظمهم رجال في أوائل العشرينيات من العمر، وهم يشعرون بخيبة الأمل والسخط على النخبة الحاكمة التي يرونها تُواصل تبديد ثروة العراق النفطية منذ سنوات. ومن بين المتظاهرين أيضاً مئات من خريجي الجامعات الجدد، من الذكور والإناث الذين لا يجدون وظائف، إلى جانب معلمين وكبار سن من الرجال والنساء، بالإضافة إلى نشطاء المجتمع المدني.

ارتفاع ضحايا الاحتجاجات بالعراق لـ44 شخصاً وألفي مصاب.. دول خليجية تدعو مواطنيها لمغادرة البلاد فوراً
احتجاجات العراق/رويترز

لقد احتشدوا من خلال الإنترنت حول وسم "نازل آخذ حقي". وخرجوا إلى الشوارع يحملون أعلام العراق أو يلفُّون أنفسهم بها. وتتضمن المظالم التي خرجوا من أجلها ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل، والفساد المستشري يمثل أكثر شيء يشتكون منه. ويحتل العراق المرتبة الـ11 في مؤشر الفساد العالمي لعام 2017، ويقول البنك الدولي إن معدل البطالة بين الشباب في العراق يزيد على 20%.

وتركزت المظاهرات التي جاءت في معظمها عفوية وتفتقر إلى قيادة، ببغداد وفي أحياء الطبقة العاملة. وجرت الاحتجاجات بالأساس في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، غير أنها شهدت مشاركة بعض السُّنة أيضاً. ويمثل الشيعة أغلبية في البلاد، إلى جانب هيمنتهم على الحكومة.

لماذا الآن؟

وقد أخذ الضغط يتصاعد منذ إعلان انتهاء المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في عام 2017، وحتى قبل ذلك. فبعد انتهاء القتال، كانت أجزاء كبيرة من العراق في حالة خراب، وتشرد عشرات الآلاف من الأشخاص دون منازل ليعودوا إليها، علاوة على أنَّ تردي خدمات الكهرباء والمياه المعروف عن البلاد، لم يحُل دون ازديادها سوءاً خلال الفترة الماضية.

شهدت البلاد احتجاجات متكررة خلال السنوات الأخيرة، خاصة في أشهر الصيف الحارة عندما يكون نقص الكهرباء والمياه في أقصى درجاته. وكانت مدينة البصرة بجنوب البلاد قد عرفت احتجاجات عنيفة وأعمال شغب في الصيف الماضي، بسبب المياه الملوثة.

أعطت الحرب على داعش نفوذاً غير مسبوق لميليشيات تدعمها إيران وتُعرف مجتمعةً باسم "قوات الحشد الشعبي"، والتي شاركت في قتال التنظيم المتطرف إلى جانب الجيش العراقي، وأصبحت الآن جزءاً من قوات الأمن بالبلاد. وأخذت الميليشيات بعد ذلك في مراكمة قوةٍ سياسية واقتصادية هائلة لديها، بلغت بها إلى تحدي سلطة الحكومة المركزية.

وعد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي وصل إلى السلطة قبل عام، بإحداث تغييرات ومحاربة الفساد، لكنه لم يتمكن من تحقيق إصلاح حقيقي. علاوة على أنه بات عاجزاً عن كبح جماح الميليشيات، وأخذ السخط يتراكم لدى كثير من العراقيين على حكومة يرونها تزداد خضوعاً يوماً بعد يوم لإيران.

السياق الإقليمي

والآن يضع العنف الذي يجتاح العراق بعد انتشار الاحتجاجات في معظم محافظاته، عبدالمهدي في موقف حرج، ويهدد بإسقاط حكومته، في وقت يشهد توترات إقليمية متزايدة. إذ رغم سقوط عدد من القتلى، لم يخرج عبدالمهدي لمخاطبة الشعب، بل أصدر بياناً ألقى فيه باللوم على "عناصر مندّسة" بين المتظاهرين في التحريض على العنف، ووعد بمعالجة مخاوفهم.

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي – رويترز

وفي حين يطالب المتظاهرون حكومته بالاستقالة، فإن إجراءاتٍ مثل حظر التجول وإغلاق الإنترنت تلمح إلى الموقف المتشدد الذي اختارته الحكومة.

ودعت شخصيات سياسية ذات ثقل، مثل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، إلى إجراء تحقيق في استخدام العنف المفرط من قِبل الأجهزة الأمنية، غير أن دعواته لم تبلغ حد دعم المتظاهرين.

في الوقت الذي لم يعلق فيه قادة ميليشيات الحشد الشعبي الممثلة في الحكومة والبرلمان على الاحتجاجات؛ خوفاً من تصاعد رد الفعل على ما يبدو، فقد أشعل المتظاهرون النار في بعض مكاتبهم بالجنوب، وفي مدن شملت النجف والعمارة. ومن ثم تجاهلت القنوات التابعة لهم الانتفاضةَ إلى حد كبير.

هناك بالفعل دلائل تشي بأن التوتر الإقليمي له دور في الأحداث. فقد حمّل بعض المتظاهرين في بغداد المسؤولية على المجموعات التي تدعمها إيران داخل قوات الأمن في العنف الذي وُوجِهوا به. في الوقت نفسه الذي أشارت فيه وسائل الإعلام التابعة للمجموعات المدعومة إيرانياً إلى الولايات المتحدة والسعودية باعتبارهما سبباً في الانتفاضة.

الأنظار كلها موجهةً الآن إلى قادة الميليشيات والمرجعيات الدينية الشيعية، لا سيما آية الله العظمى السيد علي السيستاني، أكبر مرجعية شيعية في العراق، خصوصاً أنه طالب الحكومة خلال خطبة الجمعة، بأن تلبي مطالب المتظاهرين، وهو ما سيعطي زخماً لتلك الانتفاضة.

تحميل المزيد